
والقرآن يدعونا إلى الاستعاذة من كل متكبر،كما قال تعالى:"وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍۢ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ".
فالاستعمار بكل نماذجه القديمة والحديثة دأب على العدوانية وقهر الشعوب بعناوين شتى من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان تمويهًا وتضليلًا اعتقادًا منه أن الدنيا قد قامت له على ساق؛ فأخذ بكل وسيلة لابتغاء حكم الجاهلية، وتثبيت دعائم الصهيونية في بلاد العرب والمسلمين!؟
وهكذا، فإن مقتضى العقلانية في الدين والسياسة أن يعي العرب والمسلمون اليوم حقيقة ما يراد بهم في ظل هذا الاحتشاد الاستعماري الجديد في بلادنا وعلى شواطئنا ليجعل أهل فلسطين مجددًا على برزخ بين الجلاء والفناء، وبين الموت والحياة!
إن الوعي بما يراد بنا يحدونا إلى أن نكون على عقلانية سياسية تتيح لنا استشراف المستقبل، وخصوصًا بعد هذا الاستبداد الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية التي ما برحت تمنع الحق عن أهله، وتعتبر الإرهاب والجريمة دفاعًا عن النفس وسلامًا في الأرض!؟
هناك أيام معدودة تفصلنا عن تحول عالمي تظهر نذره من غزة فلسطين، أمة الإسلام والمسلمين، ومن شأن تداعيات هذا التحول جعل هذا العالم أمام نموذج جديد يختلف جوهريًا عن نمطية الغرب والشرق المعهودة لدينا، بحيث يكون لهذه التداعيات ظهورات جديدة منتظرة بفارغ الصبر وبقوة الحق واليقين بأننا أمام رؤية في الحياة جلية، وجوهرية خطاب في الوجود والظهور علية؛ فاحبسوا الأنفاس أيها الناس، وانتظروا تحولات الوجود في خطاب القدس والنور للفوز بعبق الظهور وإزالة مظالم القرون.
السياسات الغربية
فإذا لم تتعقل السياسات الغربية تعثر مشروعها الاستعماري، فلا بأس من ذر الرماد في عيونها لتعمى عن عالم ملكها كما عميت عن عالم ملكوتها!؟وهنا نسأل،هل من عقلاء في هذا العالم يبادرون إلى إيقاف الجريمة في فلسطين أم أن عالمنا اليوم لا يزال أمام ما عهده من أسباب مادية قاهرة تمنع عنه عقلانية السياسة، ونبل الوسيلة والغاية لدرجة الفناء في الطغيان والعماء!؟
أيام قليلة تفصلنا عن نبوءة الغيب في عالم الشهادة، فإما أن يتعقل الغرب المستعمر، وإما أن يأخذ بنفسه إلى حتفه،ذلك أن خلو العالم من الحكمة لا يوجب على أحرار العالم أن يكونوا على هذيان المصالح وبروق المطامع،بل لا بد من قول الحق وكلمة الفصل في لحظة وجود لا فكاك من قدرها،ولا رهان على خطئها،إذ لا فراغ في هذا العالم فهو مملوء بالتقدير والتدبير الإلهيين،ولا بد أن الله موهن كيد الكافرين،وآخذ بنواصي المعتدين؛كما قال تعالى: "وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ".
المستعمر الغربي
فإذا لم يقلع المستعمر الغربي عن جريمته في فلسطين،ولم يتعقل معنى الحكمة في السياسة، فلن يكون بمنأى عن الخفاء في خطاب الجلاء بحيث يكون له المسح ليس في المشروع وحسب، بل في الوجود أيضًا لما عهدناه من تجارب وتعلمناه من تاريخ نشوء الحضارات وسقوطها!؟إنها أيام قليلة قلما يجود الزمان بمثلها بما لها من وهج الظهور وأسرار العبور إلى حيث تمادى العدوان واستوى الرهان،فما بالنا نسهى عن قوله تعالى:" مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا".
إن عقلانية السياسة إن لم تضبط العالم على إيقاع الحق والعدل والقيم الإنسانية، فلا معنى لأن يتشدّق بها المستعمر كذبًا ونفاقًا! فهذه السياسة معهودة عند من تبصّر بواقعية الحياة وكرامة الإنسان،وقد مر على الإنسانية أن تعايشت بالسياسات الضرورية بحكمة العقل والتعقل دون وحي ولا نبوة،فأصلحت وقدمت دروسًا ونماذج في الحياة والحرية والعدالة!
فإذا لم يستوِ عالمنا اليوم على شيء من الحكمة،فلن يكون آمنًا مطمئنًا،ولا يلبث أن تأخذ به الطاغوتية إلى عقاب السنن الحاكمة على كل تحول بشري إلى يوم القيامة!،فمن يكون هؤلاء الذين ظلموا وأفسدوا حتى تكون لهم قاهرية الوجود،وحاكمية العباد والبلاد متى شاؤوا وحيث أرادوا،وقد قال تعالى:"فسيعلمون من هو شر مكانًا وأضعف جندا..".والسلام عليكم.
بقلم الأكاديمي والباحث اللبناني في الشؤون الاجتماعية "د. فرح موسى"
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: