ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

قدرة الله وعظمته في خلق الليل والنهار

19:30 - February 04, 2024
رمز الخبر: 3494479
بيروت ـ إکنا: إنّ في اختلاف الليل والنهار تناوباً وانسلاخاً ينسلخ أحدهما من الآخر، وطولاً وقصراً على مدار العام، بل على مدار الحياة الكونية، في ذلك كله آية القدرة والحق.
قدرة الله وعظمته في خلق الليل والنهارورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "عَجِبْتُ لِمَنْ يَشُكُّ فِي اللّهِ وهُوَ يَرى خَلْقَهُ".
 
ويعجَب الإمام أمير المؤمنين (ع) من ذي العينين يشاهد بهما عجائب الخلق والتكوين، يرى خلقاً بديعاً لم يسبقه خلق آخر، جميلاً لا قبح فيه، كاملاً لا نقص فيه، مُتقَناً لا خلل فيه، متناسِقاً لا تنافر بين أجزائه، متخادماً يخدم كل جزء منه أجزاءه الأخرى مباشرة أو بالواسطة، هادفاً لا شيء منه خُلِق من دون غاية، ثم يُنكِر وجود الله تعالى، ينكر أعظم حقيقة وجودية، بل ينكر وجوده هو، يرى وينكر أنه يرى، ويسمع وينكر أنه يسمع.


العجَب كل العجَب مِمَّن يعيش الحياة ببدن وروح، بدن كامل، جميل، متناسق، صُنِع بطريقة عجيبة، كل عضو من أعضائه له حجمه المناسب، وموقعه المناسب، ودوره المناسب، يتعاون مع بقية الأعضاء وفق نظام دقيق عجيب، وفي البدن روح تهبه الطاقة والحياة، وفيه قلب يعمل دون كَلَل، ينام البدن ولا يتوقف عن النبض، يدأب في تأدية دوره منذ الأيام الأولى لِتَكَوّن البدن في رحم الأم، ويستمر على نبضه حتى يموت البدن، فأي جاهل يعتقد أن هذا البدن قد وُجِد من غير خالقٍ حكيم عليهم خبير؟!

والعَجَب كل العَجَب مِمَّن يغوص في البدن أكثر فيرى في كل عضو من أعضائه غرائب وعجائب لم يزل علماء التشريح يكتشفون مزيداً من أسرارها مع الأيام، فيُدهِشُهم ما يجدون ويكتشفون!!

ولا أدعوه إلى الغَوص في البدن فذلك لا يُتاح إلا للمتخصصين في التشريح، بل أدعوه إلى النظر إلى ما يظهر من بدنه ويفكر فيه، أدعوه إلى التأمل في راحة كَفِّه فقط، تحتوي على أصابع مختلفة الطول، تنقبض وتنبسط، تتيح له أن يمسك بشيء أو بأشياء، فمن تراه يعتقد أنها وُجِدَت هكذا من تِلقاء نفسها دون غاية؟! ولماذا نرى البشر خُلِقوا على هذا الشكل الذي أتاح لهم أن يبدعوا ويتطوروا، ويقوموا بما تعجز بقية المخلوقات عن القيام به، أليس وراء هذا خالق مُبدعٌ حكيم؟!      

وحده الجاهل الذي ينكر أن يكون الكون وما فيه قد وجِد من دون مُوجِد، ووحده العاقل الذي يؤمن أن الكون وما يحويه من عجائب التكوين والتنظيم ما هو إلا أثر لمُؤَثِّر عاقل حكيم قادر خبير.

لأن العقل يحكم باستحالة أن يكون أثَرٌ دون مؤَثِّر، ووجود دون موجد، وهذا أمر متسالم عليه بين عموم الناس، بل حتى الجاهل إذا سَمِع صوتاً يسأل عن سبب الصوت، وإذا وجد كوباً محطَّماً يسأل عمن حُطَّمه، وإذا وجد شخصاً مقتولاً يبحث عمَّن قتله، لأنه يعتقد بوجدانه أن ما من حدَثٍ إلا وله سبب أحدثه، وإذا وجد لوحة فَنِّيَّة بديعة يسأل عَمَّن رسمها، ويصف الذي رسمها بالفنان المُبدِع، فهل يُعقَلُ أن يوجد هذا الكون المترامي الأطراف من غير خالق حكيم قادر؟!

يحدثنا الله تعالى عن قراءة أولي الألباب -وهم أرباب العقول الصافية اليَقِظَة الواعية-للكون، والكون كتابٌ منشور يُقْرأ، وصفحاته لا تفتأ تُقلب، وفي كل صفحة جديد من عالم وقوانين، والكون ينطق بغير لسان، وكل جزء من أجزائه يوحي ويُلهم كل ذي لُبٍّ، يقول الله تعالى: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ"﴿آل عمران/ 190﴾ أولوا الألباب يتلقون إيحاءات الكون ورسائله وكلها تنطق بعظمة من خلقه وأبدعه، وتستجيش في الفطرة السليمة إحساساً صادقاً بالحَقِّ المستقر فيه، وإنهم ليقفون موقف الدهشة من عظمته وعظمة من أبدعه وأظهره للوجود، ينظرون بأبصارهم، ويفتحون بصائرهم لتلقي إيحاءات هذا الخلق العجيب.

إنَّ في السماوات والأرض مشاهد ومشاهد، هذا فيما نراه، وما لا نراه أعظم وأعظم، ووراء كل ذلك خالق حكيم، وعقل يدبر، وربُ رحيم، ولا يمكن أن يكون كل ذلك جزافاً ولا باطلاً.

وإنّ في اختلاف الليل والنهار تناوباً وانسلاخاً ينسلخ أحدهما من الآخر، وطولاً وقصراً على مدار العام، بل على مدار الحياة الكونية، في ذلك كله آية القدرة والحق. وفي ذلك كله براهين لا يبقى معها شَكٌ في وجود الله وخالقيته ورحمته وتدبيره.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha