ایکنا

IQNA

المخطوطات المخفية في خزائن تونس التاريخية

10:19 - September 30, 2025
رمز الخبر: 3501818
إکنا: تحتوي خزائن المكتبات التونسية على أعداد ضخمة من المخطوطات، بفضل قرون من الحراك العلمي والمعرفي في مؤسسات مثل جامعي الزيتونة والقيروان والمكتبات الخاصة في جزيرتي جربة ونفطة وغيرها.

وتحتوي خزائن المكتبات التونسية على أعداد ضخمة من المخطوطات، بفضل قرون من الحراك العلمي والمعرفي في مؤسسات مثل جامعي الزيتونة والقيروان والمكتبات الخاصة في جزيرتي جربة ونفطة وغيرها، لكن مجال تحقيق هذه المخطوطات لا يبدو جاذباً للمؤسسات الثقافية والأكاديمية ودور النشر، مع تراجع عدد الإصدارات في هذا المجال، وبطء العمل على مؤلّفات تحوي مجلدات عديدة.

مثال ذلك مخطوطة "الكتاب الباشي" التي كتبها المؤرخ والأديب حمودة بن عبد العزيز في القرن الثامن عشر، والتي صدرت طبعتها الكاملة منذ أيام، 20 سبتمبر/أيلول، بعد طول انتظار عن مجمع الأطرش للكتاب المختص بإشراف المحققة والأكاديمية نادية بوسعيدي بن جبر، إذ نشرت الدار التونسية الجزء الأول منها عام 1970، بتحقيق محمد ماضور. إلا أن المشروع ظلّ قاصراً بسبب عدم صدور الجزء الثاني من المؤلَّف والذي لا يقل أهمية عن سابقه. 

وأصبح الكتاب أخيراً متاحاً للقراء والباحثين، ومع ذلك يبقى هذا المجهود فردياً، ويكشف واقع حركة تحقيق المخطوطات والمؤلفات في تونس اليوم، والذي يبدو أبعد ما يكون عن المجهود المؤسساتي المنظّم.
 
خزائن المكتبات التونسية

تعود المساهمة في المحافظة على قسم كبير من ثروة المخطوطات في تونس إلى عمليات الجرد والتوثيق التي قام بها محمد محفوظ في كتاب "تراجم المؤلفين التونسيين" (1994) وحسن حسني عبد الوهاب في مصنّفه "كتاب العمر في المؤلفات التونسية"، اللذين شكّلا أساساً للظهور المبكر لمؤسسة دار الكتب الوطنية بداية من سنة 1885، والتي نجحت في حماية قسم مهم من هذا الإرث وتجميعه، وبفضل المخبر الوطني لترميم وصيانة الرقوق والمخطوطات في مدينة رقادة، انطلقت لاحقاً مشاريع صيانة المخطوطات وترميمها.
 
غير أن هذه المجهودات، لا تحجب ضعف نسق عمليات التحقيق، أو على الأقل تراجعها مقارنة بفترات سابقة، حيث بلغت  أوجها خلال الستينيات والسبعينيات. خلال هذه الفترة تم تحقيق جملة من المؤلفات الأساسية في الفقه والتاريخ والشعر، ومنها "إعلام الأعيان لتخفيفات الشرع عن العبيد والصبيان" لأحمد برناز (القرن 17)، وديوان الورغي (القرن 18)، و"إتحاف أهل الزمان في أخبار ملوك تونس وعهد الأمان" لابن أبي الضياف (القرن 19) وغيرها من الأعمال، على يد عددٍ من المؤرخين والأدباء والمثقفين مثل محمد الطاهر بن عاشور ورشاد الإمام. اللافت خلال هذه المرحلة، أن مختلف هذه المحاولات لم تأت بشكل فردي واعتباطي، وإنما ضمن مجهود منظم وبرمجة مسبقة لمؤسسات تابعة للدولة بالأساس، ومن ذلك مشروع "سلسلة نفائس المخطوطات"، التابع للدار التونسية للنشر، وهي السلسلة التي صدر ضمنها الجزء الأول من الكتاب الباشي. غير أن هذا الزخم تراجع في ما بعد، في مرحلة سيكون أحد معالمها الأساسية، انتهاء مشاريع الثقافة الكبرى، وخروج الدار عن الخدمة.
 
لم يعن ذلك، انتهاء حركة التحقيق المؤسساتي، بل تواصل هذا الدور، خاصة مع دخول مؤسسات جديدة على الخط. ومن بينها: مؤسسة مجمع الآداب والعلوم والفنون: بيت الحكمة والمكتبة الوطنية، ومؤسسة الإمام مالك للمخطوطات. ولعل أبرز منجز تم خلال هذه المرحلة، هو التحقيق الشامل والضخم لمؤلف العلامة ابن خلدون، المعروف اختصاراً بكتاب العبر أو تاريخ ابن خلدون ومقدّمته الشهيرة، بمشاركة عشرات المحققين وبإشراف إبراهيم شبّوح. ليصدر بذلك أهم تحقيق علمي لمؤلف تتجاوز قيمته العلمية والتاريخية، الحدود التونسية. أما دار الكتب الوطنية، فقد راهنت على تحقيق بعض المخطوطات النادرة في مجالات لا تقل أهمية. ومن ذلك تحقيق لرواية "الحيلة والعشق"، وهي أول رواية تكتب بالدارجة التونسية سنة 1916 ليعقوب شملة. ولكنّ كل ما ورد سابقاً، ليس أمثلة منتخبة من عمل متواصل، بل هي أمثلة من تجارب معدودة لا تتجاوز العشرات لا يغفل أدوار المؤسسات القائمة عليها. 
 
حصر المخطوطات

يشير عبد الوهاب الدخلي في دراسته "الإسهام التونسي لتحقيق التراث المخطوط"، إلى عدم القدرة على حصر المخطوطات بدقة، بسبب تشتتها بين المؤسسات السابقة، وبعض المؤسسات الجامعية مثل جامعة الزيتونة المتخصصة بتحقيق المخطوطات الدينية، من طرف طلبتها. وبالتالي، تصبح عمليات التحقيق متفرقة، وغير خاضعة لبرامج مسبقة وكبرى، أو للتنسيق على الأقل بين هذه المؤسسات. وتكون النتيجة المترتبة على ذلك بقاء عدد من هذه التحقيقات رهيناً لرفوف هذه المؤسسات الجامعية. وهنا تبرز ظاهرة لا تقل غرابة، إذ يحدث أن يتكرر العمل على المخطوط نفسه أكثر من مرة. 
 
صحيح أن بعض هذه التحقيقات تأتي بجديد، في ظل بعض المستجدات العلمية أو عند اكتشاف نسخ جديدة من المؤلفات الأصلية، كما هو الحال بخصوص اكتشاف مخطوط جديد لنص تاريخي قديم هو كتاب "معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان" للدبّاغ القيرواني. وهو اكتشاف، أعاد النظر في بعض الاستنتاجات بخصوص العمل. إلا أن بعض الأعمال الأخرى تشهد عمليات تحقيق أمست أقرب إلى الدورية، في تحقيقها مثل كتاب "الشفا في التعريف بحقوق المصطفى" للقاضي عياض، والذي يصعب حصر عدد تحقيقاته بدقة، والتي كان آخرها هذا العام.
 
جهود فردية

وفي المقابل، تبرز ظاهرة عمليات التحقيق الفردية، التي يقوم بها باحثون هواة أو متخصصون وفي كثير من الأحيان على حسابهم الخاص، ولعل أبرز الأعمال في هذا الصدد تحقيق نص تاريخي حول بدايات التحديث في تونس خلال القرن التاسع عشر، وهو "العقد المنضد في أخبار المشير الباشا أحمد" للشيخ محمد بن سلامة من طرف المؤرخ أحمد الطويلي، والذي صدر العام الماضي. لكن هذه المحاولات لا تلقى الاعتراف أو التشجيع الرسمي الكافي، مع غياب يثير الاستغراب لتحقيق المخطوط عن قوائم الجوائز المرصودة في التظاهرات الثقافية الرسمية مثل معارض الكتاب وغيرها. وبذلك تصبح عمليات التحقيق الفردية، عملية غير مشجعة بالضرورة حتّى لدور النشر الخاصة، أمام غياب المحفزات. قلّة من الناشرين فقط، على استعداد لخوض مثل هذه المغامرات وتمويلها، كان من بين آخرهم الحبيب اللمسي صاحب دار الغرب الإسلامي، الذي راهن منذ البداية على تخصيص مؤسسته لنشر وتحقيق مخطوطات التراث الإسلامي والمغاربي والتونسي تحديداً حتى رحيله عام 2017.
 
المصدر: العربي الجديد
captcha