ایکنا

IQNA

إيران الإسلامية ومزاعم القلق الاستراتيجي

14:08 - March 25, 2025
رمز الخبر: 3499516
بيروت ـ إکنا: إن ما يزعمه بعض المتلبّدين في السياسة من أن إيران تعيش حالةً من القلق الاستراتيجي ليس له ما يسوّغه وفق الرؤية الدينية التي تبني عليها إيران في إدارة أزماتها،وتعزيز علاقاتها،لأن الإسلام دين واقعي،وهو متميّز بمرونته وسماحته،ويسوّغ منتهى الواقعية في مخاطبة الطواغيت بما يخفف من غلوائهم،ويطامن من كبريائهم.

يتساءل كثيرون من الخبراء في السياسة والشؤون الاستراتيجية عن جدوى ما اختارته إيران من سلوك وسياسات في مواجهة العدوان الأمريكي الصهيوني على فلسطين وكل حلفاء إيران في الإقليم، ويرى هؤلاء أن الفعلية السياسة لإيران قد تجاوزت حدود القلق الاستراتيجي على الحلفاء والمصالح معًا! وبعضهم وصل به التشكيك إلى حد الاتهام لإيران في خياراتها الاستراتيجية؛ زاعمًا ومتسائلاً عن معنى وجدوى قبول إيران للهزائم دون أن تكون لها ضرباتها الموجعة للحد من خسائرها في الشرق الأوسط!؟

وانطلاقًا من ذلك، نرى أنه يمكن لأي متابع،أو مراقب في جو من  الموضوعية السياسية،أن يُجيب على ذلك،وفق خبرته ودراسته للواقع الإيراني في ضوء المبادىء والثوابت التي تنطلق منها إيران،سواء في المواجهة،أو في المفاوضة،ذلك أن إيران ليست مجرد تجلٍ حضاري في التاريخ،وإنما لها كل العمق المعرفي الذي يمتد بها،وعيًا ،وخبرةً،وحضارةً، وسياسةً،تسقط أمامه كل مفاخر التاريخ والحضارات!فكيف لمتمرسٍ بسيط في الخبرة والسياسة،أن يجيب على تساؤلات وجدوى الفعلية السياسية لإيران في مواجهة الأعداء،!؟فهذه الدولة،بما هي تجلٍ حضاري وثوري في عالم التقارب العالمي،والتفاعل العولمي،لم يكن ولن يكون في مخيّلتها السياسية شن الحروب الشاملة،لا مع إسرائيل،ولا مع أمريكا،فضلًا عن غيرهم من الدول المستعمرة،أو المتآمرة.


إقرأ أيضاً


فإيران تتعامل مع كل عدوان وفق رؤية شاملة في الاستراتيجية،وتأخذ العدوانية بقدرها،كما أنها لا تنفعل أمام التهديدات الخارجية طالما أن هذه التهديدات لم ترق إلى الخطر الفعلي،ولم تتحول إلى عدوانية ملحوظة في بعدها العسكري.فكل ما تريده إيران ،هو دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،وتحمّل مسؤولية هذا الدعم في المحافل الدولية.

أما أن تكون إيران بصدد إعلان الحروب،أو افتعال الأزمات،لتكون إزاء حرب مباشرة،فهذا مما لا تريده إيران،ولا تسعى إليه،كما بيّن قائد الثورة،أن إيران لا ترسل الجيوش،ولا تعلن الحروب لحماية نفوذها،وحينما تقتضي مصالحها الدفاع،أو القتال،فهي تعرف كيف تدافع عن نفسها،ومتى تتدخل لتفويت فرص الأعداء.فإيران تتقن جيدًا فنون الحرب والسلام،وهي تستند إلى مبادىء الإسلام في مواجهة الأعداء.والإسلام،كما يعرف العقلاء في السياسة،والعلماء في الدين،يدعو إلى عدم معاجلة الأعداء بالحرب،لقول الإمام علي(ع): لا تبدأوهم قبل أن يبدأوكم،فإذا بدأوا أصبح لكم عليهم حجتان،حجة أنهم على باطل،وحجة أنهم اعتدوا،وكما قال الله تعالى:"فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين.".

