وتُعدّ الفلسفة اختصاصاً مشوقاً، كما أنها ممارسة يوميّة من شأنها أن تحدث تحوّلاً في المجتمعات. وتحث الفلسفة على إقامة حوار الثقافات إذ تجعلنا نكتشف تنوع التيارات الفكرية في العالم. وتساعد الفلسفة على بناء مجتمعات قائمة على مزيد من التسامح والاحترام من خلال الحثّ على إعمال الفكر ومناقشة الآراء بعقلانية. ومن وجهة نظر اليونسكو، تعدّ الفلسفة كذلك وسيلةً لتحرير القدرات الإبداعية الكامنة لدى البشرية من خلال إبراز أفكار جديدة. وتُنشئ الفلسفة الظروف الفكرية المؤاتية لتحقيق التغيير والتنمية المستدامة وإحلال السلام.

ويذهب بعض المفكرين إلى الإهتمام بعلاقة علم الفقة خاصة فقه المعاملات بعلم الأخلاق، وكذلك في الآداب بالسير والسلوك. وأن الأخلاق هي الناحية العملية من الفلسفة أو الحكمة العملية. وفيها تتحدد فضائل النفس الإنسانية الأساسية وهي الحكمة والعدالة والشجاعة والعفة، واذا كانت الفلسفة والشرع يتفقان على تعداد هذه الفضائل في النفس الإنسانية فإن فلاسفة الأخلاق في الإسلام اعتنوا بمبحث الفعل وأن الأخلاق كما يذكر "ابن مسكويه" أن الأخلاق هي أفضل الصناعات وهي تعاني بالفعل الإنساني وتعنى بتجويد أفعال الإنسان بما هو الانسان الذي لابدّ من احترام ارادته وحريته.
وأضاف البروفيسور "طراد" أن الفلاسفة ناقشوا هذه المسألة منذ المعلم الأول أرسطو الذي ميّز بين الفعل الذي يتم اختياره بحرية وذلك الذي يتم الضغط وذلك في رسالته الى "نيقوماخوس" وتحصل في تكوين تحليل الفعل الإنساني أنه الفعل الإنساني بسيط في مباشرته وعفويته وترجمته العملية الا انه مركب ومعقد من حيث تفاعل العناصر والشروط والعوامل المؤسسة له، وقد تطور والحال أننا لانستطيع أن نماهي الكينونة بالفعل الإنساني، فالايمان بمثال بفعل واجب يفرض نفسه أحياناً على الإنسان بنفس قوة الإيمان بالقوانين الطبيعية، وقد لانحتاج إلى تتبع نظريات الأخلاق في الفلسفة منذ مرحلتها اليونانية وارتكازها مع أفلاطون وأرسطو إلى مفهوم تحصيل السعادة مروراً بأهمية تحصيل اللذة في "الابيقورية" الى الأخلاق النفعية التي تخلط بين اللذة التي هي قيمة مادية وبيولوجية وبين السعادة التي هي قيمة اخلاقية والى مفهوم غيو(guyau).
وتابع البروفيسور "طراد" كلامه أن الإنسان يميل من غير حساب منافع ولاغيرية مزيفة الى الأعمال الفاضلة التي تهدف الى احترام الغير والتضحية من أجلهم وهي هنا أخلاقية عفوية ناتجة من اتجاهات الطبيعة من دون الزام خارجي ومن دون تبعات مفروضة على شكل ثواب وعقاب، وأنها حالة أصيلة في الطبيعة الإنسانية ومفهوم اخلاق الواجب أخذ اهتمام الفلاسفة المسلمين المعاصرين. وفي كتابي "مباحث في الفلسفة الاسلامية المعاصرة" دراسة مقارنة في الأخلاق بين كانت والشهيد "مرتضى مطهري" العودة اليها تظهر النقد البناء الذي أسسه الشهيد "مطهري" في إدخال فلسفة الأخلاق في مناقشة انتاج الفلسفات المادية في الغرب ومعروف أن الواجب الاخلاقي عند كانت الزام مطلق وان الخبر ليس شيئاً تتملكه أو نحصل عليه من خلال فعل الواجب بل هو الواجب ذاته أو الارادة الخيرة المتطابقة مع النية الاخلاقية.
وأضاف أن عالمنا المعاصر يعاني على صعيد الأخلاق من مشكلات عدة، وقد تكشف عنها ميول السيطرة والاستغلال والاستبداد والفساد والحروب والفقر واستغلال الطبيعة وانتاج الامراض عالم يسوده الظلم والجور وأضيف اليه الانحراف الاخلاقي في دعوات مستغربة عجيبة تتعلق بالجندر والشذوذ الجنسي والاعلام المضلل والتحريف والارهاب والافساد في الارض.
وصرح أستاذ الفلسفة والتصوف في الجامعة اللبنانية أن العالم يحتاج الى اصلاح، والسمكة تفسد من رأسها لابد من اصلاح رأس النظام العالمي لتسود فلسفة الخير الذي هو وجود محض وتسقط الشر الذي هو عدم محض ما شم رائحة الوجود. اصلاح نظام العالم يبدأ باصلاح الذات والكيان الانساني والعلاقات بين الله والإنسان وبين الإنسان وأخيه في الإنسانية وفي الدين وفي إدارة شؤون هذا العالم.
وأوضح أن هذا تلزمه إرادة خيرة وشجاعة وعمل متواصل في نشر فلسفة الأخلاق والخير، كما تنزلت في الوحي وقبلها العقل اخلاق الشرع واخلاق الواجب وصناعة السعادة الانسانية، ويقول "جلال الدين الرومي" اذا نظرت الى المرآة ورأيت قبح وجهك أصلح وجهك ولا تكسر المرآة.
مكانة الفلسفة في الإسلام ودورها في التكوين الحضاري
وعن مكانة الفلسفة في الإسلام ودورها في التكوين الحضاري، قال البروفيسور "طراد حمادة": "فعل الفلسفة ليس شيئاً أكثر من النظر في الموجودات واعتبارها من حيث دلالتها على الصانع يضعنا هذا التعريف للفلسفة عند القاضي القرطبي "أبو الوليد بن رشد" في إشكالية معنى الفلسفة إذ ليس في وسع المرء أن يشرع في البحث عن الفلسفة ما لم يكن قد سبق له الالتقاء بها أو العثور عليها، وفي التعريف "الرشدي" وجه التشابك بين الوعي الفلسفي والوعي الديني وهو يلتقي في حده الأول مع التعريف اليوناني من سقراط إلى أفلاطون وأرسطو وفي حده الآخر يشير بوضوح إلى ارتباط غابة الفلسفة في الله ومهنها ان واقع الفلسفة نشأ في جانب منه عن الدين في مباحث الآلهيات في المعنى الأعم والأخص ويقودنا ذلك إلى خصوصية هامة في الفلسفة الإسلامية هي ترابط الفلسفة والدين ترابطاً وتنازعاً".
الإرهاصات الأولى للتفكير الفلسفي في الإسلام تعمد إلى تدبر آيات القرآن
وتعمد الإرهاصات الأولى للتفكير الفلسفي في الإسلام إلى تدبر آيات القرآن الكريم على حثّ النظر في الوجود، ولذلك تعود الفلسفة الإسلامية إلى البواكير الكلامية للفلسفة وكان علم الكلام بإعتباره قائماً على نقيض الإفتراضات "الأرسطوطاليسية"، والفلاسفة المسلمين يهتمون بمباحث الالهيات ومع ذلك فقد اضافت الفلسفة الإسلامية مسائل جديدة على الفلسفة اليونانية.
ونقل المسلمون فلسفة اليونان الى الغرب الاوروبي، ونشأت مدارس فلسفية عدة مثل "المشائين" و"الاشراقية"، و"الحكمة المتعالية"، وكذلك نشأت الحركات الصوفية في الصف الفلسفي ونشأ العرفان في التصوف، وعليه نجد فعالية كبرى للفلسفة الإسلامية في العالم الإسلامي وفي تاريخ الفلسفة بشكل عام.
الفلسفة الاسلامية تستعيد مكانتها المرموقة في الدراسات الإسلامية المعاصرة
وأشار البروفيسور "حمادة" الى أن الفلسفة الاسلامية تستعيد مكانتها المرموقة في الدراسات الإسلامية المعاصرة وتشهد إقبالاً مميزاً للشباب من طلاب الجامعات والحوزات العلمية على دراسة الفلسفة والإشتغال في موضوعاتها، كما يمكن ملاحظة انفتاح الاوساط الإسلامية على دراسة الفلسفة وتدريسها وكذلك إهتمام المثقفين على إختلاف نزعاتهم بشؤون الفلسفة وإعادة قراءتها من القراءة النقدية إلى تحقيق النصوص إلى انتاج نصوص إبداعية في موضوعات الفلسفة المعاصرة.
وفي الحقيقة تجد الفلسفة نصرةً وإنتاجاً مبدعاً في الحواضر الشيعية خاصةً في إيران وقد ازدهرت مباحث الصدرائية الجديدة للحكمة المتعالية والعرفان النظري وكذلك مباحث علم الكلام الجديد، وموضوعات التحديد الفلسفي ودور الحوزات العلمية في نصرة الفلسفة، وهذه مسألة تستحق بحثاً مستقلاً.
هذا ويذكر أن "طراد كنج حمادة (من مواليد الهرمل سنة 1948 للميلاد)"، سياسي لبناني مقرب من حزب الله اللبناني. تلقى دروسه الابتدائية في الهرمل والثانوية في الحكمة الأشرفية في بيروت ودرس الفلسفة في الجامعة اللبنانية. حصل على شهادة الدكتوراة في الفلسفة من جامعة السوربون بفرنسا، ونال رتبة أستاذ(ربروفسور) عام 2008 في الجامعة اللبنانية، كما هو أستاذ مشرف في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية وغيرها، وقد أشرف على أكثر من 100 أطروحة ورسالة جامعية في الجامعة اللبنانية وغيرها.
عمل أستاذاً في التعليم الثانوي وأستاذاً محاضراً في الجامعة اللبنانية وفي جامعة آزاد الإسلامية في بيروت. في 19 أبريل 2005 عيّن وزيراً للزراعة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بعهد الرئيس إميل لحود. وعين في 19 يوليو 2005 وزيراً للعمل في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بعهد الرئيس إميل لحود ممثلاً لحزب الله، وبقي في منصبه إلى 11 نوفمبر 2006 تاريخ استقالته مع صحبة الوزراء الشيعة الآخرين.
له عدة مقالات في الصحف العربية وعدة كتب في الفلسفة والأدب والشعر نذكر منها: "فنطاسيا ـ الاسفار المكية ـ قمة الرجال العشرة ـ مشهد البحر ـ أجنحة الاشواق ـ تسبيح الروح ـ أسرار الحكمة والعرفان في شعر الامام الخميني(رض) ـ ابن رشد في كتاب فصل المقال ـ تحديات الإصلاح والتنمية ـ أعلام الفكر في الإسلام. متأهل من ديبة فهمي علو، ولهما سبعة أولاد.
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: