
و"اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ، وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَلى أَوْلادِ الْحُسَيْنِ، وَعَلى أَصْحابِ الْحُسَيْنِ".
"ما تركتك يا حسين" بهذه الجملة ختم زهير بن القَين موقفه بين يدي الإمام الحسين (ع)، فقد أعلن له أن لو قُتِل ثمُّ حُرقَ ثم ذُرِّيَ في الهواء يُفعَل به ذلك ألف مرَّة ما ترك الحسين.
لا عجب قارئي الكريم أن نتخذ من هذا الموقف النبيل الشريف شعاراً لنا، نرفعه بين يدي الحسين، ونرفعه في وجه كل شياطين الأرض وطغاتها وجبابرتها ومستكبريها، فقد أثبتت لنا التجربة الطويلة في صراعنا مع طواغيت الأرض أنهم يهدفون إلى أن ننفضَّ عن الحسين (ع)، أن نتركه وشأنه ونمضي إلى شأننا، بل نمضي حيث يريدون هم لنا، إلى تبني عقائدهم وتصوّراتهم وقِيَمهم.
إقرأ أيضاً:
ولقد نبَّهنا الله تعالى إلى ذلك بقوله: ... وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿البقرة: 217﴾ ففي هذه الآية الكريمة يكشف لنا الله العليم الخبير عن طبيعة الصراع بيننا وبين طغاة الأرض، الذين جعلوا من أنفسهم أرباباً من دون الله، فهؤلاء لا يقاتلوننا على أرض، ولا على ثروات وحسب، بل يقاتلوننا على الدين، وقيم الدين، وإنسانية الدين، إنهم ليصرُّون على فتنتنا عن ديننا، وهذا هو الهدف الثابت لهم، الهدف الذي لا يتغير لهم في كل عصر وفي كل جيل، فانتماؤنا إلى الدين الإلهي الذي يقوم على التوحيد الخالص لله، الذي لا يرى مؤثراً في الوجود إلا الله، الدين الذي يرفض الطغيان، ويوجب على المُتدّيِّن أن ينهض إلى مواجهتهم، ليقول لهم: لا لقيمكم، لا لطغيانكم، لا لظلمكم، لا لغطرستكم واستكباركم، لا لنهبكم ثرواتنا، وتحكمكم في مصائرنا.
هذا الدين بهذه الحيوية والفاعلية يقف نِداً لهم، وهو يغيظهم ويُرعبهم ويخيفهم، لأنه الوحيد القادر على تهديد مصالحهم، إنه حرب بذاته وبما فيه من حق أبلج، ومن منهج قويم، ومن نظام سليم، إنه بهذا كله حرب على الباطل والبغي والفساد، ومن ثم لا يطيقه المبطلون البغاة المفسدون، ومن ثم يرصدون لأهله ليفتنوهم عنه، ويردوهم كفاراً، ليسهُل عليهم القبض على مقدرات المسلمين والمستضعفين في الأرض.
من هنا نفهم عمق وقوة وأثَر ما قاله زهير بن القَين: "ما تركتك يا حسين" فالحسين (ع) ليس شخصاً هنا، فالشخص قد مضى إلى الله تعالى قبل (1386) عاماً، الحسين (ع) هنا يرمز إلى الدين بوصفه قائداً للدين، التحم بالدين والتحم الدين فيه حتى صار هو الدين والدين هو الحسين، فالتمسُّك بالحسين تمسُّك بالدين، وقيم الدين، وأهداف الدين، ونحن نعلنها جهاراً نهاراً أننا لا يمكن أن نترك الحسين مهما فعل بنا الطغاة المجرمون، ومهما تطلَّب ذلك من تضحيات، ومهما واجهنا من صعوبات، لا نترك الحسين (ع) ولو تكالب العالم كله علينا.
ما أقوله قارئي الكريم ليس كلاماً يساق للاستهلاك، بل هو موقف متجذِّر في قناعاتنا وخياراتنا وسلوكياتنا، فمنذ أن آمنّا برسول الله (ص) والتزمنا بولاية الإمام أمير المؤمنين (ع) وولاية الأئمة الأطهار من وُلده (ع) كان ولاؤنا لهم جمرة نقبض عليها في أيدينا، ومذ واليناهم اتخذنا للبلاء جلباباً، لقد واجهتنا صنوف من المِحَن، والمصاعب، والمصائب، ولم نترك الولاء لهم، كُنا نُقتل في كل طريق ودسكرة، نُقتَل على التَّهمة، ولم نترك عهدنا مع الله ومعهم، كانت دورنا تُهدَم، وأوطاننا نُشرَّد منها، ورجالنا تقطَّع رؤوسها، ولم نترك انتماءنا لهم، وكان أسلافنا يُمنَع عليهم أن يحيوا مجالس عاشوراء فكانوا يحيونها سراً، أو في الكهوف والمغارات ولم يتركوا الحسين، ونحن لن نترك الحسين (ع).
بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي