خمس إستراتيجيات للإمام الجواد (ع) في نشر المعارف الدينية
إن ذكرى ميلاد الإمام الجواد (ع)، الإمام التاسع للشيعة، فرصة ثمينة لإعادة قراءة الأبعاد الأخلاقية والعلمية والاجتماعية لحياته. إمام ترك، على الرغم من عمره القصير، إرثاً خالداً من الكرامة والمعرفة والإدارة الدينية، ويُعرف في تاريخ الإسلام كنموذج مشرق.
وبهذه المناسبة، أجرى مراسل "إكنا" للأنباء القرآنية الدولية حواراً مع حجة الإسلام والمسلمين الشيخ إسماعيل جراغي كوتياني، أستاذ الحوزة العلمية، تناول فيه الفضائل الأخلاقية والاستراتيجيات الثقافية وأساليب الإمام الجواد (ع) في مواجهة تحديات عصره.
يسعى هذا الحوار إلى رسم صورة شاملة لهذا الإمام الهمام في مجالات الأخلاق والعلم وهداية الأمة، ونقرأ تفاصيله فيما يلي:
ما هي أهم الفضائل الأخلاقية والسلوكية للإمام الجواد (ع)؟
جميع أئمتنا الكرام هم مظهر لصفات الله وأسمائه، ولكن أحيانًا تبرز صفة معينة فيهم بشكل أكبر. كان الإمام الجواد (ع) مشهورًا بين الناس بـ "السخاء" و"الكرم"، ولهذا السبب لُقّب بـ "الجواد" (كثير العطاء).
الحلم والصبر كانا من السمات الأخرى للإمام الجواد (ع). فقد كان يتعامل مع الأعداء واستفزازات الجهاز العباسي بوقار وهدوء، ويجذب المعارضين إليه بالمنطق والأخلاق الكريمة.
ألقاب "التقي" و "الزكي" تدل أيضًا على عمق تقواه وطهارة نفسه. عاش الإمام(ع) في عصر كان فيه الاهتمام بهذه القيم قليلاً؛ وفي مثل هذه الأجواء، أسس الإمام الجواد (ع) نموذجًا سلوكيًا مختلفًا ومؤثرًا.
ما هي أهم المظاهر العلمية للإمام الجواد (ع)؟
أكبر إعجاز علمي للإمام الجواد (ع) هو أنه وصل إلى الإمامة في سن مبكرة، وفي هذا العمر القصير، أجاب على أعقد الأسئلة الفقهية والكلامية لكبار علماء ذلك العصر.
يذكر في المصادر التاريخية أنه في إحدى رحلات الحج، اجتمع حوله العلماء من مختلف المناطق، وفي فترة قصيرة طرحوا عليه العديد من الأسئلة في مجالات مختلفة، فأجاب الإمام(ع) عليها جميعًا دون تردد مستندًا إلى القرآن والسنة.
ما هي استراتيجيات الإمام الجواد (ع) لنشر المعارف الدينية؟
إن النفوذ في الجهاز الحكومي، واستخدام الشعائر الدينية كوسيلة إعلامية، وإعادة تعريف الهوية للمفاهيم الدينية، والوعي بالزمان، وتوظيف القدرات الفكرية والثقافية للمجتمع، كانت استراتيجيات الإمام الجواد (ع) لنشر المعارف الدينية بين الناس.
ماذا يعني تولي الإمام الجواد (ع) الإمامة في سن مبكرة؟
إن تولي الإمام الجواد (ع) الإمامة في سن مبكرة وقبوله كمرجع علمي لم يكن مجرد ظاهرة تاريخية وظهور عبقرية شخصية وفردية، بل كان حدثًا مؤسسًا للخطاب ومحددًا للهوية للشيعة.
في مجتمع كان يعتبر فيه النضج العمري شرطًا للاجتهاد والمرجعية، تحدى الإمام الجواد (ع) هذا الافتراض السائد بمناظراته الباهرة التي كانت تجيب على أعقد الأسئلة الفقهية والكلامية، وأظهر أن الأساس الرئيسي هو العلم اللدني والموهبة الإلهية، وليس مجرد السن التقويمي.
هذا الحدث، في ظل الظروف التي كان الشيعة يتعرضون فيها للضغط، خلق لهم رأسمالًا رمزيًا وثقة بالنفس هوياتية كبيرة، وكان له جاذبية فكرية لغير الشيعة أيضًا.
كيف كان دور الإمام الجواد (ع) في قيادة الأمة وتوجيهها؟
كانت فترة الإمام الجواد (ع) من الناحية المعرفية فترة صعبة ومعقدة. أحد التحديات المعرفية في هذه الفترة هو إمكانية الإمامة والقيادة في مرحلة الطفولة. كان هذا تحديًا كبيرًا واجهه المجتمع الشيعي، ويمكن القول إنه أثار شبهة ضعف هيكلي ومعرفي في أذهان الشيعة أنفسهم والآخرين.
تولى الإمام الجواد (ع) في هذه الفترة الصعبة إدارة المجتمع الإسلامي. تزامنت إمامته مع ذروة الضغوط السياسية العباسية، وكذلك الشكوك الداخلية لبعض الفرق الشيعية.
ما هي أساليب الإمام الجواد (ع) في مكافحة الانحرافات العقائدية؟
قام الإمام الجواد (ع) بتطهير الحدود العقائدية للتشيع من هذه الانحرافات من خلال التوضيح الدقيق للتوحيد والولاية. وقد نجح الإمام(ع)، من خلال حضوره في المناظرات العامة في البلاط ومناقشاته مع علماء المذاهب المختلفة، في إدخال مفاهيم أهل البيت (ع) في الخطاب العلمي السائد.
كان ترويج السنة النبوية هو الآلية الثانية لمكافحته. وقد اعتمد الإمام (ع) في مناظراته دائمًا على "القرآن" و"السنة القطعية للنبي (ص)" ليظهر أن طريق أهل البيت (ع) هو نفس الطريق المستقيم للنبي (ص). وقد أدى ذلك إلى اعتراف حتى غير الشيعة بتفوق أهل بيت النبي (ص) العلمي والروحي.
