ایکنا

IQNA

أمريكا ومنطق التسوية مع إيران، بين الحرب وفرض الشروط

15:14 - June 17, 2025
رمز الخبر: 3500589
بيروت ـ إکنا: لقد تفاخر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" مراراً بأنه لم يشن الحروب في ولايته الأولى، ثم نراه في ولايته الثانية يقرع طبول الحرب لفرض تسوياته بالقوة سواء مع إيران أو مع اليمن.

وعاد الطاغي الأمريكي "دونالد ترامب" للتهديد والوعيد، وكان آخر طغيانه، قوله لإيران "لن تكسبوا الحرب وعليكم بالحديث معنا قبل فوات الآوان…!"، هذا فضلًا عن ما ترشحت عنه قريحته مؤخراً بدعوته سكان طهران إلى مغادرة بلادهم!

لا شك في أن الغرور الطغياني هو مبتدأ انهيار الحضارات وسقوطها.وبما أن أمريكا تحاول جاهدةً الإبقاء على نفوذها العالمي سواء بالاقتصاد أو بالهيمنة العسكرية، فهي قادرةٌ بما تختزنه من عنصرية وتاريخ استعماري على أن تمارس أقصى الضغوط الاقتصادية والعسكرية، طالما هي لاتجد منافساً لها على الساحة العالمية للحدّ من فورة طغيانها! وها هي قد عادت أدراجها للتهديد والوعيد في كل اتجاه، تارة ضد إيران، وطوراً ضد اليمن!

وقد سبق لرئيس الولايات المتحدة أن أعلن أنه لو كان رئيساً لما وقعت الحرب الروسية الأوكرانية، وأنه كان بإمكانه إنهاء هذه الحرب بمكالمة هاتفية! وهو في كل يوم تراه يرمي بسهامه في كل اتجاه! شاكياً وناعياً فرص التسوية بين الدولتين! ويمكن لكل خبير في السياسات العالمية أن يتساءل، ماذا يريد هذا الرئيس؟ هل يريد فرض الرسوم الجمركية لتحصين مكانة بلاده؟ أم أنه يريد الحرب لتطويع الدول المناهضة للاستعمار الأمريكي؟

إقرأ أيضاً:


لقد تفاخر هذا الرئيس مراراً بأنه لم يشن الحروب في ولايته الأولى،ثم نراه في ولايته الثانية يقرع طبول الحرب لفرض تسوياته بالقوة سواء مع إيران أو مع اليمن، وقد بلغ به الطغيان حد فقدان التوازن في ما أعلنه من تسويات أو حروب للبيع والشراء في أسواق السياسة العالمية دون مراعاة لحقوق الشعوب،كما بيّن في أطروحته الباهتة عن شراء غزة فلسطين! أما بخصوص إيران والتسوية معها بشأن ملفها النووي، فنرى الرئيس الأمريكي يرسل برسائل التهديد والحرب إذا لم تحسم إيران موقفها التفاوضي، وتقبل بتفكيك برنامجها النووي، وكأن هذا الرئيس لم يتعلم من تجارب بلاده في الحروب بعد أن لحقت بها الهزائم في أفغانستان والعراق،وها هي في اليمن تعجز عن فتح باب المندب إلى غير ذلك مما عجزت عن تحقيقه، سواء بالمباشرة أو عبر وكلائها كالكيان الصهيوني الذي عجز عن الانتصار في غزة ولبنان!

فكل هذه الهزائم لم تزل حاضرةً وماثلةً أمام الدولة العميقة في أمريكا، ولكن طغيان القوة يحول دون الاعتبار والاتعاض بالتجارب! فإذا كانت أمريكا تريد التسوية مع إيران، فلننظر إلى الشروط المطروحة للتسوية، فهي تريد تفكيك البرنامج النووي، ومنع إيران من أن يكون لها علاقات نصرة وتعاون مع حلفائها،وتقييد البرنامج الصاروخي الدفاعي بكل ما يعنيه ذلك من تقييد لقدرة إيران للدفاع عن نفسها إلى غير ذلك مما تنطوي عليه رسالة التهديد الأمريكية!

ولا شك في أن هذه الشروط كلها لا تبقي على شيء مما يسمى بالأمن القومي الإيراني! فما يكون معنى التسوية إذًا،غير أن تنسحب إيران من دورها وثوابتها في نصرة الشعوب المستضعفة،وخصوصًا نصرة القضية الفلسطينية؟ إن مقتضى الدبلوماسية،والسياسة النفعية،والعلم بمصالح الدول،يفترض تقديم رؤية واقعية تسمح بإجراء التسوية وإنجاحها،لا أن تفرض التسوية على الطريقة الأمريكية! فإيران ليست أفغانستان ولا العراق ولا اليمن، وهذا ما ينبغي أن يعلمه الرئيس الأمريكي، فكل ما تضمنته رسالة التهديد غير قابل للتحقق،لأن كل بند من بنودها،فيما لو  أرادت إيران الالتزام به، يعني وجود إيران نفسها،دينًا،ودورًا،ووظيفة،فكيف يمكن إنجاح التسوية إذا كان المراد منها إضعاف إيران لحماية الكيان الصهيوني؟ إن من لم يستطع فرض شروطه في غزة ولبنان واليمن، لا يمكنه بالصلف والكبرياء والطغيان أن يفرض شروطه على إيران!

وهذا ما تعيه الدولة العميقة في أمريكا جيداً، فهي تعلم أنها فاوضت لسنوات لإبرام اتفاق نووي مع إيران لعلمها اليقيني أن الحرب ليست في مصلحتها الاستراتيجية، فهل تعود اليوم للحرب مع إيران لتهديد مصالحها في الشرق الأوسط! إن التعقل السياسي، والوعي بالمصالح الأمريكية يفرض على الرئيس الأمريكي أولًا: إمعان النظر في حربه مع اليمن وعجزه عن فتح باب المندب،ثم التفكير في الحرب ضد إيران وفتح مضيق هرمز! فأمريكا تجعل من قوتها العسكرية نقيضًا للتعقّل السياسي!

وهذا من شأنه أن يأخذ بهذه الدولة العظمى بكل طغيانها إلى مزيد من الهزائم! أما إيران، فهي تأخذ بمنطق التسوية إلى أقصى مدى له في ظل رؤية واقعية لإدارة الصراع لتحول دون وقوع الحرب، وهذا ما تقتضيه سياسة الإسلام الواقعية، فإذا كان المراد من التسوية إخراج إيران من نفسها أو من ثوابتها أو من مصالحها، فإن الحرب ستكون هي البديل في مواجهة الطغيان الأمريكي!

فلتمارس أمريكا ما تشاء من الضغوط والعقوبات والتهديدات،فهذا كله لا يعني أكثر من ترهلات سياسية تبديها أمريكا، لتحسين شروطها التفاوضية.أما أن تكون هذه مقدمةً لشن حرب جديدة ضد إيران مباشرةً أو بالوكالة بدعم الكيان الصهيوني، فإن النتيجة لن تكون سوى المزيد من الترهل الأمريكي الصهيوني ما يفسح بالمجال أمام المارد الصيني ليأخذ دوره في إدارة الصراع العالمي كقوة عظمى على حساب الدور الأمريكي!

هذا إذا لم تتسبب الحرب مع إيران بتوسع الصراع ليكون استقطاباً مهدداً للدول العظمى نفسها.إن الحرب مع إيران رغم كل ما تنذر من خسائر استراتيجية،سيكون من نتائجها الحتمية خروج أمريكا من غرب آسيا، ويبقى على أمريكا أن تختار بين دورها العالمي، وبين حمايتها للكيان الصهيوني بعد أن ترهل هذا الكيان إلى حد العجز عن حماية نفسه في مواجهة أضعف القوى عسكريًا! فأمريكا ليست دولة تسويات، طالما هي ترى في قوتها وطغيانها سبيلًا إلى الهيمنة والاستعمار،وهذا ما تعيه إيران جيدًا،فلا ينبغي التحول عن الثوابت، طالما هي السبيل الوحيد لحفظ الواقع الجيوسياسي،والجيوستراتيجي لإيران، دينًا،ودولةّ، وحقًا مشروعًا في السيادة والاستقلال، والتحرر من استبداد القوى الطغيانية في العالم.

إن إيران اليوم تقف على الجانب الصحيح من الدين والتاريخ، فلا بأس أن تكون على طريق ذات الشوكة،فكل شيء يحسب للعظماء إذا ما كان دعاؤهم،كما قال تعالى عن نبيه نوح(ع):"فدعا ربَّه أنَّي مغلوبٌ فانتصر،".وما النصر إلا من عند الله.
 
أ.د فرح موسى:رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية في لبنان
captcha