ایکنا

IQNA

رؤية قرآنية في القرآن والفرقان

15:10 - January 04, 2023
رمز الخبر: 3489280
بیروت ـ إکنا: القرآن والفرقان ليسا شيئاً واحداً، فالقرآن جملة الكتاب والفرقان هو المحكم الواجب العمل به، وقد جاء في أدعية المعصومين(ع)، كما في دعاء عرفة عن الإمام الحسين(ع) قوله"ومنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان...".

رؤية قرآنية في القرآن والفرقانوإذا كان الفرقان هو القرآن وجاء السؤال على الشكل الآتي، لماذا اختلفت الروايات وأقاويل العلماء في تفسير معنى الفرقان؟ وهل ثمة إشكالية يمكن أن يجاب عليها لاستيعاب الموقف القرآني في ما أتى عليه من استخدامات لكلا المفردتين في السياق القرآني؟

لا شك في أن السؤال يتضمن إشكالية للبحث؛ وهي اختلاف الروايات وكذلك العلماء في تفسير معنى الفرقان، فالرواية عن أبي عبدالله كما ورد في الكافي عن ابن سنان تفيد أن الفرقان هو جزء من الكتاب وليس جملة الكتاب. فالقرآن والفرقان ليسا شيئاً واحداً، فالقرآن جملة الكتاب والفرقان هو المحكم الواجب العمل به، وقد جاء في أدعية المعصومين(ع)،كما في دعاء عرفة عن الإمام الحسين(ع) قوله:"ومنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان...".

وهكذا نجد أن مرتكز السؤال يدور حول ما إذا كان الفرقان إسماً للقرآن أو جزءا منه يعمل به، وهو المحكم دون المتشابه الذي نؤمن به دون العمل به كما جاء عن كثير من الفقهاء في تعريف المحكم والمتشابه ظناً منهم أن المتشابه هو المبهم الذي لا سبيل لمعرفته! وقد تقدم الكلام منا في معنى المحكم والمتشابه في بحث سابق وعليه فإن حقيقة استيعاب الموقف القرآني في هذه العجالة إنما تكون ممكنة فيما لو علمنا أن استخدام مفردة الفرقان جاءت في سياقات تتحدث عن الأنبياء(ع) ومعجزاتهم التي خصوا بها، وخصوصاً أنبياء الله موسى وهارون ومحمد(عليهم السلام)،حيث نرى التمايز بين إيتاء الكتاب والفرقان لموسى وهارون، وبين إنزال الفرقان وتنزيله على رسول الله محمد(ص)، إذ لم يرد مطلقًا في القرآن أن الله تعالى آتى محمداً الفرقان، ويكفي أن نتدبر في ما جاء به القرآن من تسوية في بداية سورة آل عمران بين التوراة والإنجيل والفرقان، إضافة الى قوله تعالى:"تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا".

ومن هنا، نرى  أن الفرقان هو القرآن وليس جزءًا منه متعلقاً بالحلال والحرام بل هو شامل لكل القرآن لكونه كتابًا محكمًا يجب العمل به جميعًا. فإذا كان معنى الفرقان في اللغة هو أنه يفرق بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، فهذا يجعل منه إسماً لكل القرآن، فهو فارق وحاكم ومبين،كما قال تعالى:"...وبينات من الهدى والفرقان..".فالقرآن مبين لنفسه وقد جعله الله تبياناً لكل شيء، ولعله هذا هو مفاد كلام الإمام الحسين(ع) في دعائه الذي لم يميز فيه بين القرآن والفرقان.

وانطلاقًا من ذلك، نرى أن فرقان محمد(ص) يختلف عن فرقان موسى وهارون،كما قال تعالى:"وآتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون..".فالكتاب هو التوراة، وأما الفرقان فهو المعجزات التي خص بها موسى(ع) لتصديق دعوته وإعلاء كلمته، وقوله تعالى:" لعلكم تهتدون" مفيد لحقيقة المشاهدة من قبل بني إسرائيل وفرعون وقومه، فكان الفرقان مشهوداً ومحسوساً تمامًا كما كان الفرقان مشهودًا لرسول الله(ص) في بدر الكبرى التي سميت بيوم الفرقان، ولكن هذا لا يفيد التسوية بين ما أوتي الأنبياء من فرقان، لعلمنا بأن هناك من الفرقان ما انقضى أمده وزمانه، وهناك من الفرقان ما جعل له الخلود والشهود في كل زمان كما هو شأن وخصوصية فرقان محمد(ص) المعجز الذي تميز بالخلود والشهود معًا، بخلاف ما كان للنبي موسى(ع) الذي لم يكن لفرقانه من الإعجاز ما كان لفرقان محمد(ص)، ويكفي تدليلًا على ما نذهب إليه هو أنه حيث ذكر الفرقان لموسى(ع)، قال تعالى:"لعلكم تهتدون".

وهذا ما يمكن اعتباره قمة في الإعجاز القرآني..فتدبر، وحيث ذكر الكتاب وحده،كما قال تعالى:"ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس"، لم يكن الفرقان مشهودًا لدلالة بصائر للناس، فحيث كان الفرقان مشهودًا قال تعالى "لعلكم تهتدون" وحيث لم يكن مشهوداً اكتفى بذكر الكتاب دون الفرقان.

وهكذا، فإن ما تميز به فرقان محمد(ص) هو أن فرقانه تميز بالخلود والشهود معًا بوصفه فرقاناً لا انقضاء له، وهذا ما أجمع عليه المسلمون قاطبة، أن القرآن هو المعجزة الخالدة والمشهودة دائمًا في التحدي أن يؤتى بمثلها، سواء أكان النبي(ص) حاضراً أم كان غائبًا، وهذا ما لم يكن لأحد من الأنبياء قبل رسول الله(ص)، إذ لم يبق لنا من فرقان الأنبياء إلا ما ذكره لنا القرآن من فرقانهم ومعجزاتهم، ولعله هذا هو مفاد أن يخص الفرقان بالإنزال والتنزيل تمامًا كما خص القرآن دون تفرقة بينهما بخلاف ما خص به فرقان الأنبياء من إيتاء دون الإنزال والتنزيل، هذا فضلاً عما خص به الفرقان من نذارة للعالمين، فجعلت النذارة غاية لتنزيله، وأين فرقان الأنبياء قبل الرسول(ص) من ذلك؟ فكل فرقان لهم كان من خارج كتبهم المنزلة عليهم.

أما فرقان محمد(ص)، فهو قرآنه بكل ما انطوى عليه من أحكام وقصص وبشارة ونذارة، على خلاف ما ذكر من تخصيص للفرقان بالأحكام الشرعية دون سواها، فهذا ما نراه من خصوصية في آيات الفرقان، سواء في قوله تعالى:"أنزل الفرقان" أو في قوله تعالى:"تبارك الذي نزل الفرقان على عبده.."، فكانت للقرآن بما هو فرقان خصوصية الإنزال والتنزيل،كما قال تعالى:"وقرآنًا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلًا..".

في حين كان لسائر الكتب المنزلة الإنزال دون التنزيل، وهذا ما يتطلب مزيداً من البحث لتبيان حقيقة الموقف في ما تختلف فيه المفردات وما يكون لها من دلالة لجهة ما يكون لها من معنى عام أو خاص في السياق القرآني،لأن خصوصية الإنزال تختلف عن خصوصية الإيتاء في الدلالة القرآنية، فإيتاء الفرقان غير إنزاله وكذلك هي غير تنزيله وإن كان جميع الأنبياء(ع) قد خصوا بالإيتاء للكتاب دون الفرقان، كما قال تعالى:"وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ".والسلام.

بقلم الأكاديمي والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية "الدكتور فرح موسى"

captcha