
رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "عُقُوبَةُ الْغَضُوبِ وَالْحَقُودِ وَالْحَسُودِ تَبْدَأُ بِأَنْفُسِهِمْ".
ثلاثة يرجِع وبالُها على صاحبها قبل أن يرجع على غيره، وهو أول ضحاياها. فلا حاجة لمعاقبته ومجازاته من قِبَل من تقع عليه من المُستَهدفين، إنها: الغضب، والحِقد، والحسد، جميعها ينتهي بالمَرء إلى عواقب وخيمة وقاتلة.
أما الغَضَب فهو شُعْبَة من الجُنون كما جاء في الروايات، وذلك حَقٌّ، فإننا نعرف بالتجربة الإنسانية المُعاشَة أن الغضب لا يأتي بخير للغَضوب، بل يجلب إليه الشَّرَّ والوَبال، ويوقِعه في الكثير من الموبقات والجرائم والظلم والتعدِّي على العباد، وتكون عاقبة أمره النَّدم، ولاتَ حين مَندَم، إذ لا ينفعه نَدَمه بعد أن فعل ما فعل حين استعر غَيظُه وانفجر غضبه.
الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام كما عرَّفه الباحثون، وقالوا: إن الإنسان متى ما ثارت فيه نيران الغضب غلا دمه وانتشر في عروقه، وارتفع إلى أعالي البَدَن كما يرتفع الماء الذي يغلي في القِدْرِ، ولذلك يحمَرُّ وجهه وعيناه وبشرته، فإذا كان غاضباً مِمَّن فوقه في القدرة والسُّلطة وكان عاجزاً عن الانتقام منه انقبض دمه من ظاهر الجلد إلى جوف القلب فيصير حزيناً، ولذلك يصفَرُّ لونه، ويضطرِب بدنه، ويبقى حاملاً الحِقد عليه في نسه حتى تُمكِنه الفرصة من الانتقام، وإذا كان غضبه ممن يقدر على الانتقام منه سارع إلى إليه بطريقة جنونية، وانتقم منه بشكل لا يخطر على بال أحد، ولك قارئي الكريم أن تتخَيَّل شخصاً يغلي دَمُه كيف ستكون حالته النفسية، وأيَّ أعمال يمكن أن يقدم على ارتكابها، وقد ذكر الباحثون أن معظم الجرائم تُرتَكب بسبب الغضب الذي يحيل الإنسان وحشاً كاسراً يضرب خبط عشواء، لا عقل يردعه، ولا ضمير يؤنبه.
وخلص الباحثون إلى أن الغضب يؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب، والسَّكتة الدماغية، وانخفاض كفاءة الجهاز المَناعي، والتأثير السلبي على صحة الرئتين، والتهاب الشعب الهوائية، وآلام المعدة، وعُسر الهضم، والأرق، وكثرة الصُّداع، وتضرر أنسجة الجسم المختلفة، والاكتئاب، وازدياد المشاكل النفسية، وجميع ذلك يرفع من خطر الوفاة المُبَكِّرة، وبذلك يعاقِب الغَضوب نفسه.
كذلك الحَقود، يعذِّب نفسه بحقده، فالحقد داء دفين في النفس يقتلها من داخلها، وبغض شديد، ورغبة جامحة في الانتقام مُضْمَرة في النفس، فهو أشبه بالسرطان الذي يكون كامِناً في البدن فإذا ازداد مع مرور الأيام قضى على المُصاب به، ومِما لا شَكَّ فيه أن الحقد يخلق العداوة بين الحَقود والمَحقود عليهم، ويقطع الصِلات بينه وبينهم، ويؤدي به إلى الحَسد، كما يدفعه إلى الوقوع في الكثير من الرَّذائل والموبقات من غيبة، ونميمة، وافتراء، وتتبع للعورات، والكذب، والظلم، وعدم الإنصاف، والشَّماتة، وجميعها ترجع بالشَّرِّ على الحقود.
بما سبق يتضح ما يبتلى به الحَسود، فإن الحَسَد داءٌ نفسي خطير يُصيب الحاسِد نفسه فيأخذه الهَمُّ والغَمُّ، بل ربما يجنُّ ويأخذه الخَبال، وقد يقتل نفسه حسداً لنعمة يراها عند غيره، ونِعَمُ الله لا تنقطع عن المحسودين، بل تتوالى وتتابع، ويتعاظم معها غَمُّ الحاسد وحُزنه وهُمُّه وكَمَده وتوتُّره، فلا يزال يتعذَّب بكل نعمة يراها، ويتألَّمُ بكل بَلِيَّة تنصرف عمن يحسده، فيبقى مغموماً مَحروماً، ممُزَّق القلب، ضَيَّق الصَّدر، فينزل به البلاء الذي يتمَنَّى أن ينزل بغيره، فالحاسد نفسه هو المصاب، وأما المحسود فقد لا يشعر بذلك.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: