ایکنا

IQNA

رئيس مركز حوار الأديان والثقافات في لبنان لـ"إکنا":

مواجهة المشروع التكفيري تفرض استخدام وسائل صلبة وناعمة

11:48 - October 18, 2021
رمز الخبر: 3482911
بيروت ـ إکنا: صرّح "الدكتور السيد علي السيدقاسم" أن مواجهة المشروع التكفيري تفرض وضع استراتيجيات قريبة، ومتوسطة، وبعيدة المدى، واستخدام "وسائل صلبة" كالمواجهة العسكرية والأمنية المباشرة وأخرى "ناعمة" كتجفيف منابع الفكر السلفي الهدام المستند على مغالطات تاريخية وفكرية مشبوهة.

السيد علي قاسم

وقال ذلك، رئيس مركز حوار الأديان والثقافات في لبنان وعضو الأكاديمية الحبرية المريمية العالمية، "الدكتور  السيد علي السيد قاسم" في حوار خاص له مع وكالة "إکنا" للأنباء القرآنية الدولية، مؤكداً أن دعم الجيش والمقاومة  والاجهزة الأمنية بكل أشكالها بالعناصر البشرية والأجهزة والمعدات القتالية الحديثة، وتدريبها على القتال ضد العصابات والإرهاب، سيعزز من نجاعة المواجهة مع المشروع التكفيري، ويشكل حلًا غير مباشر، ويعالج بعض الأسباب التي تدفع بالشباب إلى الإرتماء في أحضان التيار التكفيري.

وأكد السيد علي السيد قاسم ضرورة وقف بعض المحطات التلفزيونية والاذاعية والفضائيات، وبخاصة تلك التي تحرّض على الفتنة والقتل والتفرقة تحت عناوين مختلفة. وتوجيه الوسائل الاعلامية نحو بث ما يجمع ويقدم الصورة السمحة والحقيقية للدين، وإحياء التراث الاسلامي الصحيح ونشر المصادر والمراجع الإسلامية المتفق عليها عند كبار العلماء.

وأشار الى أن مواجهة الظاهرة التكفيرية المدمرة للإنسان وللحضارة الإنسانية لا بد أن تكون متعددة الابعاد، من ثقافية وفكرية وتربوية وأمنية واقتصادية.. غير أن المسؤولية الأثقل في هذا الموضوع هي حتماً ملقاة على عاتق الفعاليات العلمائية الدينية الموقّرة والنخب الفكرية التربوية.

وفيما يلي النص الكامل للحوار:
      
ما هي أهم الاستراتيجيات والآليات لمواجهة الحركات التكفيرية والفكر الوهابي في العالم الإسلامي؟

إن معرفة أسباب تكوّن هذه الظاهرة، وفهم بنيتها العقائدية، وسلوكها الفكري وخطها السياسي وعملها العسكري وممارساتها العدوانية والإلغائية واللإنسانية ضد كل من لا يوافق رأيها ومشروعها، على مسرح بعض الدول من ليبيا إلى مصر فالعراق إلى سوريا ولبنان وما يحيط بها وحتى مختلف دول العالم، قد يؤدي الى تصور استراتيجي يسهم في تكوين فضاء معرفي لمشروع مواجهة متعدد الابعاد يقف بوجه المشروع  التكفيري. فكيف يكون ذلك؟

في البداية لا بد من توحيد النظرة الفكرية والدولية للظاهرة والاتفاق على التوصيف والمصطلحات، وذلك باعتبار أن هذه الظاهرة واقعية وقائمة بحد ذاتها كما هي، وهنا من المفترض أن تتوافق جميع دول العالم الإسلامي في رؤيتها وتوصيفها وتحديدها للمشكلة وكيفية مواجهتها وفق استراتيجية محددة وواضحة.

إن مواجهة هذا المشروع التكفيري تفرض وضع استراتيجيات قريبة، ومتوسطة، وبعيدة المدى، واستخدام «وسائل صلبة» وأخرى «ناعمة».

1 ـ الوسائل الصلبة: وهي  المواجهة العسكرية والأمنية المباشرة في التصدي لكل عمل عسكري تقوم به المجموعات الارهابية التكفيرية وردعها عبر استخدام انواع الاسلحة المختلفة.

2 - التحري الدائم وجمع المعلومات ومراقبة كل فرد يمت بصلة مباشرة أو غير مباشرة إلى هذه المجموعات، على أن توضع جميع الأجهزة الأمنية تحت قيادة واحدة وتعمل بتنسيق مستمر.

