ایکنا

IQNA

 جواهر عَلَويَّة...

مَنْ قَعَدَ بِه نَسَبُهُ نَهَضَ بِه أَدَبُهُ

22:45 - August 23, 2025
رمز الخبر: 3501391
بالأدب لا بالنَّسَب يرتقي الإنسان ويسمو، وترتفع مكانته عند الناس وعند الله، هذه هي المعادلة التي تحملها هذه الجوهرة العلوية الكريمة، وما أحوجنا إليها في عالَمٍ اعتاد الناس فيه على تقييم بعضهم البعض بحسب الأسماء، والألقاب.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ قَعَدَ بِه نَسَبُهُ نَهَضَ بِه أَدَبُهُ".

بالأدب لا بالنَّسَب يرتقي الإنسان ويسمو، وترتفع مكانته عند الناس وعند الله، هذه هي المعادلة التي تحملها هذه الجوهرة العلوية الكريمة، وما أحوجنا إليها في عالَمٍ اعتاد الناس فيه على تقييم بعضهم البعض بحسب الأسماء، والألقاب، وسلاسل الآباء، والمناصب، فهي دعوة لأن يرتقي الإنسان بفعله، وإنجازاته وإبداعه، بخلقه وأدبه وسلوكه.

لا شك قارئي الكريم أن النَّسَب مهمٌ من زاوية ما يرِثَه الإنسان من صفات وراثية جينية من آبائه وأجداده كما هو الثابت علمياً، مثل: البِنية الجسدية، والذكاء الطبيعي (كالقدرات العقلية الأولية)، والاستعدادات النفسية (مثل الميل للانفتاح أو الانطواء) وحتى بعض السِّمات السلوكية، مثل سرعة الغضب، أو الهدوء، والحِلم، والكرم، وما يُطلق عليه (التوازن الانفعالي).


إقرأ أيضاً:


لكن الجينات لا تحدِّد شخصية الإنسان كلياً، بل تمنحه استعداداً أوّلياً، ثم يأتي دور التربية والبيئة والتعليم ليشكّل هذا الاستعداد، فالموروثات الجينية بمثابة البذور التي لا تنمو إلا إذا سقتها التربية والتعليم والتأديب، والعوامل الأخرى التي تساهم في صناعة الشخصية الإنسانية، فالإنسان يُبنى بالتعليم والتأديب، وكل من أراد أن يصنع مجده، فعليه أن يُضيف إلى نسبه الخُلُق والعلم والأدب والعمل الصالح، وهذه جميعاً صفات يكتسبها الإنسان بالتعليم والقدوة والتجربة، لا بالجينات، فالنسب مهم من حيث الخلفية الوراثية، لكنه ليس قَدَراً حتمياً، ودليل ذلك أننا نجد ابن الرجل الصالح غير صالح، وابن الرجل الطالح صالحاً، فكم من شخص ينتمي إلى أسرة شريفة نبيلة ضاربة في النسب والأدب، نراه ساقطاً أخلاقياً، منحرفاً عن جادة الصواب، مذموماً بين الناس، وكم من شخص ينتمي إلى أُسرة مغمورة لا تتمتع بمكانة علمية أو اجتماعية مرموقة، فإذا به يصير عالماً فذّاً، أو قائداً حكيماً، أو نموذجاً راقياً في العلم والأدب، وهذا دليل على أن الذي نهض به أدبه، وأن الذي رفعه خلقه وعلمه، وكلاهما مكتسبان، اكتسبهما بجهده وسعيه.

ولهذا يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): "الأَدَبُ خَيْرُ مِيراثٍ" ويقول: "خَيْرُ ما وَرَّثَ الآبَاءُ للأَبْناء العِلمُ والأَدَبُ" لأن ما يوَرَّث من القيم بالقُدوة والسُّلوك، أعمق أثراً من الجينات.

فالنسب جميل ومهم، لكنه لا يملأ الفراغ إن لم يسنده الأدب، فإذا اجتمعا معاً بلغا بالمرء الأوج في الشرف والمجد والسؤدد، وإذا افترقاً فإن حاز المرء أدباً وعلماً ارتقى، وإذا لم ينل ذلك يصير نسبه حجة عليه لا حجة له.

فعلى الرغم من أن نسب رسول الله محمد (ص) أعظم الأنساب وأشرفها وأعلاها وأرقاها، والانتساب إليه (ص) كرامة ما بعدها كرامة، لكن ذلك مشروط بأن يعضده ويصاحبه خُلُقٌ عظيم، والتزام ديني، وسلوك عملي قويم، وفي هذا الشأن يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): "إِنَّ وَلِيَّ مُحَمَّدٍ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَإِنْ بَعُدَتْ لُحْمَتُهُ، وَإِنَّ عَدُوَّ مُحَمَّدٍ مَنْ عَصَى اللَّهَ وَإِنْ قَرُبَتْ قَرَابَتُهُ" ويُفهم من هذه المقولة أن الصلة برسول الله (ص) ليست نَسَباً أو قرابة وحسب، بل بمقدار الطاعة والانقياد لله، وأن القرب النسبي لا ينفع من عصى الله.

وبهذا يقلب الإمام أمير المؤمنين (ع) وهو الناطق الحق باسم الإسلام، يقلب الموازين الجاهلية القديمة منها والحديثة، حيث النسب، والمكانة الاجتماعية، والجاه والسلطة، جميع ذلك أو بعضه هو بطاقة الصعود الاجتماعي، ويؤكِّد معادلة إنسانية عظيمة وهي أن المكانة والقيمة الاجتماعيتين تُكتَسبان بالعلم والأدب والأخلاق الفاضلة.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي

captcha