 وهكذا،فإن منطق إيران إزاء ما يتعرّض له الإقليم من عدوانية استعمارية،هو اغتنام كل فرص السلام،والعمل بحكمة الوعي والبصيرة الحضارية،لجعل العدو يخسر فورة غضبه،وطغيان قوته،سواء في حالة الحرب،أو في حالة السلام،على قاعدة أن أفضل وسيلة لكسب الحرب،هي كسبها من دون حرب في إطار وعي شامل لقضايا المنطقة ومصالحها.وهذا ما تكشف عنه واقعية السياسة الإيرانية من حيث إنها ترى في كل تهديد استراتيجي فرصةً للمفاوضة وتبادل المصالح في حدود ما تقتضيه الواقعية السياسية،والحرص على مبدئية السلام،كما هو مفاد قوله تعالى للأنبياء موسى وهارون(عليهما السلام):"اذهبا إلى فرعون إنه طغى،فقولا له قولًا لينًا لعلَّه يتذكّر أو يخشى.."،فإذا كان العدو لا رغبة لديه لإعلان الحرب،ويريد مشاغلة نفسه بعوامل قوته،وفرط طغيانه،ويعطي لنفسه فرصة التهديد الصاخبة على مسارح السياسة العالمية!فمن الخطأ الأخذ به إلى آتون ناره،أو معاجلته في الحرب لإحراجه،وتفويت فرصة السلام معه،كما حصل في المفاوضة النووية السابقة.

فالمعجزة لا تكون بمعاجلة الحرب،وإنما هي في اجتراح الحلول لتحقيق السلام،كما قال الله تعالى:"والصلح خيرٌ"،بكل ما يعنيه ذلك من إطلاق وإحكام في العلاقات الدولية.فإيران،بما هي دولة إسلامية واقعية في ثوابتها الدينية ومنهجها السياسي،تنظر إلى مداهنات الدول الكبرى،فترى الصين وروسيا تتفاعلان مع أمريكا وفق المصالح الاستراتيجية،ويبذلان كامل الجهد للحفاظ على خطوط التواصل بما يخدم هذه المصالح رغم وجود حالات من العداء والخوف المتبادل بين هذه الدول؛ولكنها مضطرة لممارسة أقصى ما يمكن من الحكمة لتلافي الأزمات الحادة،للحيلولة دون تهديد السلام العالمي،لأن هذه الدول إن تناقضت إلى حد الجنون،فلن يكون لها الأمن والاستقرار لممارسة دورها،واستكمال مراحل نمائها.فإيران ليست آتية من خارج هذا النسق في الواقعية السياسية،وترى أنها قادرة على إحكام الدور الحضاري والديني والسياسي بما يحقق الأهداف،وينصر الحلفاء،فلماذا يراد لها أن تكون، بخبث السياسة الدولية،متنفسًا لجذب الحروب إلى ساحتها،وهي التي تجاوزت كل قطوعات التآمر الدولي،في الحرب والسلم،منذ نشأتها واختيارها لاستقلالية أطروحتها في الدين والدولة معًا!؟

لقد نجحت إيران طيلة عقود من الزمن في اختيار ما يلائم أطروحتها،وقدّمت أنموذجها الفريد في بناء العلاقات الدولية،والسياسات النووية ما جعل العالم كله يفكر في طريقة الارتقاء إلى مستوى حكمتها،ووعي صلابة موقفها،وهي تعي تمامًا معنى أن يكون الفناء العالمي رهن الاعتداء عليها،فهي لا تساوم على القضية الفلسطينية،وتقدّم نفسها للعالم على أنها أطروحة حياة ومعنى ديني وحضاري في مقابل ما يشهده العالم من تشظي في الرؤي والمعارف والأهداف!

إنها دولة تحظى بموقعها الاستراتيجي،وليست مضطرةً لأن تساوم،لا على حقوقها،ولا على حلفائها،وهي لا تزال على مواقفها في تثبيت مسحة الثورة على دولتها في الانتصار لقضايا الحق والعدالة.إن ما يزعمه بعض المتلبّدين في السياسة،من أن إيران تعيش حالةً من القلق الاستراتيجي ليس له ما يسوّغه وفق الرؤية الدينية التي تبني عليها إيران في إدارة أزماتها،وتعزيز علاقاتها،لأن الإسلام دين واقعي،وهو متميّز بمرونته وسماحته،ويسوّغ منتهى الواقعية في مخاطبة الطواغيت بما يخفف من غلوائهم،ويطامن من كبريائهم.

فإيران ليست قلقة استراتيجيًا،وإنما هي تستجيب لضرورات الواقع في ما يفرضه من تحديات وأزمات عالمية،فإذا كانت إيران ترى لنفسها بعدية الأنموذج الحق،وتحمل أطروحة الإسلام العالمية،فإن ذلك يحتم عليها تجاوز الانفعال السياسي،واستيعاب التحولات وفقًا لرؤيتها،لكي تتمكن من تبديد هواجس الشعوب حول قدسية دورها ونصرتها لقضايا الحق والعدالة في مواجهة الطغيان العالمي.وهذا ما نرى أنه يشكّل منعطفًا جوهريًا في السياسة الإيرانية،لجهة تعاملها مع الأحداث،وفرضها لشروط المفاوضة مع الأعداء،وطريقة استيعابها للمعطيات والتحديات.والسلام.

بقلم أ.د. فرح موسى: رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية في لبنان

أخبار ذات صلة
captcha