ایکنا

IQNA

البُعد العقائدي في شخصية الإمام الحسين(ع)

16:57 - June 27, 2025
رمز الخبر: 3500711
النجف الأشرف ـ إکنا: من يتأمل خطب الامام الحسين(عليه السلام)، يدرك أنه لم ينظر إلى خروجه على أنه مغامرة أو مخاطرة، بل هو سير في ظل الإرادة الإلهية الواعية. 

"بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد:

لم تكن شخصية الإمام الحسين عليه السلام مجرّد تجلٍّ لتاريخٍ مأساوي أو رجل من أهل بيت النبوة تعرّض لظلم سياسي فحسب، بل هو تجلٍّ للعقيدة الحية التي تجسدت إنسانًا يمشي بين الناس، وينهض بهم نحو ذروة التوحيد، ويعيد رسم ملامح الدين في زمنٍ تلبّد بالانحراف.

ففي هذا الفصل، نغوص في العمق العقائدي للإمام الحسين عليه السلام، فنكشف معالم الإمامة، ونستجلي أبعاد الثورة الحسينية في ضوء السنن الإلهية والتكليف الشرعي، مستندين إلى النصوص الدينية والتحليل العقلي والنظرة الثاقبة في فهم مسار التوحيد في حياة الأمة.

1. الإمامة في فكر أهل البيت: الحسين عليه السلام كامتداد للنور الإلهي

الإمامة، في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، ليست مجرد خلافة سياسية للنبي محمد(ص)، بل هي امتداد للنور الإلهي الذي به يُهدى الخلق إلى الله. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: 7]، وقد فسّر الأئمة هذه الآية بأن النبي(ص) هو المنذر، وعليًا عليه السلام هو الهادي، وبهذا تتسلسل الهداية من خلال الإمامة.


إقرأ أيضاً:


الإمام الحسين عليه السلام، بصفته ثالث أئمة أهل البيت، كان قطبًا من أقطاب هذه الهداية، تجلّى فيه العلم الإلهي، والعصمة، والبصيرة في الدين.

إن خروجه على يزيد لم يكن خروج متمرّدٍ على سلطان، بل قيام إمامٍ معصوم يحمل عهد الله، ويُحرّك الأمة بصفته “الميزان العقائدي” الذي يُفرَز به الصادق من المدّعي.

2. الحسين عليه السلام والتكليف الإلهي: الثورة بوصفها واجبًا شرعيًا

يقول الإمام الحسين عليه السلام: "إني لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا، ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي".

هذا النص يكشف عن الرؤية العقائدية التي حكمت حركة الإمام: لم تكن معارضة سياسية ظرفية، بل كانت استجابة لتكليف شرعي إلهي، استشعر فيه الحسين أنه يمثل آخر قلاع الحق في وجه الاستسلام لانحراف العقيدة والدين.

لقد وقف أمام الأمة ليجسّد معنى قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ [آل عمران: 104].

لم يكن الأمر بالمعروف مجرّد شعارات، بل كان تحرّكًا جذريًا لإحياء الدين الذي أُميت، وتحطيم الصنم السياسي الذي لبس لبوس الخلافة زورًا.

3. مفهوم القدر والإرادة الإلهية في فكر الإمام الحسين عليه السلام

من يتأمل خطب الحسين عليه السلام، يدرك أنه لم ينظر إلى خروجه على أنه مغامرة أو مخاطرة، بل هو سير في ظل الإرادة الإلهية الواعية. 
البُعد العقائدي في شخصية الإمام الحسين(ع)
قال لأخيه محمد بن الحنفية : شاء اللّه أن يراني قتيلا ويرى النساء سبايا. 

هنا نلمح عمقًا في فهم الحسين لمشيئة الله: لم تكن المشيئة تبريرًا للسكوت، بل إطارًا لفعلٍ مقدّس لا يُقاس بنتائج دنيوية. لقد سلك طريق الشهادة وهو يعلم أنه مقتول، لكنه يعلم أيضًا أنه منتصِر بمعايير السماء، وأن إرادة الله تجري لتحقيق الحق، لا الانحناء لهوى الأمة.

4. السنن الإلهية في الإصلاح: ثورة الحسين عليه السلام كمصداق لقوانين السماء

إن حركة الإمام الحسين كانت تجسيدًا لسنّة من سنن الله في دفع الباطل بالحق، حيث قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ [البقرة: 251].

الحسين عليه السلام هو هذا الدفع الإلهي، وهذا ما فهمه بدقة، فهو لا ينظر إلى نفسه كفرد يُقابل جيشًا، بل كأمةٍ تتحرك لتصنع لحظةً فارقة في التاريخ.

ومن هنا، تتحوّل ثورته إلى أُسّ لعقيدة الانتظار عند الشيعة: فمن كربلاء يبدأ المسار نحو المهدي عليه السلام، ومن دم الحسين تنبت كلّ شجرة عدل لاحقة.

5. الحسين عليه السلام: ميزان الحق بين الإسلام الواقعي وإسلام السلطة

بعد استشهاد النبي(ص) تسلّل إلى جسم الأمة انفصال بين إسلام القرآن وإسلام السلطان، وبين النبوة والخلافة.

ثورة الإمام الحسين أعادت تعريف الإسلام: فليس الإسلام هو طاعة السلطان بل هو العدل والتقوى.

 وليس الدين هو الصمت على الباطل بل هو الصرخة في وجه الجور.

يقول في أحد خطاباته: "ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يُتناهى عنه؟!"

فأصبحت هذه الكلمات ميزانًا تُوزن به شرعية أي حكم، وسلامة أي منهج، لتتأكد لنا عقائديًا أن الحسين عليه السلام لم يكن خارجًا، بل واقفًا على صراط الله المستقيم.

الخلاصة:

البعد العقائدي في شخصية الإمام الحسين عليه السلام يكشف عن كونه تجسيدًا حيًا للعقيدة الإسلامية في أعمق معانيها، لا مجرد رمز تاريخي.

لقد خرج في كربلاء ليعيد تعريف مفهوم الإمامة، والشهادة، والقدر، والإصلاح، والدين نفسه، وبهذا أصبح الحسين عليه السلام ليس فقط شهيد كربلاء، بل شهيد العقيدة في وجه التحريف، وحامل مشعل النبوة في زمان طغت فيه الفتنة على نور الرسالة.

بقلم الأستاذ في الحوزة العلمية آية الله السيد فاضل الموسوي الجابري 

captcha