ایکنا

IQNA

المشاركون في ندوة بيروت يؤكدون:

التلاقح الثقافي بين العربية والفارسية لم يحصل لأي حضارتين أخريين

12:23 - July 18, 2020
رمز الخبر: 3477415
بيروت ـ إکنا: أكد الأكاديميون والأساتذة المتخصصون باللغتين العربية والفارسية المشاركون في ندوة "التأثر والتأثير المتبادلان بين الفارسية والعربية" الافتراضية أن التلاقح الثقافي بين العربية والفارسية لم يحصل لأي حضارتين أخريين بهذا المستوى من الاندماج على مر التاريخ، مؤكدين أن الإيرانيين كانوا ينظرون إلى اللغة العربية كحلقة وصل ثقافية وحضارية.
ندوة إفتراضية بعنوان
وأقيمت هذه الندوة بتنظيم المستشارية الثقافية الإيرانية في لبنان، وبمشاركة عدد من الشخصيات الإيرانية والعربية التي تحدثت حول التبادل الثقافي بين الفارسية والعربية, على إعتبار أن الإيرانيين والعرب تشاركوا في صنع الحضارة الإسلامية، وتدانى أدبهما، واقترب بعضه من بعض واقترضت اللغة الفارسية الألفاظ من اللغة العربية، وأقرضتها ألفاظها.

وشارك في الندوة، عدد كبير من الأكاديميين والأساتذة المتخصصين باللغتين العربية والفارسية وآدابهما, ينتسبون الى جامعات عريقة من  الجمهورية اللبنانية, والجمهورية الاسلامية الايرانية, ودولة الكويت, وجمهورية مصر العربية, وسلطنة عمان, والجمهورية العربية السورية, ودول عربية واسلامية أخرى, كما تميزت الندوة بحضور لافت لمجموعة من أصحاب الاختصاص والمهتمين في الأدبين العربي والفارسي الذين قدموا مساهمات غنية في خلال الندوة  كان بنتيجتها أن أوصت الندوة بسلسلة من التوصيات بعد حوار جاد هدفه إيجاد تلاحم أكبر بين اللغتين , ومن ضمن التوصيات والاقتراحات:

ـ إنشاء مراكز لتعليم اللغتين في إيران وفي البلدان العربية بأساليب جديدة و بالاستفادة من التعليم الافتراضي.

ـ الاهتمام بالترجمة في مختلف المجالات العلمية والمعرفية. 

ـ الاهتمام بتبادل الأساتذة والطلاب بين العرب والايرانيين.

- إجراء مشاريع مشتركة علمية بين علماء اللغة العربية والفارسية في العلوم المرتبطة باللغتين.

-إنشاء مركز رسمي لتعريب أعمال القامات الأدبية المعاصرة وإيصالها إلى العالم العربي على غرار المركز القومي للترجمة في القاهرة.

-تنشيط تعليم اللغة الفارسية في العالم العربي وكذلك تعميم دراستها عبر قنوات التواصل والإنترنت.

-تشجيع الدارسين للغة الفارسية في الجامعات العربية على الترجمة.

- توفير مناهج وأقراص سي دي للطلاب العرب ليستطيعوا التفاهم مع أي ناطق بالفارسية.
 
الأستاذة مريم ميرزادة

في بداية الندوة، قالت الاستاذة مريم ميرزادة : "لقد كانت اللغة موضوعًا حاضراً بقوة في تفكير الفلاسفة، فطرحَ ديكارت اللغة في علاقتها بالفكر والعقل، وطرحها روسو في بعدها الاجتماعي، واهتمّ هيغل في بُعدها الثقافي. وما بين المنطق والشاعرية والخطابة والمحاكاة، فإننا لا نلبثُ نقتفي الأثر الأول وصولاً إلى الجذور".
 
الدكتور عباس خامه يار

وبعد ذلك،  تحدث المستشار الثقافي الايراني في لبنان الدكتور عباس خامه يار فأعتبر ان "اليوم هو  الحوار والتعامل البنّاء مع العالم، وهذه المناسبة التي أٌقرّها مجلس الشورى الأعلى للثورة الثقافية، مناسبةٌ دعَتنا إلى الاجتماع في حلقة من الحوار البنّاء، لغةً وثقافةً وفكرا ً".
 
 وأشار الدكتور عباس خامه يار الى أنه "لقد بدأ الخلقُ بالحوار، بالكلمة المتبادلة ما بين الخالق وملائكته وآدم أبي البشر , وأن  الحوار يعتبر سلوكاً إنسانياً محموداً يعكس الحضارة الإنسانية. وهذا يعني بأننا قادرون بل من واجبنا أن نتحاور مع الآخرين ومع ثقافاتهم، ونتعرف على رؤاهم وآرائهم، وهكذا ينشأ التواصل الإنساني الذي لا مفرّ منه مذ كان الإنسان. هذا التواصل الذي نتجَ عن حاجة الاجتماع البشري الغريزية، وأدّى إلى ظهور اللغة وكافة استخداماتها الحياتية".  
 
 وأضاف أنه  "يمكن اعتبار الحوار بين إيران والعرب قطعةً من أحجية حيث يقوم الحوار في صفحة واسعة من الأشكال المختلفة. بتعبير آخر فإن الأحجية نفسها هي عبارةٌ عن حوارات الثقافات الكبرى والواسعة مع الغرب، الشرق، الصين، وسائر الأديان. وما هذه الحوارات إلا قطعةٌ من تلك الأحجية الكلية التي قد تكون في صدارة الأولويات بطبيعة الحال وفي ظل الظروف الإقليمية وتحولات العالم العربي الأخيرة".

وأكد  الدكتور عباس خامه يار  أن  "الانفتاح على الحوار مع العالم العربي كان  من أساسيات الثقافة الفارسية منذ القدم،  فالعلاقات بين إيران والعالم العربي هي علاقاتٌ تاريخيةٌ تعود إلى أكثر من ثلاثة عشر قرنًا حتى أنّها كانت قائمة قبل ثلاثة قرون قبل الإسلام، وقد شهدت نمواً ملحوظاً خلال القرن السابع الميلادي تحديداً بعد الدولة العباسية. وقد شهد التاريخ بعد ذلك دوراً أساسياً للإيرانيين في التبليغ الرسالي للإسلام، فكان هؤلاء يخوضون حواراتٍ دينيةً،علميةً، ثقافيةً، وفنية".
 
 الدكتورة دلال عباس

من جهتها، تحدثت الكاتبة والباحثة والأستاذة في الجامعة اللبنانية الدكتورة دلال عباس  عن "التأثير والتأثر المتبادلان بين العربية والفارسية؛ المصطلحات الفارسية في اللغة العربية" فأكدت على "أهميّة الترجمة ودورها في إغناء اللغة العربيّة في عصر النهضة الشاملة".
 
وأشارت الى أنّ العربيّة لم تكن بمنأى عن التأثّر باللغات الأخرى منذ ما قبل الإسلام وأنّ اللفظ الدخيل فيها بيّنٌ واضحٌ في الشعر الجاهليّ وفي النصّ القرآنيّ.
 
وشددت الدكتورة دلال عباس على إنّ اللغات كالناطقين بها تتحاور وتتثاقف وتتبادل المعرفة، وتستعير ما تفتقده من ألفاظ في ما بينها، فما من لغة في العالم خالصةً كما قد يتصوّر البعض، فاللغة الحيّة تؤثر وتتأثّر وتُعطي وتأخذ. والعربيّة استطاعت منذ أقدم العصور أن تستوعب ما داخلها من لفظٍ غريب، وتُخضعه سماعيًّا لنظامها اللغويّ وأبنيتها اللفظيّة، حتى قبل أن تتقعّد هذه الأبنية وتتقونّن، أي قبل أن يضع اللغويّون القواعد النحويّة والصرفيّة له، وما لم يتمكّنوا من ابتداعِ قاعدةٍ صرفيّة له، قالوا إنّه  سماعيّ، وما لم يحدوا له مثيلا في أبنيةِ العربية قالوا إنّه دخيلٌ أو معرّب.
 
وأضافت أنه إذا تتبعنا تاريخ اللغة العربيّة ونحوَها وصرفها وقواعدَها وكلماتِها وتراكيبَها، فسوف نكتشف أنّ صرفها وقواعدها، وأساليبَ التراكيب والاشتقاق فيها ثابتةٌ لم تتغيّر على مدى ما نعلم بحسبِ الآثار المكتوبةِ التي وصلت إلينا، وكلّ ما حدث أنّ شجرتها الباسقة كانت تتخلّى عن أوراقها الصفراء والذابلة، وتستبدل بها أوراقًا جديدة، ونهرُها كان يتّسع من حيث الكلمات والمفردات، كلّما احتاجت إلى ذلك، من دون أن تتخلّى عن كيانها وأبنيتها وقوانينها، ولم تداخلها عوامل الانحلال والفَناء، أو التشويه والتحريف، وهو ما لم يحدث في اللغات الأخرى، التي دخلها التحريف والإضافة والحذف والإدماج والاختصار.
ندوة إفتراضية بعنوان
وفي الختام، أكدت الدكتورة عباس أنّ اللغة العربيّة التي نحبّها إلى درجة التقديس لأنّها لغة القرآن الكريم آخر الرسالات السماويّة، كانت كالناطقين بها منذ أقدم العصور على صلة بغيرها من اللغات، أخذت وأعطت، وكان ما أعطته لغيرها أكثر أخذت حين صارت لغة الدين الذي آمنت به شعوبٌ تختلف لُغاتُها اختلافًا جذريًّا عن العربيّة، وهي أخذت من اللغات الأخرى، ما كان ينقصها، وأخضعته لأنظمتها الصوتيّة والصرفيّة، حتى ليظنَّ من لا يعرف أصول تلك الألفاظ أنّها عربيّةُ الأصل.
 
الدكتور  احسان بن صادق اللواتي 

وبعد ذلك، تحدث الدكتور  احسان بن صادق اللواتي،  رئيس قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان  عن "التأثير والتأثر المتبادلان بين العربية والفارسية في مجال العلوم البلاغية"،  فأشار الى أن دراسته تسعى الى مقاربة علاقات التأثير والتأثر بين المصادر البلاغية المكتوبة باللغة العربية ومثيلاتها المكتوبة باللغة الفارسية، بغيةَ الوصول إلى ما هو الحق في هذا المجال الذي لم يلقَ من الباحثين المعاصرين العناية التي يستحقها، فكانت نظرة معظمهم نظرة عجلى مكتفية بالإشارة إلى اعتماد المصادر البلاغية الفارسية اعتماداً كاملاً على العربية، دونما برهنة كافية ، ودونما حديث عن إفادة المصادر البلاغية العربية من الفارسية. والدراسة ينتظمها محوران أساسيان هما : تأثير البلاغة العربية في البلاغة الفارسية ، وتأثير البلاغة الفارسية في البلاغة العربية.
 
وفي معرض حديثه عن الأمور اللافتة للنظر  في قضية تأثير البلاغة العربية في البلاغة الفارسية، أشار الدكتور  احسان بن صادق اللواتي  الى "أن هذا التأثير قد تركز بشدة في علم البديع الذي استأثر بمعظم جهود مؤلفي البلاغة الفارسية، ولم يترك لعلمي المعاني والبيان سوى حضور هامشي باهت ، وهذه قضية تستأهل وقفة مساءلة: فما السر في هذا الاهتمام الفارسي بالبديع خاصة ؟ هنا يمكن أن تقترح إجابات:

الأولى: أن علم البديع كان أسبق العلوم البلاغية تبلوراً عند العرب ، إذ "لعلنا لا نبعد إذا قلنا إن صور البديع الأساسية ضبطت ضبطاً دقيقاً منذ القرن الرابع الهجري ، بخلاف صور علمي المعاني والبيان فقد كانت لا تزال تفتقر إلى ضبط أدق" . معنى هذا أنّ علم البديع كان العلم البلاغي الوحيد المتبلور في حقبة بدء ظهور المؤلفات البلاغية الفارسية في القرن الخامس الهجري ، ومن الطبيعي بعد هذا أن يحتل موقع الصدارة من هذه المؤلفات.

