
ومما جاء في مقدمة الكتاب: أوضحت كثير من الدراسات المتعمقة في الإعجاز اللساني للقرآن الكريم بيانًا ودلالةً أن كلَّ آية فيه مما يخص الأحوال والأكوان مستمرةٌ بمدلولها إلى قيام الساعة؛ يفهمُها أصحاب كل عصر وكل مِصر، متجددة بتجدد ما يشاء الله من تغيرات الكون، إلى أن يرث الله الأرضَ ومن عليها.
وفيما يتعلق بقضية اللسان في القرآن الكريم نوردُ هذه اللطيفة القرآنية المعجزة التي نرى أنها تدعم ترجيح استخدام القرآن لمصطلح اللسان تعبيرًا عن اللغة الإنسانية؛ ففي تجربة حديثة وجد العلماء أن هناك تغيُّراتٍ تحدث للصوت في أثناء ظاهرة الكذب (وهي ظاهرة اجتماعية بالطبع ترتبط باللسان).
ومعظم الناس لا يلاحظون هذه التغيرات، ولكن بعض العلماء صمموا برنامج كمبيوتر لتحليل الترددات الصوتية، فيما يُعرف بالتصوير الطيفي للكلام ولاحظوا أن الإنسان بمجرد أن يبدأ بالكذب فإن انحرافًا بسيطًا يحدث في المنحنى البياني الخاص بصوته، وهو ما يدخل الآن تحت فرع كبير من العلوم التطبيقية اللسانية، يُعرف باسم لسانيات الجريمة Forensic Linguistics.
وهذا- تحديدًا- ما أخبر الله به حبيبه محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم عن حكاية المنافقين الذي يقولون عكس ما في قلوبهم: "وَلَوْ نَشَاءُ لأرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ" (محمد: 30)، وقوله سبحانه عن كذب المضللين من أهل الكتاب: "وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ." (آل عمران: 78).
إن المولى تبارك وتعالى يبين للبشرية كلها أن النفاق والكذب يظهران على وجه صاحبهما: فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ؛ أي بالتعابير المرسومة على وجوههم، وأن هذا الكذب يظهر في قولهم وفي صوتهم: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ، ويلوون ألسنتهم بالكتاب)؛ ولحن القول هو تلك النغمة الخفيفة التي تظهر على الصوت في أثناء الحديث، ومن ذلك الألحان واللحن؛ أي التصنع في الصوت.