ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتُلِيَ بِكِبَارِها

22:16 - May 25, 2025
رمز الخبر: 3500276
بيروت ـ إکنا: إن تضخيم المصائب يزيد من ضغوطها النفسية، ويؤدي إلى فقدان الشخص القدرة على التفكير، وغالباً ما يؤدي إلى انهياره أمامها، واستيلاء الشعور بالعجز عليه، فيعجز عن التعامل معها والخروج منها، فينتقل من مصيبة صغيرة إلى ما هو أكبر منها.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتُلِيَ بِكِبَارِها".

معادلة في غاية الأهمية، إن أنت عَظَّمت المصائب الصغيرة ابتُليتَ بأكبر منها، لا تُبتلى بأكبر منها انتقاما منك، بل لأن شعورك بعظمة الصغير من المصائب يفقدك القدرة على الثبات أمامها وعجزك عن التعامل معها وعن مقاومتها، فتصبح كل مصيبة تصيبك كبيرة وعظيمة، وتعلمنا هذه المعادلة تالياً مهارة التعامل مع المصائب. 

الناس حيال المصائب صنفان:

صنف: يعظِّمها ويضخّمها، فيَعظُم ثقلها على كاهله، ويتضاعف ألمها في نفسه، فيعجز عَمّا سواها ولو كانت صغيرة.


إقرأ أيضاً:


وصنف: يعطيها حجمها الطبيعي، ويتعامل معها بوعي وذكاء، ويتقبُّلها برضىً وتسليم، فتصغر، وتخفّ وطأتها عليه، فيخرج منها دون أن تخلِّف في نفسه آثارها السلبية.  

ولقد نبَّه الإمام أمير المؤمنين (ع) إلى هذين الصنفين في تعاملهما مع المصائب فقال: "إنّكَ إن صَبَرتَ جَرَت علَيكَ المَقادِيرُ وأنتَ مَأجُورٌ، وإن جَزِعتَ جَرَت علَيكَ المَقادِيرُ وأنتَ مَأزُورٌ" فالصابر على المصيبة مأجور على صبره، والجازع منها وهو الذي يعظِّمها ويُضخِّمها مأزور، والمعنى أن وطأتها عليه تكون ثقيلة جداً.

إن تضخيم المصائب يزيد من ضغوطها النفسية، ويؤدي إلى فقدان الشخص القدرة على التفكير، وغالباً ما يؤدي إلى انهياره أمامها، واستيلاء الشعور بالعجز عليه، فيعجز عن التعامل معها والخروج منها، فينتقل من مصيبة صغيرة إلى ما هو أكبر منها.

لذلك يجب إعطاء الأزمات والابتلاءات والمصائب حجمها الطبيعي، وتلقيها بوعي، والتعامل معها بذكاء، والصبر على آلامها ومتاعبها، ما يقلل من ثقلها عليه. 

وإذا جمع الإنسان إلى ذلك الرضا بقضاء الله، وصبر احتساباً لله، وعلِمَ أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأنا ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الله تعالى يثيبه على رضاه وتقبُّلُه وصبره، ويعوضه خيراً مِمّا فقَدَه فمن المؤكد أن يعبر أزماته بأقل كلفة، وأن يواجه المصائب بقوة ورباطة جأش، بل قد يتمكن من تحويل ما أصابه إلى فرصة لتحقيق ما كان يرغب في تحقيقه. 

إن المؤمن ليرضى بقضاء الله تعالى ويتقبّله يقيناً منه أن الله لا يقضي عليه شيئاً إلا إذا كان خيراً له، ولا يمنع عنه شيئاً إلا إذا كان شراً عليه، فالله حكيم خبير لا يقدِّر على عبده إلا الأصلح له، ولذلك لا يستعظم المؤمن قضاء الله، ولا يضَخِّم ما يصيبه من مصائب، ولقد كان إمامنا الحسين (ع) يتلقى السهام من كل ناحية وصوب، وإن دمه لينزف من صدره وجبهته وأنحاء جسده الشريف وهو يردِّد قائلاً: "صَبْراً عَلى قَضائِكَ يا رَبِّ! لا إِلهَ سِواكَ، يا غِياثَ الْمُسْتَغيثينَ، ما لي رَبٌّ سِواكَ، وَلا مَعْبُودٌ غَيْرُكَ، صَبْراً عَلى حُكْمِكَ يا غِياثَ مَنْ لا غِياثَ لَهُ..."

إن رضى العبد بقضاء الله، وإعطائه المصائب حجمها الطبيعي، وعدم تضخيمها، وصبره عليها، يفتح له أبواب الرحمة والمغفرة ويجنّبه الشعور بضخامتها. 

يقول الله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿155﴾ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿156﴾ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴿البقرة:157﴾ فالناس جميعاً مُبتَلَون في هذه الحياة -سواء أ كانوا أفراداً أو جماعات أو أُمَماً- بشى‏ء من الخوف والجوع وبنقص في الأموال والأنفس والثمرات، فليس أحد في هذه الدنيا بمأمن أبداً من أن تنزل به هذه النوازل، متفرقة أو مجتمعة، والجزع فى هذه المواطن هو الذي يثقل المصيبة، ويوَلِّد منها مصائب، فيضاعف معها البلاء، ويعظم الألم، ويطبق اليأس، ويغلق كل باب للأمل والرجاء.

أما الذي يلقى أحداث الحياة ومصائبها بالصبر، ويواجهها بالتسليم والرضا، عن يقين وإيمان بأن ما وقع إنما هو بقضاء الله وقدره، فإن ذلك يُهَوِّن عليه من وقع المصائب وإن عظمت، ويمدُّه بمعين عظيم من الصبر والاحتمال، ويفتح له باباً واسعاً من الأمل والرجاء فيما هو خير عند الله وأبقى.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي

captcha