والثانية: أن غلبة المباحث البديعية على المؤلفات البلاغية الفارسية كانت استجابة لطبيعة الذائقة الأدبية آنذاك وانسياقاً وراء المنهج الأدبي السائد  الذي كان يحرص على الاستزادة من استعمال المحسنات البديعية ، عاداً إياها دليلاً أبرز على تمكن الأديب ورسوخ قدمه في عالم الشعر والأدب. وهذه نظرة عرفتها الأوساط الأدبية الإيرانية مثلما عرفتها الأوساط الأدبية العربية ، غاية ما هناك أن ظهورها في الأدب الفارسي تأخر نحواً من قرنين من الزمان عن انتشارها في الأدب العربي.
 
والثالثة: قد لا يكون من قبيل المجازفة أن يعزى تعلق الفرس الشديد بالبديع إلى ما عرفوا به ، منذ أقدم عهودهم ، من ميل جارف إلى الجمال والزينة بكل صورهما وتجلياتهما . يقول ديورانت : "وكان الرجال والنساء في أسعد أوقات الإمبراطورية يكثرون من استعمال أدوات التجميل ومساحيق الزينة ، فاستعملوا الزيوت العطرية لتجميل البشرة وتصفيتها من الأوشاب ، والأصباغ لصبغ الجفون حتى تبدو الأعين واسعة ناصعة ، ونشأت من بينهم طبقة من الناس أسماهم اليونان "كوزمتاي" أي المزينين ، اختصوا بتجميل طبقة النبلاء والأرستقراطية ، وكان الفرس بالإضافة إلى ذلك خبراء في الروائح والعطور حتى راج بين القدماء أنهم اخترعوا بعض مساحيق الزينة والأدهنة". إنَّ هذا الولع بالزينة والتجميل من شأنه أن ينعكس ، لا محالة ، على الذائقة الأدبية عند الفرس ، فيدعوهم إلى صب عنايتهم على كل ما فيه زخرفة وزينة  من ضروب الأدب المختلفة ، وهذا يقتضيهم أن يولوا العلم المختص بتعليم وسائل التزيين والتحسين في الأدب النصيب الأوفى من اهتمامهم ، ومن هنا كان علم البديع أبرز العلوم البلاغية حضوراً في المصادر البلاغية الفارسية.

والأخيرة: ثمة في علم البديع خصوصية تجعله أقرب تناولاً من غيره بالنسبة لغير العرب ، فمع أنّ  هذا العلم عربي الطابع يستمد أمثلته من القرآن الكريم وكلام العرب وشعرهم  إلا أنه قليل التشبث بالخصوصيات اللغوية العربية ؛ ذلك أنه يقوم أساساً على رصد أنواع المحسنات ، و" قد عٌرفت المحسنات في عصور قديمة وحديثة في اللغات الأخرى منذ عصر اليونان إلى يومنا هذا"  . إن ملاحظة هذه الناحية لتجعلنا نرى من البديهي أن يركز الفرس على علم البديع ويصرفوا إليه وجوههم   ما  دام أسهل العلوم البلاغية تطبيقاً على لغتهم الفارسية التي راموا خدمتها.
 
الدكتورة  انسية خزعلي 

 أما الدكتورة  انسية خزعلي عضو الهيئة التدريسية في جامعة الزهراء(س)  في  ايران فتحدثت عن "الحلقة الحضارية بين اللغتين العربية والفارسية " فنقلت بعض الذكريات من المحقق الإيراني الشهير الدكتور جعفر شهيدي حول سفره إلى القاهرة حيث يقول: "عندما شاركت في المؤتمر الإسلامي باعتباري ممثلًا لإيران حيث شارك فيه اكثر من مئة ممثل لثلاثة وخمسين دولة من الدول والقوميات المختلفة من البلدان الإسلامية مثل إيران، باكستان، وسوريا، وغير الإسلامية مثل أمريكا اللاتينية، روسيا واليابان. وهؤلاء الممثلون لم يكونوا مختلفين في اللغة والآداب فحسب بل كانوا مختلفين في لون البشرة أيضًا".

وأضافت الدكتورة  انسية خزعلي "لكن عندما يتم البحث حول أن الحضارة اخذت أصولها من المعارف الإسلامية، لم نكن نرى أي اختلاف في طريقة تفكير الأفريقي الأسود أو البني أو الآسيوي الأبيض والأوروبي. فالنظرة العالمية للإسلام كانت عند الجميع والكل يدرك قيمة الفكر الإنساني والحضارة الموحدة تحت راية القيم الإسلامية. بسبب هذه النظرة الحضارية الموحدة انتشرت اللغة العربية وشاعت كمًّا وكيفًا بين العرب ما بعد ظهور الإسلام خاصةً في عصر ازدهار العلم والحضارة الإسلامية. وكان الإيرانيون ينظرون إلى هذه اللغة نظرة تقديس وإجلال كما يرون فيها الحضارة والثقافة. والشيء الواضح في تاريخ إيران وبالأخص الأدب الإيراني هو أن الإيرانيين استقبلوا الإسلام وجيش الإسلام رغبةً وطواعيةً منهم، وإلا فإن الظروف العسكرية والحربية كانت مهينةً لهم. ولذلك نرى اعتباراً من القرن الرابع وما بعده، وبعد حصول إيران على الاستقلال النسبي وبعده الاستقلال الكامل، أنها لم تكن لتمنع توسع اللغة العربية بل ساهمت في انتشارها وساعدت على تطور وازدهار الأدب العربي".
ندوة إفتراضية بعنوان
وأشارت الدكتورة  انسية خزعلي الى أن الإيرانيين كانوا ينظرون إلى اللغة  العربية كحلقة وصل ثقافية وحضارية وكانوا يحاولون نشرها كأداة علم ودين ومعرفة بدون اي تعصب لقوميتهم ولغتهم، وما كانوا يعتبرون ذلك إهانةً لقومهم أو هويتهم.
 
وقالت الدكتورة  انسية خزعلي "وفي بعض القرون عندما كان السعي لكتابة الأدب الفارسي قد أصبح مختلطًا بشكلٍ مع اللغة العربية بحيث كان فهم النص بحاجة إلى معرفة بقواعد اللغة العربية ونذكر مثالًا من كتاب مرصاد العباد، انتبهوا إلى كثرة الكلمات العربية في النثر الفارسي".
 
الدكتورة  حنان الطاحون 
 
 من جهتها، تحدثت المدرّسة في قسم اللغات الشرقية في كلية الآداب في جامعة القاهرة  في  مصر حول"واقع اللغة الفارسية في مصر؛ تعليمية اللغة الفارسية في جامعة القاهرة نموذجاً"،  فقالت: اللغة هي ظاهرة اجتماعية مهمة لدورها الملموس في الوحدة الفكرية بين الشعوب. اللغة العربية والفارسية هما جناحا الثقافة والحضارة الإسلامية يوثر أحدهما في الآخر ويتأثر به.

وأضافت الدكتورة  حنان الطاحون  نظراً للدور العظيم الذي قام به الإيرانيون في بناء الحضارة الإسلامية اهتمت جامعة القاهرة بتدريس اللغة الفارسية فبدأ تدريس تلك اللغة في عشرينيات القرن الماضي في قسم اللغة العربية ومن هذه الجامعة انتشر تدريس اللغة الفارسية في جميع الجامعات الحكومية المصرية.
 
الدكتور سمير أرشدي

وبعد ذلك كانت بدأت المدخلات واولها مع  الدكتور سمير ارشدي عضو اتحاد الكتاب والادباء العرب واستاذ محاضر في جامعتي دمشق والكويت، فأكد أن التمازج والتلاقح الثقافي والأدبي بين العربية والفارسية لم يحصل لأي حضارتين أخريين بهذا المستوى من الاندماج على مر التاريخ. آلاف العلماء والمفكرين والأدباء هجروا مسقط رأسهم في شيراز وأصفهان ويزد وكاشان وشدوا الرحال إلى دمشق وحلب وبغداد ودرسوا في المدارس النظامية والمستنصرية وكتبوا وألفوا وأنجزوا العشرات من الأبحاث والكتب التي كوفئوا بوزنها من الذهب ولا تزال حتى يومنا هذا تدرس في بعض الجامعات الأوروبية. وصل الفاتحون العرب إلى تركيا والأندلس والصين وأوروبا لكن لم ينسجموا مع أي حضارةٍ كما التحموا مع الفارسية. ما هو الدافع الذي شجع هؤلاء على أن يتركوا ديارهم ويتواصلوا مع جيرانهم ويتعلموا لغتهم ويكتبوا بها أبحاثهم؟ وكيف نستعيد اليوم هذه الظاهرة ونحييها من جديد. العصر الذهبي للحضارة الإسلامية كان على اكتاف العلماء العرب والفرس وحينما افترقوا أفل نجم هذه الحضارة حيث تعرّب الفرس وتفرّس العرب حضاريًا.

وأضاف الدكتور سمير أرشدي أن حكاية تلاقي اللغتين الفراسية والعربية حكاية طويلة تمتد إلى قرون مضت حتى قبل الإسلام حيث أورد العديد من الباحثين وآخرهم د. محمد الطونجي أستاذ جامعة حلب 52 كلمة فارسية الأصل مذكورة في القرآن الكريم وهي مفردات متداولة في العصر الجاهلي ومفهومة لدى العرب وتم تعريبها حسب النص القرآني في الآية "إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا" وبعد الفتح الإسلامي لبلاد الفرس تعمقت الصلات بين الحضارتين حتى أصبحت العربية والفراسية ثقافة واحدة بلغتين حيث ان تجاور وتحاور اللغتين على مر التاريخ سهل عملية الاقتراض اللغوي واستعارة المصطلحات والتعابير التي تحتاجها كل من اللغتين سواء في الجانب الديني أو الاجتماعي او السياسي.

وأشار الى أنه خلال العصر العباسي ازدادت أواصر التلاقي عمقًا حيث استقدم الخلفاء المؤدبين والمربين من إيران لتربية أبنائهم ولا ننسى المدارس النظامية التي أسسها نظام الملك والتي ساهمت في القيام بمهمة التعليم، كما أن دار الحكمة التي تأسست في عصر المأمون قامت على أكتاف الإيرانيين الذين قاموا بحركة الترجمة من الفارسية والهندية إلى العربية ومنهم ابن المقفع وآل نوبخت حيث أثروا العربية بكثير من المصطلحات في العلوم والفنون.
 
وفي معرض حديثه عن مشاهد التلاقي اللغوي بين اللغتين، اضاف الدكتور سمير ارشدي  وهي ظاهرة ادبية امتاز بها الشعر الفارسي  على سائر اللغات الحية وهي أن ينظم الشاعر شعراً بلغتين في قصيدة واحدة وهو يعكس علاقة اللغتين المتعددة الابعاد والمتشعبة المناحي. وذكر  الدكتور سمير ارشدي نماذج من  الشعر الملمع  لأبي سعيد ابي الخير المتصوف والعارف الكبير:

الدكتور طوني الحاج
 
والمداخلة التالية كانت للدكتور  طوني الحاج  الذي قال إن العلاقة بين العامية اللبنانية واللغة الفارسية قديمة ترجع إلى زمن وجود الفرس القدماء في المنطقة العربية ككل وفي المنطقة اللبنانية، ثم عبر اللغة التركية، ثم عبر اللغة العربية الفصيحة نظراً لعلاقات التجاور والترابط بين العرب والإيرانيين القديمين. كما أن هناك علاقة مميزة بين لبنان وإيران، والعلاقة بين جبل عامل والرحلات التي قامت بين الطرفين.
 
الدكتور علي موسوي زادة
 
وبعدها تحدث  المستشار الثقافي الايراني في مسقط الدكتور  علي موسوي زاده فقال: "أشكركم بالفارسية اذ لا بد أن الحضور يجيدون الفارسية جيداً. اشكر المستشارية الثقافية كثيراً وسائر الزملاء لا سيما جناب الدكتور عباس خامه يار والذي كان أستاذي وأنا كنت ولازلت تلميذه. كذلك أوجه تحياتي لأصدقائي في عُمان منهم الدكتور اللواتي هذا الإنسان الشريف والطاهر القلب والمحب. أشكر الحضور جمعاً الدكتورة خزعلي والأصدقاء الذين سبق أن زاروا عمان مثل الدكتور أرشدي العزيز لكني لم أحظ بلقائه ان شاء الله نلقاه في أول فرصة ممكنة. أشكركم جميعاً الأساتذة الأفضل. ليست لديّ مداخلة بوجود كبار اساتذة اللغة الفارسية والأدب الفارسي والأدب العربي، لذا أردت فقط أن أوجه شكري".
captcha