ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

في مظالم العباد احتقاب الآثام

20:00 - March 05, 2024
رمز الخبر: 3494850
بيروت ـ إکنا: إن الظلم يُخرِبُ الدنيا ويُخْرِبُ الآخرة، فما من أمر يسيء إلى الحياة مثل الظلم، ولذلك قد يغفر الله كل شيء إلا الظلم لخلقه وعباده فلا يغفره.

ورُوِيَ عن الإمام علِيّ (ع) أنه قال: "في مَظالِمِ الْعِبادِ احْتِقابُ الآثامِ".
 
أسوأ الأعمال الظلم، وأسوأ الأحوال الظلم، وأسوأ ما يلقى المرء به الله الظلم، وأسوأ وزر يثقل كاهله في الدنيا والآخرة الظلم، الظلم يُخرِبُ الدنيا ويُخْرِبُ الآخرة، فما من أمر يسيء إلى الحياة مثل الظلم، ولذلك قد يغفر الله كل شيء إلا الظلم لخلقه وعباده فلا يغفره، بل يقتَصُّ للمظلوم حقه من ظالمه عاجِلاً في الدنيا وآجلاً في الآخرة، وإن أمكنه تَجَنُّب القِصاص في الدنيا فلن يمكنه تَجَنّبه في الآخرة.


فهناك يقف المظلوم لظالمه بالمرصاد، فلا يجوز الظالم على الصراط إلا بعد أن يقتَصَّ المظلوم حقه منه، ولا يشفع له أن يكون قد صلى وصام دهره، وأدى زكاة ماله، وحجَّ إلى بيت الله سبعين حِجَّة ماشياً حافيَ القدمين، كما لا يشفع له أن تنتهي حياته بالشها..دة. كل ذلك لا يُجَنِّبه القصاص العادل.
 
والظلم ظلمان: ظلم للنفس: وذلك بوضعها في غير المواضع التي يجب أن تكون فيها، ولهذا كان الشرك من أعظم الظلم للنفس، لأن موضع النفس أن تكون مؤمنة بالله موحِّدة، طائعة له، مجتنبة ما أمر باجتنابه، وكان الذنب ظلم لأنه يَجُرُّ على النفس الخسران والوبال، وينحرف بها عن صراط الطاعة والاستقامة، ويخلِّف تَبِعاتٍ خطيرة في الدنيا، وهو نفسه نار تحترق النفس بها في الآخرة، وما دامت النفس مظلومة فلها حق على صاحبها أن يرفع ظلامتها، وأن يدفع عنها ما وقع عليها من الظلم، ويتحقَّق ذلك بالتوبة عن الظلم، والإصلاح لما أفسد منها، ووضعها على الصراط القويم.
 
وظلم للآخرين: ويتحقَّق ذلك بنَحوين: فتارة يكون الظلم لهم عقَدياً، وفكرياً، ومعنوياً، مثل أن يُشَكِّكهم في دينهم الحق، ويثير الشبهات في عقولهم، أو يدعوهم إلى فكر منحرف ضالٍ، أو يؤثِّر في حالتهم الروحية حين يدعوهم إلى ترك العبادات، أو ارتكاب الذنوب والمعاصي، أو يدعوهم إلى مجالس اللهو والبطالين، أو يكون سبباً في اعتيادهم فعل المنكرات من مُخَدّرات وفواحشَ ومحرَّمات وسوى ذلك، فهذا من أقبح الظلم لهم، بل هو اعتداء عليهم، وهم وإن تحمَّلوا مسؤولية ما يختارون لأنفسهم من عقيدة أو فكر أو سلوك، ولكنه يشاركهم في الجرم والإثم والعقاب، ولو تاب إلى الله عن فعلته، وأناب إلى رُشده، فلا تكتمل توبته إلا بالاعتذار إليهم عما جَناه عليهم، وتبيين الباطل الذي أقنعهم فيه، وتبيين الحق الذي يجب أن يكونوا عليه، وإعادتهم إلى صراط الحق الذي كانوا عليه.

ومن الظُّلم المَعنوي أن يسيء إلى كرامة الآخر وسمعته كأن يشتمه، ويهينه، ويحتقره، ويهزأ به، ويسخر منه، ويكشف عوراته وعيوبه، أو يُفشي سِرَّه، أو يغتابه، فهذا كله ظلم، ولِمَن وقع عليه حقٌ في ذمة الظالم له أن يطالبه به في الدنيا ويقتص منه في الآخرة، وعلى الظالم أن يستسمح منه ويطلب غُفرانه وصَفْحَه، ولا يكتفى بذلك بل يجب إعادة الاعتبار إليه أمام مَن اغتابه أمامهم، فإن لم يمكنه ذلك، أو كان الأمر يمثل حَرَجاً شديداً فيجب عليه أن يستغفر له مقداراً من الوقت بحيث يطمئن أن المظلوم لو علم أنه استغفر له ذلك المقدار لغفر له وسامحه.

وتارة أخرى يكون الظلم لهم مادياً، كأن يغتصب مُلكَهم، أو يسرق مالهم، أو يمنعهم حقهم من الميراث، أو يغبنَهم أو يغشَّهم في بيع أو بناء، أو سوى ذلك، فهذا ظلم كذلك ولهم أن يقتصُّوا منه حقوقهم، وعليه هو أن يعترف لهم بها، ويرجعها إليهم إن كانت منقولة ويمكن إرجاعها وإن كان قد أتلفها أو تصرَّف بها فعليه أن يُعوِّضهم مثلها أو قيمتها على حسب ما يتفق معهم، فإن لم يفعل ذلك بقيت وِزراً يحتقبه على ظهره إلى يوم الدين، وهناك يقتصُّون منه، ويُعاقَب هو العقوبة المناسبة والتي تتجسَّد ناراً وسعيراً، وذُلّاً وهواناً. أعاذنا الله من ذلك جميعاً.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha