ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

بِالإقْبالِ تُطْرَدُ النُّحُوسُ

15:55 - June 03, 2023
رمز الخبر: 3491415
بيروت ـ اكنا: ومن الناس وهم كثير تراه مهجوساً بالتشاؤم والتطير، لا يقدم على عمل إذا حدث ما يستدعي التشاؤم من وجهة نظهر، وقد تراه قفل راجعا أول النهار إلى بيته لأنه رأى شيئاً يتشاءم منه، ولربما أضاع الكثير من الفرص نتيجة هذا النحو من التفكير، وهو تفكير خطير، وخطير جداً، يسلب الإنسان عقله ووعيه وإرادته ويجعله كريشة في مهب الريح تأخذها أنّى ومتى وكيف شاءت.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "بِالإقْبالِ تُطْرَدُ النُّحُوسُ"

سمعُ من كثير ممن ألتقيهم من المأزومين نفسياً، أو مالياً، أو أسرياً، أو اجتماعياً أنهم منحوسون، أن النَّحس معقود على جبينهم، وبعض آخر منهم يلقي باللائمة على أشخاص (كتبوا له كتيبة) أو عملوا له (سِحراً) وبعض ثالث يعتقد إن جِناً يتلَبَّسه، ورابع يعتقد أن له قَرين سوء من الأبالسة، وخامس لا تراه إلا يائساً يفتقر إلى أدنى درجات الأمل، قد سيطر عليه التفكير السلبي فلا تراه إلا قانطاً لاعِناً الأيام لاعتقاده أنها تعاكسه فيحمِّلها مسؤولية فشله في تحقيق أهدافه. ومن الناس وهم كثير تراه مهجوساً بالتشاؤم والتطير، لا يقدم على عمل إذا حدث ما يستدعي التشاؤم من وجهة نظهر، وقد تراه قفل راجعا أول النهار إلى بيته لأنه رأى شيئاً يتشاءم منه، ولربما أضاع الكثير من الفرص نتيجة هذا النحو من التفكير، وهو تفكير خطير، وخطير جداً، يسلب الإنسان عقله ووعيه وإرادته ويجعله كريشة في مهب الريح تأخذها أنّى ومتى وكيف شاءت.
والحقُّ إن هذا المنطق لا نسمعه من الناجحين الذين يثقون بأنفسهم وقدراتهم ويطورون مهاراتهم، ويواجهون أحداث الحياة وأزماتها بوعي وحِنكة، وينطلقون في دروبها بعزم أكيد وإرادة جادة، وحدهم الفاشلون هم الذين يعتقدون بأن النحس قاعد على أكتافهم وممسك برؤوسهم، فإذا ما فشلوا في أمر من أمورهم يلجؤون إلى أسهل الطرق لتفسير فشلهم، والتَّخَفُّفِ من ثقل المسؤولية أمام ضميرهم وأمام الآخرين، فيلقون باللائمة على النحس وسوء الحَظِّ، لا يبحثون عن الأسباب التي أدّت بهم إلى الفشل، ولا يراجعون حساباتهم، ولا يطوِّرون تفكيرهم ومهاراتهم وأدواتهم وأساليبهم.  
الحقيقة من وجهة نظري والله العالم أن النَّحسَ لا وجود حقيقياً له في الخارج، النحس شعور نفسي ينشأ من زاوية رؤية الشخص لما يحدث معه، ومن طريقة تعامله مع ذلك، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص، فرُبَّ شخصٍ ينظر إلى حدَثِ من زاوية فيراه إيجابياً وفرصة سانحة يسارع إلى اقتناصها، وشخص ينظر إليه من زاوية أخرى فيراه سلبياً، ويخضع له ويفقد القدرة على التفكير فيسيء التعامل معه، وذلك يجرُّ عليه الكثير من الخسائر والمتاعب، فالنحس نوع من التشاؤم يؤدي بالإنسان إلى الشعور بأنه منحوس، ولو أنه دقق في مساره في الحياة لاكتشف الخلل ولو جده في ذاته، أو في ظروف موضوعية خارجية مرَّت عليه ومرَّت على سواه من الناس، لكنه فشل في التعامل معها بينما نجح الآخرون في ذلك.
إن الذي يشهد لما سبق ثلاثة أمور: 
الأمر الأول ما نقله الله لنا من حوار جرى بين أصحاب القرية والمرسلين إذ جاء فيه: "قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿18﴾ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ"﴿19/ يس﴾* إن أصحاب القرية قالوا للمرسلين: إنا تشاءمنا بكم، فإن أصابنا بلاء فبسببكم، فأجابهم الرُّسُل: إن تشاؤمكم معكم، وهو ناتج تفكيركم وعملكم، فما يحدث لكم فبما كسبت أيديكم. فالآية تشهد أن تصور ورود النَّحس عليهم بسبب الرُّسُل وَهْمٌ لا حقيقية واقعية له، إذ النحس ناتج تفكيرهم وعملهم.
الأمر الثاني ما جاء عن الإمام علي الهادي(ع): "أَنَّ رَجُلاً نُكِبَتْ إِصْبَعُهُ، وَتَلَقَّاهُ رَاكِبٌ فَصَدَمَ كَتِفَهُ، وَدَخَلَ فِي زَحْمَةٍ فَخَرَقُوا ثِيَابَهُ، فَقَالَ: كَفَانِيَ اَللَّهُ شَرَّكَ فَمَا أَشْأَمَكَ مِنْ يَوْمٍ!. فَقَالَ أَبُو اَلْحَسَنِ (ع): هَذَا وَأَنْتَ تَغْشَانَا؟! تَرْمِي بِذَنْبِكَ مَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ! ثُمَّ قَالَ: مَا ذَنْبُ اَلْأَيَّامِ حَتَّى صِرْتُمْ تَتَشَأَّمُونَ بِهَا إِذَا جُوزِيتُمْ بِأَعْمَالِكُمْ فِيهَا؟! فَقَالَ اَلرَّجُلُ: أَنَا أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ. فَقَالَ (ع): وَاَللَّهِ مَا يَنْفَعُكُمْ، وَلَكِنَّ اَللَّهَ يُعَاقِبُكُمْ بِذَمِّهَا عَلَى مَا لاَ ذَمَّ عَلَيْهَا فِيهِ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اَللَّهَ هُوَ اَلْمُثِيبُ وَاَلْمُعَاقِبُ وَاَلْمُجَازِي بِالْأَعْمَالِ؟! فَلاَ تَعُدْ وَلاَ تَجْعَلْ لِلْأَيَّامِ صُنْعاً فِي حُكْمِ اَللَّهِ"*. فالإمام (ع) يستنكر بشدة على من ينسب النحوسة إلى الأيام، وكيف يفعل ذلك وهو يتردد على أهل البيت وينتمي إلى مدرستهم، فالأيام ليست مسؤولة عمّا يكون فيها، الأيام والأزمنة ظرف زمني وحسب، الانسان هو المسؤول لأنه هو الفاعل. لذلك لا يصح أن يرمي الأيام بذنبه، فما يحدث له جزاء بعمله. 
الأمر الثالث قول الإمام أمير المؤمنين (ع) "بِالإقْبالِ تُطْرَدُ النُّحُوسُ" فالإقبال يعني أن يُتوجَّه المرء إلى عمله باهتمام وثقة ويقين وأمل، يعني أن يعمل بتفاؤل ورجاء، يعني أن يبتعد عن الخواطر والأفكار السلبية والمخاوف التي لا وجود لها إلا في الذهن، يعني أن يكون واثقاً من نفسه وقدراته، وأن يُعِدَّ للعمل الذي يروم فعله عدَّته المطلوبة، وأن يهيئ أسباب ه اللازمة، وعندئذ سيكون النجاح حليفه بلا شك، وبهذا يكون الإقبال على العمل طارداً للنحس.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

captcha