وكان لانتصار الثورة الإسلامية في إيران تبعات محلية واقليمية وتغييرات جذرية داخل البلاد وخارج حدود إيران على المستوى الإقليمي والدولي، وإذا أردنا تعريف للثورة، فالثورة في اللغة تعني التحول من حال إلى حال آخر، والتحول والتغيير والتطور، وفي المصطلح العام الرائج في العالم فهي تعني "محاولة البعض قلب الحكومة وتشكيل حكومة جديدة" من أجل إجراء تغييرات جوهرية في جميع المؤسسات، واحداث تغيير في البنية السياسية والاجتماعية وايجاد موسسات جديدة ومرغوبة في إطار أهداف ومُثُل محددة".
كما هو رائج ومتداول ان الثورة في إيران يشار إليها دوماً بصفة إسلامية فيمكن ان يتبادر للأذهان أن من سعى لها هم الغالبية المسلمة من السكان أثناء حكم الشاه بهلوي لغرض تغيير واسقاط النظام الملكي الحاكم أنذاك، ولكن بالنظر والتدقيق على الشواهد والوقائع يتضح جلياً التاثير الثمين والمهم للاقليات المذهبية في الداخل الايراني في تحقيق الانتصار العظيم.
وكانت تحركات الاقليات الدينية ضد النظام الملكي تتنوع احياناً بين التحركات الفردية وأحياناً أخرى بالتحركات الجماعية المنظمة، وفي ظل مسيرة النظال التي اتبعتها هذة المجموعات من المكون المسيحي والمكون اليهودي والمكون الزرادشتي في ايران والتي كانت في البداية تحركات فردية ومن ثم اصبحت تحركات ضمن اطار تجمعات ترتقي نسبياً الى مجموعات رسمية انضمت بالتالي الى صفوف المقاتلين، ابرز تلك المجموعات يمكن الاشارة الى "لجنة التنسيق الزرادشتية"و"المكون اليهودي المثقف" كأبرز تلك المجموعات في حينها، حيث تولت هذة التشكيلات والمجموعات مهمة اعادة ترتيب وهيكلة الثوريين من المكون اليهودي والزرادشتي لغرض المشاركة في المسيرات والمظاهرات واصدار البيانات والتعاون مع المقاتلين وبالتالي المشاركة الفاعلة في تحقيق نهضة الشعب.
واستمرت مشاركة الاقليات الدينية في دعم انتصار الثورة لدرجة ان بعض هولاء المقاتلين من الاقليات الدينية تعرضوا للاعتقال من قبل أزلام النظام الملكي البهلوي في خضم ايام الثورة واستشهد ايضاً البعض منهم في ليلة انتصار الثورة الاسلامية ويمكن ذكر الشهيدين «حمید نهاوندی» من المكون اليهودي و «وارطان آراکلیان» من المكون المسيحي الارمني كأبرز شهداء الاقليات الدينية و ابرز الادلة على شعبية الثورة.
ولم تكن الاقليات الدينية مشاركة في انتصار الثورة الاسلامية فحسب بل ان مشاركتهم توسعت الى الحضور المشرف في استفتاء أبريل عام 1979م والادلاء بـ"نعم" للجمهورية الاسلامية وبذلك عبروا عن رغبتهم في نظام ذي خلفية دينية.
وبعد استتباب الاوضاع وثبات نظام الجمهورية الاسلامية في ايران لم تتوقف التهديدات والفتن امام هذا النظام ولم يتوقف ايضاً دفاع الاقليات المذهبية الايرانية عن النظام ونشر الوعي بضرورة الدفاع عن الثورة، ومن المحطات المهمة والبارزة لمشاركة الاقليات في الدفاع عن الثورة كانت الحرب المفروضة على ايران مع نظام صدام العراقي، فالارقام والاحصائيات للشهداء والاحرار والجرحى و الفدائيين تشير الى مشاركة واسعة و موثرة لهذة الاقليات في الدفاع عن الوطن والمبادى السامية للثورة الاسلامية.
والجمهورية الاسلامية في ايران ايضاً كان لها دوماً نظرة خاصة للاقليات المذهبية حتى لايضيع لهم حق وفي هذا المسعى اوجدت "عقد الذمة" و ادرج هذا العقد ضمن الدستور للبلاد كضمانة للدفاع عن حقوق الاقليات غير المسلمة في البلاد وتعبير عن العيش المشترك في اوساط المجتمع بمكوناته الاقليات الدينية والاغلبية المسلمة، وللتاكيد على تمسك الجمهورية الاسلامية بحقوق الاقليات فهي قد شاركت بالفعل في العديد من المعاهدات الدولية التى تعنى بالدفاع عن حقق الاقليات و ابرز تلك المعاهدات منشور الامم المتحدة الموقع عام 1945م . دستور الجمهورية الاسلامية في ايران لم يكتف فقط برفض التمييز على أسس دينية ومذهبية ولكنه ايضاً يرفض التمييز على أسس عرقية أو لغوية أو قومية وقد اكد هذا الرفض في المادة 19 و 20 في مسعى لان تحترم حقوق الاقليات .الماده 26 في الدستور تسمح للاقليات بانشاء جمعيات ومؤسسات خاصة بهم طبقاً للشروط كما وتنص المادة 13 من الدستور على الاعتراف بالمكونات المسيحية والزرادشتية واليهودية كاقليات في البلد ويمسح لهم اقامة الطقوس الدينية والحرية في المعتقد والتعاليم الدينية بحرية، المادة 64 في الدستور أيضاً توكد على حق الاقليات في ان يكون لها نواب في البرلمان الايراني (مجلس الشورى الاسلامي).
وعلى رغم الوحدة و الترابط الوثيق بين مكونات المجتمع الاسلامي الايراني وبين الاقليات الدينية والمذهبية في ايران الا ان الاعداء يسعون دائماً وبطرق مختلفة لاحداث شرخ حتى يفككوا هذه الوحدة وهذا الترابط كي تسنح لهم فرصة اجراء مخططاتهم على الارض متناسين ان العلاقة بين الثورة الاسلامية ومكوناتها ومن ضمنهم الاقليات هي علاقة عصية على الاختراق و التفتيت.