ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

عِنْدَ زَوالِ النِّعَمِ يَتَبَيَّنُ الصَّديقُ مِنَ الْعَدُوِّ

0:06 - February 13, 2024
رمز الخبر: 3494579
بيروت ـ إکنا: معظم الناس يُقبلون على من أقبلت عليه النِّعَم واتسعت عليه الأرزاق إلا من رَحِمه الله وشمله بلطفه وعنايته وأودع في نفسه الوفاء والإخلاص والحَمِيَّة الكريمة والإباء.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "عِنْدَ زَوالِ النِّعَمِ يَتَبَيَّنُ الصَّديقُ مِنَ الْعَدُوِّ".
 
هكذا هم معظم الناس إلا من رَحِمه الله وشمله بلطفه وعنايته وأودع في نفسه الوفاء والإخلاص والحَمِيَّة الكريمة والإباء، معظمهم يُقبلون على من أقبلت عليه النِّعَم واتسعت عليه الأرزاق، وكانت له مكانة اجتماعية أو وظيفية أو سياسية، يهتفون باسمه صباحاً ومساءً، ويتقرَّبون إليه بأنواع القُرُبات، ويتملقون إليه تمَلُّقَ العبيد لِسَيِّدهم، ويقومون على خدمته، حتى إنه من كثرة إقبالهم عليه ليشعر أنه ملك الأرض والسماء، وأن الدنيا قد أتته راغِمَة، وأنه مَلَك القلوب.

ولكن أهل الوَفاء قليل، فما إن يَقِلَّ ما في يده، أو يفتقر، أو تزول النعمة عنه إلى غيره، أو يترك وظيفته، أو يخسر موقعه السياسي، أو تعصف به أزمة اجتماعية أو سياسية، فإذا بهؤلاء جميعاً الذين كانوا يُطربونه بالثناء والمدح والحمد، ويشَنِّفون سَمعَه بما طاب من الكلام، ويتزلفون إليه بالاحترام والتبجيل، إذا بهؤلاء أنفسهم ينفَضّون عنه انفضاضهم عن المُبتلى بالمرض المُعدي، وإذا بمنزله الذي كان يعُجُّ بالضيوف لا تسمع فيه همساً، وإذا بالأصدقاء الذين كانوا يسامرونه في لَيله يَنسونَه ، وإذا حمَلته نفسه على الاتصال بواحد منهم لا يجيبه، وإذا قصد منزله لا يفتح له باباً، وإذا سأله حاجة لم يُلَبِّه. 

ما أكثر ما أعرف من الأشخاص الذين كانت دورهم لا تتسع للوافدين والزائرين والطّاعِمين على موائدهم، فلما تبدَّلت أحوالهم إذا بهم يعيشون وحدة قاتلة، ووحشة مُرعبة، يبحثون عن شخص واحد يُخَفِّفُ عنهم فلا يجدوه. وما أكثر ما أعرف من أشخاص كانوا في مواقع السلطة وكان الناس يهتفون باسمهم ويقفون إجلالاً لهم، فلما ذهبت السلطة من أيديهم إذا بهم لا يعبؤون بهم، حضورهم فيهم كعدمه.
 
هذه الظاهرة الاجتماعية خطيرة، ظاهرة فيها الكثير من النفاق، وإذا أحسنا الظن قلنا: الناس من طبعهم يُقبِلون على القَوي القادر، ويحترمون مقامه، ويصير فيهم ذا رأيٍ، ويتجنَّبون الضعيف العاجز، والفقير المُسغِب، إن ناداهم لم يجيبوه، وإن استنصرهم لا ينصروه، وإن استعان بهم لم يعينوه، وإن حَدَّثهم لم يُصَدِّقوه، وإن قال برأيٍ ولو كان صحيحاً ومفيداً لم يسمعوه، وإن نطق بحكمة سَخِروا منه وأعرضوا عنه وتجاهلوه.

والناس قارئي الكريم يُقبلون عليك ما أقبلت دنياك، وينفَضّون عنك ما قل ما في يدك، فهم أوفياء للنعمة التي في يديك، وللمنزلة الاجتماعية والسياسية التي لك، وليسوا أوفياء لشخصك ولا أوفياء حتى لِعلمك، ومثل هؤلاء إن لم تختبرهم فستخبرك الأيام بشأنهم، وستُعَرِّفك على حقيقة أمرهم، والنِّعَم هي الفيصل والكاشف، وجودها وزوالها يكشف لك الصديق الوَفيّ من العدو الشَّقي، فمن بقي معك حين تزول فهو الصديق الوفي، والمحُب المخلص، ومن انفضَّ عنك حين تزول فهو العدو، فإذا أعاد الله لك الدولة والعِزَّ والنِّعمة فاحذره، لأنه سيتقرَّب إليك تارة أخرى بعد انقطاع وابتعاد، وسيُطريك بكلامه المعسول بعد أن أمسك لسانه عن الدفاع عنك حين احتجت إليه في مُلِمّاتك. 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha