ایکنا

IQNA

مفهوم القوة في الإسلام والتباسات الردع النووي

14:41 - May 12, 2025
رمز الخبر: 3500102
بیروت ـ إکنا: إنّ القرآن الكريم،والسنة النبوية يؤسسان لدولة تعايش العصر، وتماشي الظروف وكل المعطيات والتحولات في المجتمع، وليس هناك تعارض أو تنافي بين أن يدعو القرآن إلى بناء القوة الشاملة للمجتمع والدولة، وبين النهي عن الإفساد في الأرض.

وكتب فرح موسى في جواب مَن سأله من أهل العلم، وملخّص السؤال كان، هل يجوز للدولة الإسلامية امتلاك السلاح النووي بصرف النظر عن استخدامه؟ وما هي مسوّغات العلماء الذين يذهبون إلى تحريمه، ويرون فيه سلاحًا للدمار الشامل، ومهلكًا للحرث والنسل،وإفسادًا في الأرض؟

لا شك في أن الفقهاء حينما عرضوا لمخاطر هذا السلاح، ميزوا بين أمرين، بين صنع هذا السلاح واقتنائه، وبين استخدامه.ونحن في سياق الإجابة على سؤال الإخوة العلماء،نعرض لجملةٍ من التأسيسات الدينية والشرعية،لنرى ما إذا كان التحريم لهذا السلاح مؤسسًاً على الدليل أم على تصورات ومخاوف تحيط بظروف إنتاج هذا السلاح واستخداماته،فنقول: إن الله أمر بإعداد القوة، ورباط الخيل، وإحداث الرهبة لدى الأعداء.

فقال تعالى:"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل،ترهبون به عدو الله وعدوكم…".فهذه الآية،بما هي أمر إلهي،يمكن التأسيس عليها في فهم مصاديق مفهوم القوة في الإسلام،وذلك لما تفيده من إطلاق لا يمكن تقييده بهواجس صنع الأسلحة ومؤدياتها على مستوى النتائج؛فلا يقال،إنه يمكن للفقيه تقييد الإطلاق بلحاظ كون هذا السلاح يؤدي إلى الإفساد في الأرض وتدمير البشرية،وقد أجمع الفقهاء وعلماء الأصول على ضرورة التقيّد بالإطلاق ووجوبه ما لم تكن هناك قرائن شرعية تصرفه عن الوجوب والإطلاق،هذا فضلًا عن إجماعهم على ضرورة الاحتكام للأدلة الشرعية والعقلية،لكون التأسيسات كلها تدور مدار الدليل وجودًا وعدمًا.هذا أولًا.


إقرأ أيضاً:


ثانياً: لقد كان المصداق لمفهوم القوة في زمن بعثة الرسول(ص)، وإقامة الدولة هو تهيئة وإعداد المجتمع الإسلامي للدفاع عن نفسه، وحماية مصالحه بكل الوسائل المتاحة،لأنه لا يفهم من القوة في الإسلام مجرد إعداد السلاح والقدرات القتالية،بل الأمر الإلهي يتجاوز ذلك إلى بناء وإعداد القوة العقدِية، والثقافية، والاقتصادية،وغير ذلك مما يعنيه مفهوم القوة.

ويأتي إعداد السلاح كجزء متمم لبناء قوة الدولة في مواجهة الأعداء،ولهذا قال تعالى:"ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم..".ومما لا شك فيه أن الرهبة للعدو لا تكون لمجرد وجود قوة عسكرية بالخيول والسيوف والرماح،باعتبار أن هذه كانت تشكل مصداقًا حقيقيًا لمفهوم القوة في الإسلام في حينه.

أما اليوم،فقد اختلف الأمر في إعداد القوة،وتحوّل ليكون أسلحة متنوعة،أقل ما فيها من السلاح يمكن اعتباره سلاحاً دماراً شاملاً، ففي العصر الإسلامي الأول،كانت الخسائر تقع على المقاتلين في جبهات القتال،نصرًا وهزيمة،ولكنها في زماننا هذا تحوّلت لتكون دمارًا في المدن،وإفسادًا في البيئة،وضررًا يلحق بالمدنيين.

فإذا ما وضعنا القيود على إطلاق الآية، فإننا نكون بذلك قد خالفنا الأمر الإلهي،منصرفين عنه إلى دلالات أخرى،على نحو ما رأى بعض العلماء في ما تخوّف منه لجهة وجود مخاطر ومفاسد على البيئة والإنسان في صنع واستخدام السلاح النووي!؟


ثالثًا: إن صرف الإطلاق أو تقييده في مفهوم القوة ومصاديقه،إلى أنواع أخرى من التسلّح بحجة حماية البيئة والإنسان،وللحيلولة دون الإضرار بالآخرين من شأنه التأثير على مفهوم الرهبة في إعداد القوة،هذا فضلًا عن كونه يشكّل صرفًا من غير دليل،ويحدث تفاوتًا في مفهوم القوة في عصر باتت فيه أسلحة الدمار الشامل هي التي تشكّل عنصرًا أساسيًا في بناء القوة وإحداث الرهبة!

فالقرآن الكريم،وكذلك السنة النبوية الشريفة يؤسسان لدولة تعايش العصر، وتماشي الظروف وكل المعطيات والتحولات في المجتمع، وليس هناك تعارض أو تنافي بين أن يدعو القرآن إلى بناء القوة الشاملة للمجتمع والدولة، وبين النهي عن الإفساد في الأرض،ومنع التحريق والتغريق والتسميم،كما هو مضمون روايات كثيرة عن الرسول(ص) وأهل بيته تنهى عن ذلك وتحرّم الإقدام عليه،سواء في بلاد المشركين،أو في بلاد المسلمين.

فإذا كانت أسلحة الدمار الشامل،بما فيها السلاح النووي،تؤدي إلى الإفساد في الأرض وإلحاق الضرر بالبيئة والإنسان في كل زمان ومكان،فليست الدولة الإسلامية هي التي تتسبّب بذلك،لكونها دولة تعد القوة لمنع الإفساد،وطالما أن عصرنا اليوم أصبح متقوّماً بقوة السلاح النووي وكل أسلحة الدمار الشامل،فهذا يشكّل دافعًا،بالعقل والشرع،لتحقيق القوة،بحيث يكون مؤدى ذلك إحداث الرهبة وتوازن الردع بما يخدم الأطروحة الإسلامية في تحقيق السلام.

لقد ذهب بعض الفقهاء إلى القول:"إننا لو استفتينا العقل الفطري والوجدان السليم في إنتاج السلاح النووي واستخدامه،لما ترددنا في الحكم بالمنع منه،ومعاقبة مَن يصنعهُ!…".ويمكن أن يجاب على مقالة الفقيه بأن إنتاج الدولة الإسلامية للسلاح النووي،ليس دافعه الاستخدام،وإنما الردع وإحداث الرهبة بما يمنع العدوان،وإلا فما يكون معنى الرهبة للعدو إن لم تكن مالكًا للقوة المكافئة التي تجعل العدو مردوعًا عن أن تكون له فرصة التهديد للدولة كما يحدث اليوم مع الجمهورية الإسلامية في إيران!؟

رابعًا: إن إنتاج وصناعة وامتلاك التقنية والعلم النووي لم يعد مجرد خيار للدولة الإسلامية،وإنما أصبح قدرًا وضرورةً من ضرورات الوجود بلحاظ التحولات العالمية وتنوّع الأسلحة،وهذا ما يحتّم على الدولة الإسلامية مواكبة العصر،والتوفر على كل مصاديق القوة في العالم المعاصر،وإلا وقعت الدولة والأمة في محذور التخلف وتوّقع  الهزيمة أمام الأعداء،ولعل ما ذهب إليه بعض الفقهاء لجهة اعتبار السلاح النووي مشمولًا لقانون البراءة،سواء العقلية،أو الشرعية،لعدم وجود أدلة شرعية تمنع من ذلك،لا في القرآن ولا في السنة.

وكما يقول علماء الأصول: إن العمل المشكوك فيه واقعًا يحمل على الرخصة والإباحة،تمامًا كما يحمل على عدم العقوبة في الفعل المشكوك فيه ولم يكن ثمة دليل،أو بيان من الشارع.فإن قيل:ما هي آثار  ما اشترطه الشرع وذهب إليه في حرمة إلحاق الأذى بالبيئة والناس؟قلنا:إن الأمر بإعداد القوة والاستعداد وفق ظروف العصر وأدواته التسلحية،هو أمر إلهي لمنع حدوث الفساد وحماية الدولة،فإذا ما تسبّب الآخرون بذلك،فلا يكون إثمه على الدولة الإسلامية،بل على الأعداء.

ألسنا نرى كيف أن الأعداء اليوم يهدّدون محور المقاومة باستخدام السلاح النووي؟ بل نسأل دعاة التحريم لهذا السلاح على مستوى التقنية والإنتاج، فما هي دلالة من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما أعتدى عليكم؟ فعصرنا اليوم،هو عصر أسلحة الدمار الشامل والسلاح النووي،ولا بد من التوفر على كل الأسلحة التي من شأنها حماية الدولة الإسلامية، وإلا أصبحت هذه الدولة عرضةً لكل المخاطر التي تهدّد وجودها وكيانها.

فالرهبة لا تكون بقبول شروط  الأعداء للتنازل عن القوة النووية،وإنما بالمزيد من القوة بما يمكّن الدولة من الدفاع عن نفسها.هذا ما نراه في سياق فهمنا للرؤية الدينية،وأمر إعداد القوة وفق شروط العصر ومعطياته المخيفة!.

وختاماً،نرى أنه إذا ما أراد الفقهاء تقييد إطلاقات النص الظاهر في وجوبه بلحاظ سياقات ومزاحمات يفرضها الأعداء في مؤديات استخدام السلاح النووي،وتحريم إنتاج هذا السلاح واقتنائه،فإنهم بذلك يحدثون التباسات في مفهوم النص نفسه،ويسوّغون لنسخية ولو جزئية فيه،في حين أن النص واضح لجهة دلالته بضرورة إعداد القوة بكل مقاييسها المدنية والعسكرية!والقول بخلاف ذلك تحت مسوّغات عقلية وشرعية من شأنه أن يفضي إلى المزيد من الترهل والضعف،بدل أن يكون المسعى إلى مزيد من الرهبة بما يحفظ للدولة الإسلامية مكانتها ومصالحها الاستراتيجية.

بقلم أ.د.فرح موسى: رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية في لبنان 

captcha