ایکنا

IQNA

طوفان الأقصى ومنهج كربلاء

12:24 - January 28, 2024
رمز الخبر: 3494380
بيروت ـ إکنا: إن الناس يعلمون أن الإمام الحسين(ع) لم يكن مجرد ثائر في التاريخ، وإنما هو أنموذج ونبراس ومصباح هداية، فالإسلام، كما يعلم أهل العلم احتاج إلى الثورة الحسينية بعدما تعرض في وجوده ومبادئه إلى الخطر.

ويسأل بعض الحيارى في الدين والسياسة عن جدوى الحرب إن كان من مؤدياتها ونتائجها أن يموت الناس ويشردون في أرضهم دون ماء أو غذاء أو دواء أليس هذا من موارد إلقاء النفس في التهلكة!؟

وكيف لنا أن نقوّم حرب غزة فلسطين في ضوء ما آلت إليه من نتائج بعدما ترك الشعب الفلسطيني لقدره في مواجهة العدوان دون ناصر أو معين؟

لا شك في أن تاريخ الإسلام، وقبله ما جاء به رسل السماء، يمكن أن يقدّم لنا إجابة واضحة وصريحة تجعلنا أمام فهم حقيقي لمقتضيات الواقع المعاش  من حيث القدرات والظروف المحيطة والمحبطة للشعب الفلسطيني، سواء لجهة المواقف العربية والدولية أو لجهة الانقسامات  في الموقف الديني والمذهبي.

فالسؤال عن الجدوى والنتائج له في تاريخنا الإسلامي من الشواهد والمشاهد ما يُغني ويريح ضمائر المتعبين والمترهلين ممن يتساءلون عن جدوى الحرب ونتائجها المفجعة؛ وخصوصاً إذا ما تدّبر هؤلاء في ما حصل من ثورات إسلامية في تاريخنا؛ فهذه ثورة كربلاء التي اشتغل في تقويم نتائجها كل أهل العلم، قديماً وحديثاً،وكانت مثار جدل ديني وتاريخي لم يبارح مخيلة العلماء في السؤال عن جدواها، إذ لم يتنبه الكثيرون إلى ما تقتضيه حقيقة الدين حينما يصبح في خطر داهم  على الوجود والهوية، فضلاً عن الأصول والفروع، فجاءت التساؤلات الكثيرة لتضفي شيئاً من الالتباس على حقيقة الثورة وأهلها!؟
 
فهذه الثورة،كما نعلم، قدّمت لنا دروساً من رحم الدين الحقيقي نظراً لما أحدثته من تحولات في الدين والسياسة والإصلاح، فهي لم تكن إلقاءً للنفس في التهلكة،كما لم تكن طمعاً في حطام الدنيا، بل كانت تعبيراً عن حقائق الدين وثوابته، وحرصاً على المصالح والأهداف لأمة ابتليت بواقع مرير، وظروف قاهرة استدعت هذاالعمل الجهادي ممن هم أحق بالتغيير والإصلاح من غيرهم، فجاءت الثورة لتجيب على أسئلة كثيرة من وحي الدين والسياسة والظروف والمعطيات.

فالناس يعلمون أن الإمام الحسين(ع) لم يكن مجرد ثائر في التاريخ، وإنما هو أنموذج ونبراس ومصباح هداية،كما وصفه رسول الله(ص)، فلايعقل أن تصدر منه الأفعال بما يؤدي إلى خلاف المصالح والأهداف النبيلة، ولهذا لا يمكن اعتبار ثورته مجرد فعل في التاريخ أو تجربة تحفظ ولاتقاس كما زعم  بعض المتفلسفة ممن لم تغنهم التجارب!

فالإسلام،كما يعلم أهل العلم والتحقيق احتاج إلى هذه الثورة الحسينية بعدما تعرض في وجوده ومبادئه إلى الخطر؛ فجاءت الثورة لحماية الإسلام ولتمنع من التحريف وسوء التأويل، ولتحول دون إعطاء الشرعية للمفسدين على رأس الدولة والأمة معاً، وهذا كله اقتضى أن يقدّم الإمام الحسين(ع) نفسه وعياله وأصحابه وكل شيء في حياته لحماية الدين والأمة معاً.

وقد علم الإمام(ع) أن أحداً من الناس لا يمكنه تحقيق ذلك ما لم يكن متجذراً في الدين، ومنتمياً إليه، وله من ذلك ما يُسوغ  الثورة على الفساد والمفسدين؛ فكانت للإمام الحسين(ع) ميزة وحقيقة هذا الانتماء،فعبر عما تقتضيه الرؤية الدينية والمرحلة التاريخية، وهذا ما كان ليقبل من سواه،لأنه في مقاييس أهل الدنيا وسياسات الأمر الواقع يعتبر إلقاءً للنفس في التهلكة وعملًا متهوراً،وقد طالعتنا بذلك الكثير من النصوص التاريخية لأهل الفرق والمذاهب الإسلامية،آخذةً على الإمام(ع) في ثورته قياساً منها على ما جرى مع أخيه الإمام الحسن(ع) في صلحه دون لحاظ لتحولات الواقع وظروفه ومستجداته، فالمهم عند هذه الفرق أن يبقى الدين تعبيراً عن الواقع وليس صانعاً له!؟
 
إن غزة فلسطين اليوم، بأهلها وقادتها، وجدت نفسها أمام خطر وجودي داهم في الدين والأرض والوجود،وكذلك في القدس والقداسة،فأخذت من تاريخ الإسلام ما يعضدها في خياراتها المحقة للدفاع عن نفسها ووجودها واختارت أن يكون لها هذا الطوفان المقدس في الثورة على الظلم، فأهل غزة لم يكونوا أمام خيارات متعددة لتحقيق التناسب بين الفعل ونتائجه، بل كانوا أمام خيار واحد أوحد هو الطوفان قبل أن يجدوا أنفسهم أمام واقع مرير من الهجرة والقتل والتهويد والتطبيع، فكان الطوفان تعبيراً عن ضرورة وجودية في الدين والدنيا.

أما أن يقال إن أهل فلسطين تركوا لقدرهم، فهذا مما لا يمكن الأخذ به والتسليم له، لأن الخط (والمنهج) الكربلائي المقاوم لم يترك  أهل فلسطين لمصيرهم، بل امتد مع الطوفان بكل وجوده وحضوره للنصرة والعون، ذلك أنه من معاني كربلاء في الدين والتاريخ أن تحسب الأحداث والتحولات في موازينها الدينية والإنسانية بمعزل عن الظروف والمعطيات.

فإذا كان لابد من الثورة والطوفان بموازين الدين وحقائق الوجود، فليكن ذلك آتياً في سياق وعي شامل لحقائق الدين وثوابته، وقد تجلى هذا الوعي بما أبداه الشعب الفلسطيني من وعي وصبر على مكاره الحرب بكل ما آلت إليه من خسارات على مستوى المادة ومظاهر الحياة،طالما أن التضحيات والفداء من مؤدياتها حماية الوجود وكسب نتائج الحرب،لأن النصر الإلهي  محقق لكل من اختاره بصدق  في معترك الحياة.
 
لقد وجد أهل فلسطين في تاريخ الإسلام، وقبله في أديان السماء ما يعضد طوفانهم ودفاعهم المقدس، فكانت الكربلائية بكل تمظهراتها الواقعية منهجاً وسبيلاً لقهر العدوان وتثبيت الحق ومنع التهويد للأرض والمقدسات، وقبل ذلك كله لتأكيد الحضور والوجود على مسرح التحولات العالمية لنصرة فلسطين رغم أنوف المطبعين والمتآمرين من أهل الملة والدين!

فكربلاء كانت وستبقى منهجاً للتأسيس على ثوابت الدين وحقائقه، وكم كانت المهلكة عظيمةً لو أن أهل غزة وفلسطين  لم يختاروا منهج كربلاء على مذبح القدس والقداسة؟

وليعلم أهل فلسطين أن الذين يلومونهم ويأخذون عليهم في فعلة الطوفان هم الطواغيت ممن طبعوا مع العدو،تماماً كما حصلت الملامة على كربلاء من أولئك الذين طبعوا مع النظام الأموي لطلب الفوز بالحياة على حساب الدين والقداسة! إنه طوفان القدس وفلسطين الذي له هذا المعنى في امتداد كربلاء الحق، وليحذر أهل فلسطين أن تكون لهم برودة الموقف في استحضار حقائق الدين من التجارب الناصعة للإسلام والمسلمين.والسلام.
 
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية د. فرح موسى
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha