ایکنا

IQNA

غزوات النبي (ص) ضرورة وجودية أم حركة توسعية؟

19:38 - August 23, 2025
رمز الخبر: 3501384
النجف الأشرف ـ إکنا: كانت كل غزوات النبي(صلى الله عليه وآله) ذات ابعاد منطقية وانسانية، ولم تكن يوماً تنطلق من بعد توسعي أو مادي أو غلبة عسكرية أو ما شابه ذلك. 

وقد يثار سؤال مهم حول المبررات المنطقية والعسكرية والاجتماعية وغيرها لغزوات النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله). فهل ان سياسة الدين الإسلامي مبنية على التوسع والهيمنة كما هو حال الدول الكبرى أمثال الفرس والروم أم لأجل الغنائم وكسب الارباح كما هو حال غزوات القبائل العربية قبل الإسلام.  أم ثمة مبررات عقلائية وانسانية واخلاقية لتلك الغزوات؟!

الجواب: كانت كل غزوات النبي(صلى الله عليه وآله) ذات أبعاد منطقية وانسانية، ولم تكن يوماً تنطلق من بعد توسعي أو مادي أو غلبة عسكرية أو ما شابه ذلك. 

أولًا: البُعد المنطقي والعقلي:
 
وجود جماعة جديدة (المسلمون في المدينة) في محيط مليء بالأعداء يستلزم ـ بحسب العقل العملي ـ حماية الذات وردع المعتدي.

الحرب لم تكن خيارًا أوليًا، وإنما ضرورة وجودية لحفظ الكيان الإسلامي الناشئ.

المنطق يقول: إن أي دعوة عالمية لا تستطيع البقاء إذا لم تحمَ نفسها من الأخطار المحدقة بها، فالقتال هنا مقدّمة لحفظ الغاية الكبرى (الرسالة الخاتمة).

ثانيًا: البُعد التاريخي: 

العالم في القرن السابع الميلادي كان قائمًا على منطق القوة، فلا مكان لدولة جديدة بلا قوة عسكرية تحميها.

الجزيرة العربية كانت مسرحًا دائمًا للحروب القبلية، وكان السلوك الطبيعي للعرب آنذاك هو الغزو. فجاء الدين الإسلامي ليحوّل هذا الغزو من حروب عبثية قبلية إلى حروب منضبطة بأهداف واضحة وقيم إنسانية.

الغزوات إذًا لم تكن خروجًا عن السياق التاريخي، بل كانت تصحيحًا لمسار الحروب في ذلك العصر.


إقرأ أيضاً:


ثالثًا: البُعد الاجتماعي والسياسي: 

الإسلام في بدايته كان مستضعفًا ومحاصرًا اقتصاديًا وسياسيًا (حصار الشعب، مصادرة أموال المهاجرين، منع الدعوة).

الغزوات مثل بدر وأحد والأحزاب جاءت كاستجابة مباشرة لهذه التهديدات، وليست مغامرات عسكرية.

غزوات أخرى (مثل خيبر وتبوك) كانت وقائية لإزالة مراكز التآمر التي تهدد استقرار المدينة.

رابعًا: البُعد الشرعي والمقاصدي: 

القرآن الكريم يحدد هدفية القتال المشروع حيث يتمثل في  الدفاع ورفع الظلم:

﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 193].

فالقتال غايته إزالة العوائق أمام الدعوة، لا فرض الإيمان بالقوة: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾.

مضافاً الى ان الشريعة الإسلامية أسست لقوانين حرب متقدمة جدًا مقارنة بزمانها، امثال: تحريم قتل الأبرياء، حماية البيئة، احترام العهود.

خامساً: البُعد الأخلاقي والإنساني: 

الغزوات لم تكن لنهب الثروات كما تفعل الإمبراطوريات، بل كانت تهدف إلى إيقاف العدوان وبسط الأمن.

فالنبي(صلى الله عليه وآله) قنن قواعد الحرب، فأصبحت إنسانية مقارنة بحروب الجاهلية والروم والفرس.

هذه الغزوات أسست لثقافة ان يكون القتال آخر الوسائل وليس أولها، والدليل أن كثيرًا من القبائل دخلت في الإسلام بالصلح والدعوة لا بالسيف.

سادساً: البُعد الحضاري والإنساني: 

الغزوات كانت جزءًا من مشروع بناء الدولة الإسلامية العالمية التي لا تنحصر بقبيلة أو مدينة.

فلو لم يخض النبي(صلى الله عليه وآله) هذه المواجهات، لبقي الإسلام حركة روحية محدودة سرعان ما تنتهي تحت ضغط القوى الكبرى.

فبفضل هذه الغزوات المنضبطة، تحول الإسلام إلى قوة حضارية غيرت مجرى التاريخ الإنساني.

خلاصة الكلام:

الغزوات النبوية لم تكن حروب توسع أو طمع، بل كانت:

1. منطقيًا: ضرورة لحماية الجماعة والرسالة.
2. تاريخيًا: منسجمة مع طبيعة المرحلة لكنها أكثر انضباطًا وعدلًا.
3. اجتماعيًا وسياسيًا: ردًا على الحصار والمؤامرات.
4. شرعيًا: وفق نصوص قرآنية تؤكد الدفاع ورفع الظلم لا الإكراه.
5. أخلاقيًا: منضبطة بقيم لم تعرفها الحروب آنذاك.
6. حضاريًا: مقدمة لقيام دولة عالمية تحمل رسالة التوحيد.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

بقلم الأستاذ في الحوزة العلمية آية الله السيد فاضل الموسوي الجابري 

captcha