 إن دعم الجيش والمقاومة  والاجهزة الأمنية بكل أشكالها بالعناصر البشرية والأجهزة والمعدات القتالية الحديثة، وتدريبها على القتال ضد العصابات والإرهاب، سيعزز من نجاعة المواجهة مع المشروع التكفيري، ويشكل حلًا غير مباشر، ويعالج بعض الأسباب التي تدفع بالشباب إلى الإرتماء في أحضان التيار التكفيري.

وفي إطار الوسائل الصلبة غير المباشرة، ينبغي:

1 - القيام بعمليات أمنية وعسكرية استباقية لمنع أي عمل ارهابي وضرب الخلايا النائمة والتجمعات المحتملة التي تخطط للقيام بعمل عسكري أو ارهابي.

2 - تفعيل وإثارة الروح الوطنية في صفوف الشعب وتدريبه ليقف بقوة في المواجهة.

• الوسائل الناعمة:

1 - تجفيف منابع الفكر السلفي الهدام المستند على مغالطات تاريخية وفكرية مشبوهة، وفتح الحوار الفكري والحضاري بين التيارات الدينية والمذهبية والسياسية المتناحرة وإرساء فضاء توافقي لتخفيف حدة الصراعات الداخلية، وإيجاد أرضية صلبة للتلاقي تحرم المشروع التكفيري من البيئات الحاضنة التي تدعم الجماعات الارهابية وتحميها.

2 - تجفيف مصادر التمويل والدعم (الاشخاص والدول وغيرهم) فلم يكن لهذا المشروع التكفيري أن يتبلور ويتجسد بقواه المادية والعسكرية على ارض الواقع لو لم يتأمن له ما يكفي من الدعم المالي واللوجستي والمعدات العسكرية الكبيرة والمتطورة على مستوى الدول.

إن من ابسط بديهيات العمل لتحجيم الفعل التكفيري والوقوف بوجه هذا المشروع هو وقف دعم الجماعات التكفيرية الارهابية من قبل بعض الهيئات أو الجمعيات أو الدول بالمال والسلاح والرجال، ورفع الغطاء السياسي والدعم الاجنبي لها.

كذلك من الضروري أن تلتزم بعض الدول الشفافية السياسية وتمتنع عن تقديم التسهيلات السياسية والأمنية والإعلامية لبعض هذه الجماعات.

1 ـ ضبط (أو وقف) بعض المحطات التلفزيونية والاذاعية والفضائيات، وبخاصة تلك التي تحرّض على الفتنة والقتل والتفرقة تحت عناوين مختلفة. وتوجيه الوسائل الاعلامية نحو بث ما يجمع ويقدم الصورة السمحة والحقيقية للدين، وإحياء التراث الاسلامي الصحيح ونشر المصادر والمراجع الإسلامية المتفق عليها عند كبار العلماء.

- إقامة مؤتمرات وندوات للتقريب بين المذاهب الاسلامية المختلفة، من الأزهر إلى مكة، ومن قم إلى النجف، ومن دمشق إلى اسطنبول. وفتح باب الحوار بين التيارات الدينية المختلفة على مستويات عليا من المرجعيات الفقهية والعلمائية، لشرح الأصول والفروع وغيرها وإثبات بطلان، ولا عقلانية أو شرعية للفكر التكفيري، وعدم استناده إلى واقع موضوعي أو معطى ديني، وافتقاره إلى أي بعد ثقافي، انساني، أو ايماني، فهو فكر مشبوه (مشوَّه ومشوِّه)، ودخيل على الإسلام.

- السعي إلى التزام توجيهات قيادة إسلامية جامعة تعمل على تأصيل الفكر الاسلامي من خلال إعادته إلى منابعه الأصيلة وتمحو صفحات المذاهب والبدع وتحصرها ضمن حوار الأفكار العلمائية والنخبوية الثقافية فقط. وفي الحقيقة يحتاج العالم الاسلامي إلى ثورة فكرية على المستوى النظري تعيده إلى المسار الطبيعي الذي رسمه القرآن الكريم والنبي الأعظم والأئمة المعصومين "عليهم السلام"، وتزيل الشوائب والأدران والاهواء والعصبيات التي علقت به خلال صيروته التاريخية البشرية. ثورة تعيده إلى أصالته وسمو رسالته، تأخذ من الماضي ما ينفع الحاضر ويتوافق مع المستقبل في اعلاء صوت العقل الذي يدل الانسان إلى الطريق الصحيح، لأن الأديان إنما وجدت لخدمة الانسان وليس العكس.

- خلق فرص عمل للشباب العاطل عن العمل، فالبطالة المتفشية في اوساط الشباب وتفاوت نسبة الفرص بين دولة واخرى في المنطقة، أو بين منطقة وأخرى في الوطن الواحد، تدفع بعضهم إلى الارتماء في احضان إغراء بعض هذه الجماعات رغبة في الارتزاق والكسب السريع.

- تفعيل التربية على المواطنية والواجبات، فالانسان كائن اجتماعي يتأثر بالبيئة وبالمجتمع الذي يعيش فيه، لذلك على الدول أن تضع في استراتيجياتها خططًا لتأهيل ابنائها اجتماعيًا ووطنيًا واخلاقيًا، بما يخدم المثل العليا في الحياة ويرفع من قيمة الإنسان. ومن هنا ضرورة التدريب على بناء مواطنين يعرفون حقوقهم وواجباتهم في مجتمع يكون الدين فيه خيارًا إيمانيًا وسلوكيًا حرًا لهم، وليس سلوكًا مفروضًا في تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية، فتلك الامور تعود إلى الدولة كناظم ومسؤول عن ادارة شؤونهم الحياتية.

- عدم زج الدين في آليات السياسة والسلطة والحكم في الدولة بشكل مباشر، فاستخدام الأديان والمذاهب في الصراعات الداخلية لأهداف سياسية أو مصلحية، أو إدارية وزجِّها في آليات عمل الدولة، أدى ويؤدي إلى اصطفافات اجتماعية وسياسية ومذهبية ودينية تؤثر على حسن أداء الدولة كمؤسسة جامعة وعادلة، وتأخذها إلى الإنهيار. وبالتالي فإن المجتمع ينحو إلى التفكك، ما يفتح الباب واسعًا لدخول التيارات المتطرفة التي تستغل هذه الثغرات فتنمو وتشكل خطرًا كامنًا أو مباشرًا على الدولة والمجتمع. لذلك من المفترض بالقادة الدينيين والسياسيين أن يبتعدوا في خطاباتهم وممارساتهم عن الخطاب الديني والمذهبي الذي يفرق، وأن يركزوا  على البعد الوطني والإجتماعي  الذي يجمع ولا يُفرق.

أما «الوسائل الناعمة» غير المباشرة فتتمثل بـ:

- إقامة أنظمة حكم رشيدة وديموقراطية، فالأديان تدل على الطريق السليم في الحياة، ولكنها لا تحرم الانسان حريته، أو تستعبده. وطبيعة الاجتماع البشري اليوم وبعد التطور الهائل في مختلف ميادين المعرفة والفكر والعلم ونظريات الدولة والسلطة والحرية وتجاربهما، باتت تفرض على هذا الانسان أن يختار الطريقة المناسبة لتنظيم شؤونه الاجتماعية والحياتية وإدارتها عبر المؤسسات المختلفة، والتي تعتبر الدولة الحديثة احدى أهم تجلياتها العملية، والاداة الفضلى لتأمين الحقوق وفرض الواجبات مع مراعاة مبادىء المساواة والعدل والحرية للفرد.

إن إقامة أنظمة حكم رشيدة تؤمن العدل والحرية والمساواة بين ابنائها وتحفظ حقوق الإنسان هي أنجع الطرق لتلافي وجود هذه الجماعات. والمطلوب أنظمة حكم تعامل الناس كمواطنين وليس كرعايا، ودول تحترم فيها الديموقراطية بمضمونها ومعناها وليس بشكلها ومظهرها.

- تنمية المناطق الفقيرة، إذ تشير معظم الدراسات إلى أن الفقر هو عامل أساس وفاعل في تكوين هذه الجماعات، وهو العمود الفقري في بنيتها العسكرية البشرية. فالحاجة تدفع الكثيرين إلى التفتيش عن وسيلة للعيش.

إن المناطق الفقيرة تشكل خزانًا يرفد الارهاب بالعناصر البشرية ويشكل بالتالي بيئة حاضنة له، أو منطلقًا لأعمال تخل بأمن الناس والدولة، لذلك فإن وضع خطط من قبل الدول  لتنمية هذه البؤر، يحصنها ضد تدخلات الآخرين وإغراءاتهم المادية.

- التعليم والتوعية، الجهل آفة اجتماعية قاتلة واذا أضيفت إلى الفقر والبطالة والظلم، تنتج الإجرام بأشكاله المتنوعة وتحت عناوين مختلفة. واذا عرفنا أن نحو ربع سكان العالم العربي، وكذلك أكثر من ربع سكان العالم، هم من الأميين والفقراء، أدركنا حجم المشكلة.

إن تأمين التعليم الإلزامي والمستمر سيشكل حلًا متقدمًا يجنب مستقبل الأجيال القادمة من آفات كثيرة. كذلك فإن انتهاج سياسات تربوية وتعليمية ودينية لخلق جيل قادر على التحليل والمناقشة استنادًا إلى العقل والمنطق والواقع، وليس ارتكازًا على العصبية والعواطف والافكار المسبقة، سيتيح لهذه المجتمعات القدرة على التفكير والمحاكمة العقلية بدلًا من الارتماء الأعمى في أحضان العصبيات المذهبية والإملاءات الدينية المعلبة والمغلقة التي تولد الأفكار المظلمة والإرهاب.

برأيكم ما مدى فاعلية تسمية أسبوع الوحدة الإسلامية في إفشال مؤامرات الأعداء ومواجهة الأفكار التكفيرية الضالة؟

إن مواجهة الظاهرة التكفيرية المدمرة للإنسان وللحضارة الإنسانية لا بد أن تكون متعددة الابعاد، من ثقافية وفكرية وتربوية وأمنية واقتصادية.. غير أن المسؤولية الأثقل في هذا الموضوع هي حتماً ملقاة على عاتق الفعاليات العلمائية الدينية الموقّرة والنخب الفكرية التربوية.. فهم جميعاً مطالبون بتحمل هذه المسؤولية التاريخية الخطيرة أما بالنسبة للمجتمعات التي تأثرت بهذه الظاهرة وكانت على تماس معها فلا شك أن  الحلول الأمنية غير كافية لأنها ليست بقادرة على اجتثاث هذه الظاهرة من جذورها، وهي بعد أن قطعت هذه المرحلة المثقلة بالمتاعب كان لا بد من القيام بما يلي:

 أولًا:  ردعها عن قتل الناس وتخريب وتدمير البلدان الاسلامية.

 ثانياً:  اللجوء إلى الآليات الثقافية والفكرية والاعلامية من أجل قطع دابر التكفير واقتلاعه من جذوره. وهذه لا شك أيضاً مهمة العلماء والمفكرين في العالم الاسلامي ممن ينبغي لهم التصدي لمخاطر الافكار التكفيرية والقيام بمسؤولياتهم الإلهية. 

إن تسمية الامام الخميني المقدس لأسبوع الوحدة الاسلامية الواقع ما بين الثاني عشر والسابع عشر من ربيع أول من كل عام هجري  يعمل على مواجهة المشروع التكفيري من خلال العمل على وضع استراتيجيات وخطط مرحلية وبعيدة المدى يلحظ فيها تجفيف متابع هذا الفكر الهدام المستند على مغالطات تاريخية وفكرية مشوهة، وفتح الحوار الفكري والحضاري بين التيارات الدينية والمذهبية والسياسية وارساء فضاء توافقي لتخفيف حدة الصراعات وإيجاد أرضية صلبة للتلاقي ولا يكون ذلك إلا من خلال إقامة المؤتمرات والندوات للتقريب بين المذاهب الاسلامية على مستوى اسلامي رفيع وفتح باب الحوار بين مختلف التيارات الدينية وذلك.. لشرح ما تحتاجه الأجيال من اثبات بطلان ولا عقلانية  أو شرعية الفكر التكفيري وعدم استناده إلى واقع موضوعي، ومعطى ديني باعتباره فكر مشوه ودخيل على الاسلام.

ولا بد أن نؤكد بأن هذه الجماعات التكفيرية الارهابية وما تحمله من مشاريع خطيرة هو واجب ومسؤولية الجميع.. لأن هؤلاء يشكلون اليوم أداة حقيقية لقوى الاستكبار والصهيونية. أداة تعمل على تقطيع أوصال الأمة وتغيير مسار صراعها القائم على مواجهة العدو الصهيوني ليتحول بأس شعوب هذه المنطقة موجهاً إلى بعضها البعض متذكرين ما قاله الامام الخميني العظيم: [جميع طوائف المسلمين تواجه اليوم قوى شيطانية تريد اقتلاع جذور الاسلام. هذه القوى التي ادركت أن الشيء الذي يهددها هو الاسلام. وأن الشيء الذي يهددها هو وحدة المسلمين].

ما هو أثر انتشار الفكر الوهابي في الاعلام الغربي وتقديمه صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين؟

ويشهد العالم في عصرنا الحالي تطوّراً رهيباً في وسائل الإعلام، حيث هيمنت دعاياته على مجالات الحياة السياسيّة، الاجتماعيّة، الفكرية والثّقافيّة، وأدّت أدوارًا هامّة في تغيير بعض المفاهيم، أو ترسيخ مفاهيم أخرى قد تكون صائبة أو خاطئة.

إنّ نجاح هذه الوسائل ساهم في تشكيل الصّور الذّهنيّة، وهذا ما عليه وسائل الإعلام الغربي الذي فرض حضوره وسلطته داخل أنحاء المعمورة في إطار ما يعرف بالعولمة الإعلاميّة.

 لقد كرّست وسائل الإعلام الغربية الصّورة النّمطيّة عن العلاقة الوطيدة بين الإسلام والإرهاب، وبأنّ المسلمين بأجمعهم هم سبب نشوء ظاهرة الإرهاب في العالم، حيث تشكلّت هذه الصّورة في أذهان النّاس منذ أحداث 11 سبتمبر عام 2001، وامتدّت هذه الحادثة واستفحلت أكثر خاصّة بعد حدوث العديد من الهجمات الإرهابيّة في العالم، ومنها الهجوم الإرهابي على جريدة "شارل إيبدو" الفرنسيّة ومخلفاته.

من جهة أخرى نجد أن الهجمات الإرهابيّة كشفت عن الوجه الآخر للعالم الغربي الذّي يكنّ مشاعر الضّغينة للمسلمين ،فلا تخلو محادثاتهم وحواراتهم من سبّ المسلمين واتهامهم بأنهم سبب الحروب والكوارث والخراب الذي حلّ بهم وبأنّ المسلمين هم الذّين صدّروا الإرهاب للغرب، وكوّنوا جماعات شريرة هدفها نشر الرعب والهلع والذّعر في نفوس الناس وسرقة هدوئهم وراحة بالهم ولهذا نجد أن الاعتداءات الارهابية زادت في ترسيخ صورة "الإسلام الإرهاب" و"الإسلاموفوبيا " وتصاعد الأصوات المعاديّة للإسلام.

 فوسائل الإعلام الغربيّة حاولت إظهار العالم الإسلامي أمام الرأي العام متهمّاً وسبب كل الاعتداءات الإرهابيّة التي تحدث في العالم وذلك من أجل ترسيخ فكرة في أذهان النّاس بأن هناك علاقة وطيدة بين الإسلام والإرهاب وعملوا عل  تبرئة العالم الغربي من أي تهمة وتجميل صورته من جهة وكرسوا ممارسة عنصريّة ضد المسلمين المقيمين في أوروبا من جهة أخرى. وقد نجحوا في مساعيهم فشوّهوا الإسلام ولفقوا الكثير من التّهم حوله.

لهذا نجد مثلًا الأفلام الأجنبيّة التي ركزت على تقظيم صورة العالم الإسلامي بكثيرٍ من السّطحيّة والسّذاجة في الطّرح، وتقديم مغالطات عديدة أمام الجمهور، من أجل زيادة الأصوات السّاخطة النّاقمة المعاديّة للإسلام والمسلمين كما قدّمت الشّخصيّات المسلمة بصورة سلبيّة وبأنّهم أغبياء متخلفون وجهلة، متطرفون وانتهازيون وجبناء وقتلة، كما عدّتهم أيضًا سبب الأزمات السّياسيّة والاقتصاديّة وقد أسهمت هذه الأفلام في تشجيع الغرب على ازدراء الدّين الإسلامي، ومعاداة المسلمين وتوسيع العنصريّة ومن أبرز الصّور الذّهنيّة التي تشكلت عن الإسلام والمسلمين نجد ظاهرة الحجاب/ الإسلاموفوبيا...

من هنا أجد في ظل ما قدمته الحركات التكفيرية من صورة ذهنية عن الإسلام والمسلمين، والتي كانت أغلبها سلبيّة مسيئة ومشوّهة لمبادئ الإسلام الأصيل وتاريخه العتيد وبالتالي ما لعبته وسائل الإعلام الغربيّة من دور فاعل في الإقناع والتأثير وتخزين الصّور في الذّاكرة الجمعيّة، ومع تفاقم ظواهر الإسلام الإرهاب، الإسلاموفوبيا وغيرها، يجب على المسلمين القيام بما يلي:

١– التّجنّد خلف دينهم ومقوّماته، والعمل على الحفاظ على هوّيتهم الإسلاميّة.
 
٢– محاولة تصحيح تلك الصّور الذّهنية عبر وسائلهم الإعلاميّة والقنوات الفضائيّة، والأعمال السّينمائيّة، إضافةً إلى تفعيل عمليّة الوعي الجماهيري.
 
٣– تنميّة البحث في القضايا الاسلامية المعاصرة من قبل الباحثين ، وتشجيع المواهب والمهارات من أجل تغيير النّظرة الغربيّة لهم، وتقديم صورة مشرّفة ومشرقة عن العالم الإسلامي والمسلمين.
 
ما هو تأثير وحدة الأمة الإسلامية وتجنب الانقسام والفتنة على نجاح المسلمين في مواجهة الأفكار التكفيرية؟

قال الله تبارك وتعالى في قرآنه المجيد وفي آيات متعددة:

"إن هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون" الأنبياء 92.
"وإن هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربّكم فاتّقون" المؤمنون 52.
"وكيف تكفرون وأنتم تُتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومَن يعتصم بالله فقد هُديَ إلى صراطٍ مستقيمٍ" آل عمران101.
"واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألفّ بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها. كذلك يُبيِّن الله لكم آياته لعلّكم تهتدون" آل عمران 103.

الوحدة هي عنصر أساس من عناصر المشروع الحضاري الإسلامي، وهي فريضة شرعية، وضرورة للصعود الحضاري الإسلامي ولحماية الأمّة من أعدائها ، وضرورة أيضاً لرقيّ الأخلاق والسلوك لدى أفراد هذه الأمّة.

والأمّة الإسلامية كلما كانت موحَّدة، كانت قوية قادرة على تحقيق رسالتها، وقادرة على حماية نفسها من الأعداء ، وقادرة على تحقيق العُمران، وقادرة أيضاً على الرقيّ الأخلاقي والسلوكي والاجتماعي، وكلما كانت مُفكَّكة، كانت ضعيفة، غير قادرة على أداء رسالتها وغير قادرة على حماية نفسها من الأعداء، وغير قادرة على تقديم إنجازٍ عُمراني ذي شأن.
ولهذا لو تتبعنا الآيات التي الآنفة الذكر وعملنا استقراءً موضوعيًا لهم نجد ما يلي:

 في الآيتين الأولى والثانية نجد أن هناك ارتباطاً بين الوحدة والأمّة الواحدة، وبين عبادة الله في الأولى وتقواه في الثانية.

 في الآية الثالثة وضع الوحدة والاعتصام كمقابل الكفر، وحبل الوحدة والاعتصام هما الطريق إلى الصراط المستقيم، وتستطيع أن تفسّر الصراط المستقيم هنا بأنه طريق النجاة في الآخرة، والعزّة والسيادة الحضارية في الدنيا.

وفي الآية الرابعة- نرى أن الله تعالى جعل الوحدة والاعتصام وعدم التفرّق نوعاً من النعمة- وهي بلا شك نعمة عظيمة- وجعلها أيضاً طريقاً لتجنّب الهلاك في الدنيا والآخرة وهي مَعلَم من معالِم الهداية وهي إحدى آيات الله، أي أن الوحدة آية من آيات الله تعالى وهي نعمة وهي طريق لتجنّب البوار في الآخرة والدنيا على حدٍ سواء.

 الوحدة شرط لنزول مَدَد الله تعالى، ومَدَد الله كان تاريخياً وسيظل هو السبب المباشر للنصر والسيادة والإنجاز الحضاري.

إن الوحدة طريق إلى النجاة في الآخرة وسد منيع إلى العزّة والسيادة والنصر وتحقيق أكبر المُنجزات العمرانية في الدنيا. والوحدة الإسلامية شرط لازِم لمواجهة التحديات التي تُقابلها أمّتنا اليوم، وطريق أكيد إلى العزّة ومواجهة الأعداء والنهضة في كل المجالات، والأعداء يعرفون خطورة وأهمية هذه الوحدة، ولذا فإن مؤامراتهم عليها لم تنقطع وأهم مثال لها ما جري من تكفيرٍ وقتلٍ وفرقةٍ في السنوات الماضية بإسم الربيع العربي.

خلاصة القول هنا أن القرآن الكريم يُحدِّد لنا العناصر الأساسية لنهضة الأمّة ورِفعتها فيقول الله تعالى "كنتم خير أمّة أخرِجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المُنكَر وتؤمنون بالله".

أي أن سبب نشأة الأمّة، وعناصر تكوين هذه الأمّة هو الرسالية، أو المهمة التي تقوم بها هذه الأمّة، أو الرسالة الحضارية لتلك المجموعة من البشر هي التي جعلتهم يشكّلون أمّة.

الأمّة الإسلامية – بهذا المعنى- نشأت من خلال مُهمّتها ألا وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، أي الاضطلاع بمسؤولية القضاء على الظلم والفساد والطبقية والاستبداد والتعصّب وغيرها من أنواع المُنكَر، وحماية الضعفاء والرحمة بهم ودعوة الناس لكل خيرٍ ومعروفٍ، أي الدعوة إلى المعروف ونشره، ومنع المُنكَر والقضاء عليه سلماً أو حرباً، ومن خلال العمل لتحقيق ذلك نشأت الأمّة الإسلامية، وهي أمّة مُنفتحة لا تقوم على جنسٍ أو لونٍ أو قرابة دم أو غيرها ، بل هي تفتح ذراعيها لكل مَن يريد الدخول فيها من كل لونٍ وجنسٍ وأرضٍ، والانخراط بالتالي في مُهمّتها في إزالة المُنكَر عن الأرض ونشر المعروف في ربوع العالم.

ومن هنا نجدها أنها أمّة ترفض مفهوم العِرقية والتفرِقة العنصرية على أساس اللون أو الجنس ، ولنتأمّل تعاليم الإسلام هنا والتي تنطلق من ("كلكم لآدم وآدم من تراب" "لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى"- ليس منا مَن دعا إلى عصبية، ليس منا مَن قاتل على عصبية، ليس منا مَن مات على عصبية").ما معنى ذلك؟ معناه بكل دقّة ؛ أنه لانهضة ولاخير في الأمّة العربيةالإسلامية ،إذا ما قامت على الفرقة ،بل لابد من الوحدة التي هي روح الأمّة وجوهر عقيدتها.
 
إلى أي مدى تنبع أفكار وأفعال الجماعات التكفيرية من الفكر الضال للطائفة الوهابية؟

إن هذه الجماعات التي اتفق على تسميتها بالجماعات الإرهابية تستند إلى فكر تكفيري متشدد ومتزمت يرجع إلى رجلين وضعا أسسه وجاء بعدهما من زاد في تزمته وتشدده، وهذان الرجلان هما : إبن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، حيث نجد أن أفكار ابن تيمية جاءت صياغتها في فترة من أحلك الظروف التي مرت على الأمة الإسلامية وهي فترة الغزو المغولي لبلاد المسلمين، حيث أراد ابن تيمية أن يجيّش الأمة لمواجهة ذلك الغزو فعمد إلى تبني آراء وأفكار استغربها علماء عصره وفقهاؤه، وحكم بعضهم عليه بالخروج من الملة جراء هذه الآراء والأفكار التي حكم فيها هواه السياسي، وحكم بموجبها على طوائف من المسلمين بالكفر أو الفسق لمجرد أنها لم توافق هواه السياسي.نجد التناقض بين الفكر التكفيري ومبادئ الإسلام الحنيف منها: 

1 ـ  إن أتباع الفكر التكفيري يدعون إلى مبادئهم ويعملون على فرضها على الناس بالقهر والغلبة وقد ظهر ذلك من خلال ممارساتهم في العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان وفي كل مكان امتلكوا فيه السيطرة على العباد.

فهل تتوافق هذه الطريقة مع الإسلام؟ بالتأكيد إنها لا تتوافق بل إنها تتناقض حتماً معه، فالآية القرآنية الكريمة تقول: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾(النحل: من الآية 125)، فالدعوة لا تكون إلا بالحوار والنقاش والمحبة والإقناع، ولا يقبل قهر الناس على الدين، ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾(البقرة: من الآية 256)، ومهمة المسلم أو الداعية إلى الله هي تذكير الناس ليؤمنوا وليس تهديدهم وإرهابهم ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾(الغاشية:21-22).

ومن هنا ندرك أن دعوة تلك الجماعات ليست دعوة لإدخال الناس في الإسلام، وإنما هي وسيلة لقهر الناس والسيطرة عليهم كعمل من أعمال السلطة الجائرة والطاغية، فهذا هو دين الطغاة على مر العصور، إنهم يتوسلون الدين سبيلاً إلى الملك وهي هي غايتهم الحقيقية.

2 ـ  الحكم على الناس بالكفر إذا لم يكونوا على نهجهم وشاكلتهم، وجعل ذلك سبيلاً لسفك دماء المخالفين من أبناء الإسلام، وتراهم يضعون للإيمان قيوداً ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يأت بها رسوله (ص)، وهذا مخالف لسنة المصطفى في الدعوة وتأليف قلوب العباد، فقد رضي  النبي "ص" من الناس بالشهادتين الظاهريتين  ليعتبرهم مؤمنين، فقال لهم قولوا لا اله إلا الله تفلحوا وقال: "من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله مؤمناً بها قلبه دخل الجنة" والناطق بالشهادتين له ما للمسلمين من حقوق وعليه ما عليهم من واجبات، ورضي من الناس مظهر الإيمان فاعتبر أن الدخول إلى المساجد وتكرار ذلك منه علامة على إيمانه فقال:" إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان".

3 ـ طرد الناس من بلادهم وأماكن سكنهم إذا كانوا غير مؤمنين أو غير مسلمين كما حصل مع المسيحيين في العراق وسوريا ومع الأزيديين في العراق أو قتلهم وسبي نسائهم واسترقاق ذراريهم، وهذا أيضاً مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما سار عليه المسلمون خارج جزيرة العرب فلم يخرج النبي أحداً من بلاده إلا من حارب المسلمين أو أعان على قتالهم وحربهم كما فعل اليهود من بني قريظة وبني النضير، وبني القينقاع الذين تآمروا على المسلمين وقاتلوهم وساندوا أعداءهم رغم المعاهدة التي كانت بينهم وبين المسلمين.

4 ـ كما لم يعتد المسلمون على معابد بقية الأمم والأديان ولا على آثار السابقين ولم يدمروها كما تعمل الجماعات الإرهابية والتكفيرية في سوريا والعراق واليمن، حيث تم القضاء على آثار حضارات مرت عبر التاريخ وانقضت، وما بقي من آثارها إنما هو شاهد على وجودها في الزمن ليس إلا، هذا بالإضافة إلى تدمير الآثار الإسلامية والأضرحة والمقامات والزوايا والتكايا الصوفية والمساجد، كل ذلك تحت دعوى محاربة البدع والانحرافات وكأن الأمة ما زالت تعيش أيام عبادة الوثن بينما الحقيقة أن هدف هذه الجماعات هو تصحير الثقافة والتاريخ الإسلاميين والعربيين. وفي هذا أيضاً نقض لدعوة القرآن الكريم للاتعاظ والاعتبار بأحوال السابقين" قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم".

5 ـ  جرائم القتل الجماعي: تستبيح الجماعات الإرهابية التكفيرية قتل الناس جملة من أجل إيقاع الرهبة والرعب في قلوب الخصوم، ودفعهم إلى الهروب من المواجهة والرضوخ والاستسلام لإرادة القتلة ثم الدخول في جماعاتهم وتنفيذ مخططاتهم، لذلك تراهم يعتمدون أسلوب تفخيخ السيارات بالمتفجرات ووضعها في أماكن اكتظاظ الناس المدنيين كالأسواق الشعبية حيث تجد النساء والأطفال أكثر مما تجد فيها من الشباب أو الرجال، وفي المساجد والمعابد والمنتديات والحسينيات، وغيرها من الأماكن، فيقتل جراء إجرامهم هذا الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى التواجد صدفة في الأماكن المستهدفة، ولقد حرّم الإسلام قتل النفس الإنسانية بغير حق ما لم يكن صاحبها قد ارتكب جناية معاقباً عليها بزهق النفس وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن التعرض في الحرب لغير المحاربين سواءً كانوا رجالاً أو نساءً أو أطفالاً أو كهنة أو أصحاب معابد لزموا معابدهم. كما نهى عن التعرض لأملاك الناس من شجر أو حيوان أو أبنية.

السؤال الذي يطرح أين سلوك الجماعات التكفيرية الإرهابية من تعاليم وتوجيهات المصطفى(ص).

في ظل ممارستهم لهذه الأمور الظاهرة والصريحة من أفعالهم التي تتناقض مع الدين الإسلامي وقيمه وأخلاقه فضلاً عن تناقضها مع السلوك الإنساني السوي، مما يدل على أن هذه الجماعات لا تقيم وزناً للدين ولا لقيمه ومبادئه.
captcha