
ويبدو أن مواجهة هذا التحدي تستلزم خطوتين أساسيتين ومترابطتين: أولاً، اكتشاف التقليد الأصيل
للفلسفة الإسلامية وإعادة الاعتراف به، وثانياً، تحديثه وتطويره ليؤدي دوراً في الحوار الفلسفي المعاصر.
وسنركز هنا بشكل أساسي على الخطوة الأولى:
1. التحدي الهووي: الغربة على الساحة العالمية
إن الحق يقال إن الفلسفة الإسلامية لا تُعترف بها في الأوساط الأكاديمية العالمية وكليات الفلسفة كتقليد حي وأصيل وجدير بالاعتبار. يقتصر البحث في هذا المجال على دوائر صغيرة من الباحثين تركز في الغالب على
الفلسفة المشائية (وخاصة أعمال الكندي والفارابي وابن سينا)، وتدرسها أيضًا في إطار فلسفة العصور الوسطى اللاتينية وفهم كيفية انتقال التراث اليوناني إلى العالم الغربي. لذلك، فإن التحدي الأساسي هو إثبات أصالة هذا التقليد الفلسفي وغناه الداخلي واستمراريته التاريخية وقدراته الإبداعية للمجتمع العلمي العالمي، وللأسف، لم يُبذل جهد جاد ومنظم في هذا المجال.
2. التحدي الداخلي: فقر الوعي الذاتي
الشرط المسبق لأي إجراء للتعريف بالفلسفة الإسلامية إلى العالم هو التعرف عليها بشكل عميق وشامل من قبل المجتمع العلمي الخاص بها. السؤال الجوهري هنا هو: هل نعرف نحن أنفسنا الفلسفة الإسلامية كما تستحق؟ الجواب سلبي. لهذا التقليد خلفية تاريخية غنية ومتنوعة، ولكن معرفتنا به تقتصر في الغالب على قراءات ناقصة لفيلسوفين أو ثلاثة كبار مثل ابن سينا وملاصدرا، وذلك أيضًا بالتركيز على جزء من أعمالهم. وقد تم إهمال التيارات الأخرى والمدارس الفكرية والعديد من الفلاسفة المؤثرين.
فقد اكتشف الأمريكي "وليام شيتيك" أفضل الدين الكاشاني وقام بجمع أعماله الفارسية وتحقيقها ونشرها. حتى بعد هذا التعريف، لا يزال باحثونا لا يرجعون إليها. لأن الافتراض غير المعلن وغير المكتوب هو أن فلسفتنا تقتصر على هؤلاء الفلاسفة القلائل وتلك الكتب القليلة، ونحن غير مستعدين للاعتراف بالباقي أو حتى دراسته. فقد عرف الغربيون ابن خلدون ولا وجود لاسمه أو أثره في كتابات فلاسفتنا. وكذلك الحال مع فلاسفة المغرب الإسلامي مثل ابن باجة وابن طفيل وابن رشد. حتى النصوص الأساسية لهؤلاء الفلاسفة البارزين لدينا وضعت في متناول أيدينا في الغالب من خلال تحقيق وبحث باحثين غير مسلمین (مثل تحقیق أعمال السهروردي من قبل هنري كوربان). وهذا يدل على فقر بنيوي ومنهجي في دراسات الفلسفة الإسلامية.
3. الاستراتيجيات الكبرى لإحياء الخطوة الأولى (الاكتشاف وإعادة الاعتراف)
للتغلب على التحديات المذكورة أعلاه، من الضروري وضع برنامج شامل وطويل الأجل، تدور محاوره الرئيسية حول ما يلي:
أ. إنشاء مؤسسات علمية متخصصة: إنشاء مراكز ومؤسسات علمية تتمثل مهمتها الرئيسية في "اكتشاف وبحث وتحقيق ونشر" أعمال الفلاسفة المسلمين وفقًا للمعايير العالمية المقبولة. هذا العمل نفسه معرفة معقدة وتقنية تتطلب تدريب كوادر متخصصة.
ب. تأليف تاريخ مفصّل للفلسفة الإسلامية: بعد توفر المقدمات البحثية، يجب الشروع في تأليف دورة كاملة لتاريخ الفلسفة الإسلامية تُعرض في مجلدات مفصلة، تدرس حياة وأعمال وفكر جميع فلاسفة هذا التقليد بالتفصيل اللازم.
ج. تصنيف وتحديد المدارس الفكرية: يجب العمل على تحديد وتحليل الاتجاهات الفكرية المختلفة في العالم الإسلامي. إلى جانب المدارس الثلاثة المشهورة (المشاء، الإشراق، المتعالية)، هناك مدارس أو تيارات فلسفية-كلامية متميزة متعددة يجب تحديدها وتعريفها.
د. تحليل الجذور التاريخية وسياقات التشكيل: هذا يتطلب البحث في عدة محاور أساسية:
دراسة عملية نقل الفلسفة اليونانية إلى العالم الإسلامي ودور الشراح الأفلاطونيين المحدثين والمترجمين السريان وغيرهم في هذا النقل (على غرار أبحاث روبرت ويزنوسكي).
تحليل تأثير المدارس الكلامية (بما في ذلك المعتزلة والأشاعرة والماتريدية) على تشكيل الفلسفة الإسلامية وتطورها. وكذلك البحث في تأثير الأفكار الصوفية على الفلسفة الإسلامية وتحليلها.
البحث في تأثير الحكمة الإيرانية قبل الإسلام والتقاليد الفكرية الأخرى على الفلسفة الإسلامية.
يجب أن يتم هذا البحث مباشرة على أساس دراسة النصوص الأصلية باللغات الأساسية (اليونانية، السريانية، العربية، والفارسية) وليس فقط من خلال ترجمة الأعمال الغربية.
هـ. اعتماد نظرة شاملة للعالم الإسلامي: عندما نتحدث عن الفلسفة الإسلامية، لا يجب أن نحصر أنفسنا في بلد أو منطقة أو لغة معينة، بل يجب
رؤية العالم الإسلامي في كليته. في القرون الأخيرة، على الرغم من أن المراكز الفلسفية الرئيسية كانت أكثر بروزًا في بعض المناطق کایران، إلا أن هذا لا يعني توقف الحياة الفكرية في مناطق أخرى. في الحقيقة، شهدت مراكز عديدة في جغرافيا العالم الإسلامي ازدهار جهود فكرية عميقة وتشكيل تيارات جديدة، ودراستها ضرورية لفهم كامل لتاريخ الفلسفة الإسلامية. في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي مثل شبه القارة الهندية والعالم العربي وشمال إفريقيا وآسيا الصغرى وآسيا الوسطى ومنطقة الملايو-إندونيسيا، بُذلت جهود وتشكلت تيارات يجب قبول جزء منها على الأقل كجزء من الفلسفة الإسلامية، ولا يجب إهمالها عند دراسة تاريخ وتطور الفلسفة الإسلامية. إنها تمثل إجابات محلية لاهتمامات وأسئلة فلسفية مشتركة متجذرة في التقليد الإسلامي المشترك.
خلاصة الكلام
ما ورد بإيجاز هو أمثلة على الكثير من الأعمال الأساسية الضرورية لاكتشاف الفلسفة الإسلامية مرة أخرى والتعريف بها. فقط بعد توفر هذه البنى التحتية البحثية يمكن أن نأمل في تأليف "دورة مطلوبة للفلسفة الإسلامية" ثم الخطوة النهائية، أي "تحديثها وتطويرها" لتؤثر في الفضاء الفكري المعاصر. تحقيق هذا البرنامج الواسع يتطلب مشاركة مئات الباحثين المتخصصين، والتخطيط المنظم، وتوفير التمويل الكافي، وإدارة فعالة وواعية على مدى زمني يمتد لعدة عقود. بدون هذا الاستثمار العلمي الضخم، فإن الحديث عن تحديات الفلسفة الإسلامية وطرح الحلول لها سيكون فاقدًا للمصداقية اللازمة. النقطة الرئيسية وتلخيص الكلام هي أنه بدون معرفة دقيقة وشاملة ليوم الأمس واليوم للفلسفة الإسلامية، لا يمكن التخطيط بشكل ملائم ليومها الغد.
بقلم الفيلسوف والباحث الايراني "محمد فنائي اشكوري"