وهو كُلٌّ لايتجزَّأ ومنظومة متماسكة كل فرد من أفرادها في مكانها الملائم، فيجب الأخذ بها جميعاً، ولايصح الأخذ ببعضها دون بعضها الآخر.
ولما كان المُشَرِّع هو الله العليم بالإنسان وبحاجاته المادية والمعنوية، وما ينفعه وما يضره مادياً وروحياً، وكان الإنسان محدود العلم بدليل أنه لم يزل ولا يزل يكتشف كل يوم جديداً ومع كل جديد يتغير تفكيره ويتبدل فهمه لكثير من الأمور، فإن ذلك يُلزم المؤمن بالتسليم للحكم الشرعي، والتسليم لا يعني عدم الفهم بل يجب عليه أن يفهم حكم الله، ويجب عليه أن يحاور الدين ويستوضحه عن أحكامه، ولكنه إن لم يفهم حكماً شرعياً، أو وجد أن الحكم يخالف هواه، فليس له أن يطالب بتغيير الحكم، لأنه إما لا يُدرك علته، أو لأنه يخالف هواه، فعليه أن يعالج هواه.
إذ كيف يؤمن بأن الله خبير حكيم عليم ثم يقبل بعضاً من أحكامه ولا يقبل بعضاً آخر، فالحكيم والخبير والعليم حكيم في هذا البعض وذاك.
إن التدين درجات، فمن الناس من يبلغ الدرجة العليا من الالتزام الديني ومنهم من ينزل درجة وهكذا حتى نصل إلى بعضٍ يقف على الدرجة الأولى أو ما دونها، ودرجات التدين تنشأ من كمية ومقدار معرفة الشخص بالله تعالى، وبدينه ثانياً، وبسيطرته على غرائزه وأهوائه ثالثاً.
بعض المتدينين انتقائيون، ينتقون من التدين ما يعجبهم، ويرفضون ما لايعجبهم، ثم يجعلون من عقلهم هم معياراً للحق والباطل، فمن اتفق معهم فهو على حق، ومن خالفهم فهو على باطل ولو كان عالماً يشهد له العلماء بالعلم، والأخطر من ذلك أنهم يتهكمون على ما لايعجبهم وهذا فعل غير أخلاقي وغير شرعي، ولو أنهم حاوروا العلماء والمتخصصين لتغيرت الكثير من أفكارهم إن كانوا حقاً يطلبون الحق والحقيقة.
هؤلاء يقولون: هذا الحكم لا يقبله عقل. والصحيح أن يقول واحدهم: لا يقبله عقلي، لأن عقله الشخصي محدود، فكم من أمر ينكره ثم يؤمن به بعد أن يعَرِّفه المتخصص على ما كان يجهل منه، والحكم الشرعي لايتصادم مع العقل، ولكن ليس العقل الفردي بل العقل النوعي.
لذلك يوجب العقل على العاقل ألايسارع إلى رفض حكم شرعي ما دام لم يفهمه، ولم يفهم أدلته، وعِلَّته، وأبعاده، والغاية منه، لأنه إن تسرَّع ورفض دون فهم للحكم كان ظالماً لنفسه، وللدين، وللحقيقة. فضلاً عن أنه من الظلم، بل من المعيب أخلاقياً أن يحمل على المرجع الذي يفتي بالحكم، أو العالم الذي ينقله، فهذا لا يكون من شخص يُقَدِّر ذاته ويحترم عقله.
يمكنه أن يسأل، ويناقش، ويحاور، وإن كان من أهل الاختصاص أي مِمَّن يملك القدرة على استنباط الحكم الشرعي من مصادره ووفق القواعد التي قررتها الشريعة فيمكنه أن يرد على الفقيه بردود علمية رصينة، أما إذا لم يكن من الأهل الاختصاص فليس له أن يرد على الفقيه، لا احتراما للحقيقة ولا احتراما للمرجع وحسب، بل احتراما لذاته على الأقل.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: