ایکنا

IQNA

نهضة الحسين (ع)؛ مواقف وقِيَم / 11

إعتراف الأعداء بفضل الامام الحسين(ع)

15:16 - July 30, 2023
رمز الخبر: 3492127
بيروت ـ إکنا: يُسَجَّل للإمام الحُسين (ع) ولمن سبقه وتلاه من الأئمة الأطهار (ع) اعتراف أعدائهم بفضلهم، والفضل ما شَهِدت به الأعداء، وعدم تمكنهم من العثور على خطأ أو مثلبة أو حتى زلة منهم، بل الحق أنهم لم يتمكنوا -رغم استحكام عداوتهم لهم- من أن يخترعوا لهم شيئاً من ذلك.

و"اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أبا عَبْدِاللهِ وَعَلَى الأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ، عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ الله أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ" 

لا يَستَسلِمُ وَاللّهِ حُسَينٌ، إنَّ نَفسا أبِيَّةً لَبَينَ جَنبَيهِ.

صرَّح عُمر بن سعد بهذا التصريح رداً على الشِّمر الذي جاءه بكتاب من عُبَيد الله بن زياد يأمره بأن يأخذ البيعة من الحسين (ع) ليزيد أن يقتله، وكان عمر بن سعد كارهاً لقتال الحسين، موقناً من أن الحسين لا يقبل بالبيعة، ولو كان الثمن أن يقاتل ويُقتل، فكان يحاول أن يصل معه إلى حَلٍ يعفيه من قتاله.

وقد أورد الطبري الحوار الذي جرى بين عمر بن سعد والشمر فكتب قائلا: فَأَقبَلَ شِمرُ بنُ ذِي الجَوشَنِ بِكِتابِ عُبَيدِ اللّهِ بنِ زِيادٍ إلى عُمَرَ بنِ سَعدٍ: فَلَمّا قَدِمَ بِهِ عَلَيهِ فَقَرَأَهُ قالَ لَهُ عُمَرُ: ما لَكَ وَيلَكَ! لا قَرَّبَ اللّهُ دارَكَ، وقَبَّحَ اللّهُ ما قَدِمتَ بِهِ عَلَيَّ! وَاللّهِ إنّي لَأَظُنُّكَ أنتَ ثَنَيتَهُ أن يَقبَلَ ما كَتَبتُ بِهِ إلَيهِ، أفسَدتَ عَلَينا أمراً كُنّا رَجَونا أن يَصلُحَ، لا يَستَسلِمُ -وَاللّهِ-حُسَينٌ، إنَّ نَفسا أبِيَّةً لَبَينَ جَنبَيهِ. 

في هذا النَّصِّ أمور يحسن أن نقف عندها:

أولا: يُسَجَّل للإمام الحُسين (ع) ولمن سبقه وتلاه من الأئمة الأطهار (ع) اعتراف أعدائهم بفضلهم، والفضل ما شَهِدت به الأعداء، وعدم تمكنهم من العثور على خطأ أو مثلبة أو حتى زلة منهم، بل الحق أنهم لم يتمكنوا -رغم استحكام عداوتهم لهم- من أن يخترعوا لهم شيئاً من ذلك. وهذا أمر لا ينكره باحث حتى وإن لم يكن مُنصفاً، فكلهم يجمعون على فضل الأئمة الأطهار، ويصفونهم بصفات كمالية عالية.

ثانياً: إن عمر بن سعد اعترف أكثر من مرَّةٍ بفضل الحسين ونُبله وشجاعته وإبائه وعِزَّة نفسه، ومنها ما جاء في تصريحه أعلاه حيث وصف الحسين (ع) بقوَّة إبائه، وأنه رَجُلٌ أبِيٌّ يترفَّع عن كل ما يُشين نفسه ويجلب العيب إليها، وبالتالي فهو لا يرضى بالذُّل لنفسه، ولما كان في الاستسلام ذُلٌّ وهَوانٌ، فهو لن يستسلم وسيختار القتل.

وقد صرَّح الإمام الحسين (ع) بذلك حيث قال: "ألَا وإنّ الدَعِيَّ ابنَ الدَعِيِّ قدْ رَكَزَ بينَ اثنَتَينِ: بينَ السِّلَّةِ والذِّلَّةِ، وهيهاتَ منّا الذِّلَّةُ، يأبَى اللهُ لَنَا ذلكَ ورَسُولُهُ والمؤمِنونَ، وحُجورٌ طابَتْ وطَهُرتْ، وأُنُوفٌ حَمِيَّةٌ ونُفُوسٌ أبِيَّةٌ مِنْ أنْ نؤْثِرَ طاعَةَ اللِّئامِ على مصارِعِ الكِرَامِ. ألَا وَقَدْ أَعْذَرْتُ وأَنْذَرْتُ، ألَا وإنِّي زاحِفٌ بهذِهِ الأُسرةِ على قلَّةِ العَدَدِ، وكَثرةِ العدُوِّ، وخِذلانِ الناصرِ".

ثالثاً: ما الذي حمل عمر بن سعد عن قيادة جيش عبيد الله بن زياد وتوليه قتال الحسين (ع) وقتله رغم اعترافه بفضله وكرامته؟

لقد ذكر المؤرِّخون السبب الذي حمل عمراً على قتل الحسين (ع). فقد أورد الخوارزميُّ في كتابه مقتل الحسين (ع) قال: أرسَلَ الحُسَينُ (ع) إلَى ابنِ سَعدٍ: إنّي أُريدُ أن أُكَلِّمَكَ فَالقَنِي اللَّيلَةَ بَينَ عَسكَري وعَسكَرِكَ، فَخَرَجَ إلَيهِ عُمَرُ بنُ سَعدٍ في عِشرينَ فارِساً وَالحُسَينُ (ع) في مِثلِ ذلِكَ، ولَمَّا التَقَيا أمَرَ الحُسَينُ (ع) أصحابَهُ، فَتَنَحَّوا عَنهُ، وبَقِيَ مَعَهُ أخوهُ العَبّاسُ (ع)، وَابنُهُ عَلِيٌّ الأَكبَرُ، وأمَرَ ابنُ سَعدٍ أصحابَهُ، فَتَنَحَّوا عَنهُ، وبَقِيَ مَعَهُ ابنُهُ حَفصٌ، وغُلامٌ لَهُ يُقالُ لَهُ لاحِقٌ. 

فَقالَ الحُسَينُ (ع) لِابنِ سَعدٍ: وَيحَكَ! أما تَتَّقِي اللَّهَ الَّذي إلَيهِ مَعادُكَ؟ أتُقاتِلُني وأنَا ابنُ مَن عَلِمتَ يا هذا؟ ذَر هؤُلاءِ القَومَ وكُن مَعي؛ فَإِنَّهُ أقرَبُ لَكَ مِنَ اللَّهِ .

فَقالَ لَهُ عُمَرُ: أخافُ أن تُهدَمَ داري! فَقالَ الحُسَينُ (ع): أنَا أبنيها لَكَ.

فَقالَ عُمَرُ: أخافُ أن تُؤخَذَ ضَيعَتي! فَقالَ الحسين (ع): أنَا أُخلِفُ عَلَيكَ خَيراً مِنها مِن مالي بِالحِجازِ. 

فَقالَ عُمر: لي عِيالٌ أخافُ عَلَيهِم، فَقالَ الحسين (ع): أنَا أضمِنُ سَلامَتَهُم.

قالَ: ثُمَّ سَكَتَ فَلَم يُجِبهُ عَن ذلِكَ، فَانصَرَفَ عَنهُ الحُسَينُ (ع) وهُوَ يَقولُ: ما لَكَ ذَبَحَكَ اللَّهُ عَلى‏ فِراشِكَ سَريعاً عاجِلاً، ولا غَفَرَ لَكَ يَومَ حَشرِكَ ونَشرِكَ! فَوَاللَّهِ، إنّي لَأَرجو أن لا تَأكُلَ مِن بُرِّ العِراقِ إلّا يَسيراً .

فَقالَ لَهُ عُمَرُ: يا أبا عَبدِ اللَّهِ، فِي الشَّعيرِ عِوَضٌ عَنِ البُرِّ! ثُمَّ رَجَعَ عُمَرُ إلى‏ مُعَسكَرِهِ.

إن السبب الذي حمل عُمَراً على قتل الحسين (ع) تافه عند كل رجل أبِيٍّ كريم، وهو سبب دنيوي بحتٌ إذ كان يُمَنِّي نفسه بملك (الرَّيِّ) ومالٍ ومتاعٍ ومزارِعَ، فحمله ذلك على قتل الحسين (ع) ولكن هذا الخبيث لم يعش طويلاً بعد جريمته، إذ لم يطل به العمر أكثر من ثلاث سنين، كما إنه لم ينَل مُبتَغاهُ ولم يتحقَّق له ما رَغِبَ به.

وقد جاء في كتاب تذكرة الخواص عن ابن أبي الدنيا قال: قام عمر بن سعد من عند ابن زياد (بعد رجوعه إلى الكوفة من كربلاء) يريد منزله إلى أهله، وهو يقول في طريقه: ما رجع أحد مِثلَ ما رَجَعتُ، أطعتُ الفاسقَ ابن زياد، الظالمَ ابنَ الفاجِرِ، وعَصَيتُ الحاكِمَ العادِلَ، وقَطعتُ القرابَة الشريفةَ.

وهجَره الناسُ، وكان كُلَّما مرَّ على مَلأٍ من الناسِ أعرَضوا عنه، وكُلَّما دخلَ المسجدَ خرجَ الناسُ مِنهُ، وكُلُّ مَنْ رآهُ قد سَبَّهُ، فَلَزِمَ بيته إلى أن قُتِلَ. 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

captcha