ایکنا

IQNA

مَنْ كانَ لَهُ في نَفْسِه يَقَظَةٌ كانَ عَلَيْهِ مِنَ اللّهِ حَفَظَةٌ

22:34 - May 28, 2025
رمز الخبر: 3500320
بيروت ـ إکنا: مما لا شك فيه أن اليقظة الدائمة تمثِّل عامل قوة للإنسان، وتمنحه الأفضلية على عدوه، وتجعل يده العليا، وتساعده على فهم عدوِّه بشكل أفضل وفهم نقاط القوة والضعف في شخصيته.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ كانَ لَهُ في نَفْسِه يَقَظَةٌ كانَ عَلَيْهِ مِنَ اللّهِ حَفَظَةٌ".
 
اليَقَظَة: ضدّ الغَفلة والنوم، وهي حالة معنوية تتجلّى في الوعي والبصيرة، والانتباه الدائم، والحذر المستمر، واتخاذ الاحتياطات اللازمة في مواجهة ما تقتضيه طبيعة الحياة وما يطرأ فيها من أحداث ومتغيّرات، وفي مواجهة عدوَّيّ الإنسان:

العدو الأول والأخطر: أهواؤه وشهواته ونفسه الأمارة بالسوء، والتي تمثل بيئة مثالية لشياطين الأرض وأبالستها للنفاذ إلى نفس الإنسان والتأثير عليها واستمالتها، وأخذها إلى خيارات وسلوكيات منحرفة خاطئة.

اقرأ أيضاً:

والعدو الثاني: الإنسان الذي يعاديه، ويظلمه، ويتجاوز عليه، ويمنعه حقوقه، ويتمثل في طغاة الأرض، والمستكبرين، والمحتلين، والقَتَلَة، والمجرمين.

اليقظة أمام هذين العدوين ضرورية ضرورة الماء للحياة، وضرورة الروح للبدن، والغفلة أمامهما وعنهما قاتلة مهلكة، لأنهما لا يغفلان أبداً، كما نبَّه إلى ذلك الإمام أمير المؤمنين (ع) بقوله: "مَنْ نَامَ لَمْ يُنَمْ عَنْهُ".

ومما لا شك فيه أن اليقظة الدائمة تمثِّل عامل قوة للإنسان، وتمنحه الأفضلية على عدوه، وتجعل يده العليا، وتساعده على فهم عدوِّه بشكل أفضل وفهم نقاط القوة والضعف في شخصيته، وعلى التعامل معه بوعي ودقة، وتدفع عنه مكائده ومكره، وتحمي مقدّراته وإمكانياته، ما يمكِّنه من تطوير مهاراته وقدراته النفسية والمعنوية والمادية، وتدفعه إلى التركيز في العمل، والإتقان فيه، وتُجنِّبه الهزيمة والانكسار، بل تعتبر عاملاً مهما من عوامل الانتصار في أية مواجهة يخوضها مع عدوَّيه آنفي الذكر.
 
إن قول الإمام أمير المؤمنين (ع): "مَنْ كانَ لَهُ في نَفْسِه يَقَظَةٌ كانَ عَلَيْهِ مِنَ اللّهِ حَفَظَةٌ" يشير إلى أن الله تعالى يؤيِّد اليَقِظَ ويحيطه برعايته وعنايته ويسدِّده، ويوكِّل ملائكته الكرام بحفظه والدفاع عنه، أما كيف يحفظونه فذلك أمر لا سبيل إلى معرفة كيفيته، لكن لا يمكننا إنكاره، فما يذكره الله فهو واقع بلا جدال، حيث يقول سبحانه: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴿الرعد: 11﴾.

إن الله يحفظ عباده بالمعقِّبات (الملائكة) التي تتعاقب وتتناوب على حفظهم في الليل والنهار، من بين أيديهم ومن خلفهم، هذا الحفظ عام لجميع البشر، بل جميع الخلق، وهو ناشئ من رحمته تعالى ولطفه وبرأفته بخلقه، وهذا غير مشروط، فهو حفظ ابتدائي، غير أن هناك مرتبة من الحفظ الخاص لصنف خاص من الناس فيه مزيد عناية ورعاية، وهو مشروط بحذر العبد ويقظته الدائمين، فالذي يكون دائم الحذر واليقظة، مراقباً لأفكاره وسلوكياته، متنبِّهاً لعثراته وزلاته، حَذِراً من وساوس الشيطان وهوى النفس، واعياً لكل ما يحيكه أعداؤه من مكائد ومؤامرات فهذا يُدخِله الله في دائرة عنايته الخاصَّة، فيرسل ملائكته لحفظه ورعايته والعناية به، وتأييده أمام أعدائه، وتسديده في خطاه وقراراته، ووقايته من الشرور ومكائد الأعداء، وتوفيقه لفعل الخيرات، وقد ذكر الله تعالى نحوا من ذلك في قوله: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ ﴿124﴾ بَلَىٰ إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴿125﴾ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴿آل عمران:126﴾.

نعم قارئي الكريم، يجب التصديق بما أخبر به القرآن، وأن الملائكة قد كانوا بالأعداد التي ذكرها الله، وأنهم كانوا جنداً مع جنود الله فى تلك المعركة، أما أنهم شاركوا بالمعركة مادياً أي تمثَّلوا أشخاصاً وقاتلوا فذلك لا تفيده الآيتان، بل تفيدان أن الملائكة كانوا يؤيدون المسلمين ويثبِّتونهم نفسياً ومعنوياً ويدفعون عنهم بوسائل لا يعلمها إلا الله تعالى.

 بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
captcha