إن الآيات القرآنية التي تأمر بالإحسان إلى الوالدين لا تشترط شيئاً بل تأمر بالإحسان المطلق بينما الآيات التي تأمر بطاعة الوالدين تشترط شرطاً واحداً وهو أن لا تؤدي طاعة الوالدين إلى الشرك بالله.
وجاء ذلك في الآية الخامسة عشرة من سورة لقمان المباركة "وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ".
وتفيد عبارة " وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي" في الآية المباركة بأن طاعة الوالدين ليست مطلقة بل لها شرط، أي إذا أعطى الوالدان تعليمات مفيدة أو مباحة فلا بدّ من اتباعهما، أما إذا حاولا دعوة أبناء هما إلى غير الله فلا ينبغي طاعتهم.
كما أن عبارة "أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا" تدلّ على أن الشرك ليس له أي أساس منطقي أو علمي؛ لأنه لا يوجد شيء من هذا القبيل على الإطلاق وهو مستحيل منطقياً كما تدلّ هذه الآية على أن التقليد الأعمى محرم في كل شيء، أي أنه مع أن الولد ملزم بشكر الوالدين، لكن إذا طلب منه الوالدان شيئاً خارجاً عن نظامه في العلم والمعرفة فلا ينبغي له أن يتبعهما.
وعبارة " فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا " تفيد بأن مبدأ التوحيد مقدّم على كل شيء وبالتالي لا يجوز طاعة الوالدين في الشرك بالله ورغم أمر القرآن الكريم بعدم الطاعة فإن الإحسان أمر مطلق ثابت.
فكلما حرمنا القرآن الكريم من نموذج، أبدله بنموذج آخر مناسب، وقوله تعالى "وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ" يدلّ على أنه لا ينبغي لنا في السلوك والعمل إلا أن نقتدي بالمؤمنين من العلماء والشهداء.
ويذكّرنا الله تعالى في نهاية الآية 15 من سورة "لقمان" القرآنية مرة أخرى بالإيمان بالمعاد؛ لأن الإيمان بالحياة الأبدية يضمّن إصلاح الأمور وطاعة الإنسان لله عز وجل.