ایکنا

IQNA

 جواهر عَلَويَّة...

الإسلام يرفض أن يكون العرق معياراً لقيمة الإنسان

21:00 - April 07, 2024
رمز الخبر: 3495215
بيروت ـ إکنا: إن الإسلام يرفض أن يكون اللون والعرق والقومية والجغرافيا والثراء معياراً لقيمة الإنسان وفضيلته.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "قَدْرُ كُلِّ امْرِءٍ ما يُحْسِنُهُ. وقَدْرُ الْمَرْءِ عَلى قَدْرِ فَضْلِه".
 
هاتان جوهرتان من جواهر الإمام أمير المؤمنين (ع) جمعتُ الحديث عنهما في هذه المقالة لأنهما تتحدثان عن موضوع واحد، تتحدثان عن معيار قيمة الشخص وفضيلته، وإن كانت كل واحدة منهما تكشف عن جانب من ذلك.


مِمّا لا شك فيه أن لكل شخص من الناس قيمة، كما لكل شيء قيمة، وكما تتفاوت قِيَم الأشياء نتيجة تفاوت أجناسها وأنواعها وأوصافها والحاجة إليها، ووفرتها أو نُدرتها، وسهولة الحصول عليها أو صعوبته، كذلك البشر فإنهم مُكرَّمون بلا شك، هم أفضل الخلق بالقياس إلى غيرهم من المخلوقات، ولكن قيمتهم تختلف من شخص إلى شخص آخر، يتفاضلون فيما بينهم، ولكل قيمته نتيجة امتيازه عن سواه بميزات الفضيلة من وجهة نظر الدين.

ومعلوم أن دين الله الإسلام يرفض أن يكون اللون والعرق والقومية والجغرافيا والثراء معياراً لقيمة الإنسان وفضيلته، بل يجعل من العلم، والعمل الصالح، والأهداف التي يسعى الإنسان لتحقيقها، والتقوى التي تعني أن يكون المرء دائماً في مواضع رضى الله تعالى، يجعل من ذلك كله معيار القيمة والفضيلة للأشخاص.
 
في الجوهرة الأولى يقول الإمام (ع): إنَّ قَدْرَ وقيمة ومكانة ومنزلة وفضيلة الشخص تنبع مِمّا يُحسنه من علم ومعرفة، وعمل صالح يعمله، ومن نِيَّة صادقة طيبة تكون دافعاً لعمله، كما تنبع مِمّا تزخر به ذاته من فضائل ومكارم، وعلى هذا الأساس كان الله تعالى يختار رُسُلَه وأنبياءه وأولياءه، "وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشِاءُ وَيَخْتَارُ" وهذا ما دَلَّ عليه الله تعالى في كتابه الكريم فعندما تحدث عن النبي يوسف (ع) نقل لنا دعاءه بعد أن رفع أبويه على العرش وخروا له سُجَّدا اعترافاً بفضيلته ونبوته إذ قال: "رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴿101/ يوسف﴾ وعن سُليمان النبي (ع) قال: "وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ﴿16/ النمل﴾.

وعندما تحدث عن اختيار طالوت مِلِكا قال: "وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿247/ البقرة﴾.  
 
وإذاً فقيمتك تتأتّى من علمك ومعرفتك، ومن فضائلك الأخلاقية وعملك الصالح، وهذا يوجب عليك أن تجهد في زيادة معارفك، وفي ترويض نفسك وتأديبها، وفي اختيار مواقفك لتكون موافقة للحق والهدى، وفي اختيار أعمالك لتكون موافقة لشريعة الله تعالى. 

وإن قيمة المَرء تتجلى في خوضه للمجالات التي يُحسنها والعلم الذي يحمله فإن عمل بجد وإخلاص وأتقن ما يقوم به قولاً أو فعلاً ازدادت قيمته، والعكس صحيح، فإن خاض فيما لا يحسنه ولا يتقنه وبقي في غيِّه وجهله سقط من أعين الناس وفقد ثقتهم وخسر قيمته.

وفي الجوهرة الثانية يتابع الإمام (ع) التأكيد على أن قيمة المرء تنبع من فضائله، وهذا يعني أن قيمة الإنسان مكتسبة وليست موروثة، إنه لا يتلقاها من أسلافه ولا من عِرْقِه، ولا من الثراء الذي ورثه أو اكتسبه، بل من فضائله، فقيمة المَرءِ أمر شخصي متعلِّق به نفسه غير مُتَعَدٍ في الاعتبار إلى غيره من حَسَبٍ أو نَسَبٍ أو ثراء.

ولذلك قال الأمام (ع): "مَنْ أَبْطَأَ بِه عَمَلُه لَمْ يُسْرِعْ بِه نَسَبُه" فهو الذي يصنع قيمته بما يُحسِنُه من معرفة وعمل، وبما يقدمه لمن حوله من الناس، ويتفانى بالبذل والعطاء في مختلف المجالات للارتقاء بالحياة الإنسانية يترك له بصمة خالدة حتى بعد رحيله، وكما أن الإنسان في الآخرة سوف ينال إما الجنة أو النار، بقدر ما لديه من أعمال صالحة أو طالحة، كذلك الحال في الدنيا، فإن المرء يُقيّم بعمله وعلمه حتى عند الناس، لا بِنَسَبه وسلطانه وثرائه، فعاقبة عمله الصالح هي التي تمنحه قيمته عند الله وعند الناس.

ولَمّا كان العلم أفضل الكمالات وأشرفها استأهل أن يكون معيارًا مهمًا ومحدِّدًا واقعيًا في قيمة المرء وقدْره وبيانهما، ونجد هذا المعنى واضحًا في قوله تعالى: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴿9/ الزمر﴾ فالقيمة الواقعية تتجه صوب أهل العلم والعمل الصالح في الدنيا وفي الآخرة كذلك، قال تعالى: *"يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴿11/ المجادلة﴾*
 
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha