ایکنا

IQNA

فلسفة الجهاد وأبواب الشهادة؛ سلامة الاعتقاد وشروط الانقياد

8:14 - June 02, 2024
رمز الخبر: 3495803
ولو أن المسلمين تدبّروا أمرهم جيدًا، و خرجوا من حزبية الموقف الديني، لكانوا عرفوا أن ولاية الأمر هي التي تحسم الموقف، وتحكم على مجريات الأمور، فحيث لم تكن ولاية، لم تكن هداية، وحيث كانت الولاية، كان الجهاد، فليحذر الناس أن يكون الموت والجهاد، وكذلك الشهادة،على غير هدًى.

کتب فرح موسى, رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية مقالا تحت عنوان «فلسفة الجهاد وأبواب الشهادة: سلامة الاعتقاد وشروط الانقياد» و فیما یلی نص المقال:

«یقول الإمام علي (ع): هيْهات؛ لا يخدع الله عن جنته، ولا تُنالُ مرضاتُهُ إلا بطاعته…".ولا شك في أن الله تعالى قد بيّن لعباده ما يرضيه وما يسخطه، وهداهم إلى سبل الجنة،كما قال تعالى:"و جاهدوا فينا لنهدينَّهم سبلنا…"،فإذا اختار الإنسان أن يكون مجاهدًا في سبيل الله، سواء بالكلمة،أو بالسلاح،أو كانت له نية وعزيمة الشهادة، فإن ذلك يستوجب الوعي بالهدف، والعقل عن الله تعالى في ما أمر به ونهى عنه، وهذا ما نرى أن فلسفة الجهاد تقوم عليه، فهو باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصّة أوليائه، كما قال الإمام علي(ع).

وانطلاقاً من ذلك، نرى أنه لم يعد يكفي مَن آمن بالله ورسله، تدبّر روايات التاريخ، أو تجارب البشر وحسب، بل لا بد من التأصيل وفق حقائق الإيمان، وشروط الانقياد كما بيّنها القرآن الكريم لاستكشاف ملامح الرضا الإلهي، بحيث يكون الإنسان مطمئنًا إلى خياراته في ما عقله عن مرادات الله تعالى، وخير سبيل لذلك هو ما نطقت به الآيات عن الجهاد، وذلك لما تنطوي عليه هذه الآيات من إحكام في دلالاتها، سواء لجهة دلالة مجاهدة النفس، أو لجهة دلالة المقاتلة للأعداء، وهذا ما يمكن أن يكشفه لنا التدبّر العاقل لآيات الله تعالى.

أما أن تستغرقنا الروايات والتجارب والشياعات المخالفة في أكثرها لكتاب الله تعالى، ونجتهد عبثًا لجعلها عناوين جهادية بارزة في حياة الناس،كما جرى عليه الحال في ظل سلاطين الجور وحكومات الملك العضوض؛!! فهذا مما يورث الحسرات، ويجعل من التجارب بديلًا للقرآن والسنة،وخصوصًا إذا ما كان الجهاد في سبيل الله تعالى صادرًا عنها، أو مؤسسًا عليها!! فالمسلم إن لم يفقه معنى الجهاد وفق شروط القرآن وبيانات الرسول ص المتواترة، ومتى يكون الجهاد بالأموال والأنفس محققًا لغرض الرضا الإلهي،فقد يخسر نفسه على غير طريق الهدى، وهذا ما حذّر القرآن منه بقوله تعالى:" ومن الناس مَن يجادل في الله بغير علم ولا هدًى ولا كتاب منير…".فإذا كانت المجادلة تحتاج إلى العلم والهدى والكتاب المنير،والتوفر على شروط السلامة،بما هي شروط إلهية،فكيف بمن يريد الجهاد في سبيل الله تعالى؟

كثيرون هم الذين ماتوا على غير هدًى، وقدّموا الطاعة لمن ظنوا فيهم ولايةً وقيادةً، وأبوابًا للرضا الإلهي! إلا أنهم أخفقوا عن الوصول،وزاغوا عن المطلوب، فكان حالهم كحال أولئك الذين أساءوا إلى ربهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا! فشروط الانقياد في إطار فلسفة الجهاد، إنما هي قائمة على سلامة المعتقد، ووضوح الرؤية والهدف،كما بيّن القرآن الكريم في هدايته إلى أولي الأمر،حيث قال تعالى:"وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعُوا به،ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر لعلمه الذين يستنبطونه منهم…".فالآية ناظرة إلى مطلق الأمن والخوف في كل زمان ومكان وحياة، ما يحتم على الإنسان المسلم التبصّر في خياراته، وشروط الانقياد لربه حتى لا يكون تائهًا عن سبيل الحق، أو منخدعًا بشروط الناس الذين ظنوا بالجهاد خيرًا بأي نحو كان،وتحت أي راية أتى،وكانت النتيجة الخسران المبين في الدنيا والآخرة!؟ 

إن معنى أن نجاهد في الله تعالى ،والدخول في ضمير قوله"جاهدوا فينا"،معناه،أن لا يلتبس الموقف في ولاية الأمر التي أمر الله تعالى بالرد إليها؛وإلا كان الجهاد على غير هدًى ،ولا علم ،ولا كتاب منير،وهذا يبقى ملاكه الصدور عن ما أمر الله به حقًا وصدقًا،كما قال تعالى:"فليحذر الذين يخالفون عن أمره…"،وكما قلنا:إننا إذا كنا نريد الجهاد في سبيل الله تعالى،وأن تكون لنا الشهادة الحقة،التي تؤهلنا للفوز بالجنة والرضوان،فإن ذلك كان وسيبقى شرطه العقل عن الله تعالى،وهذا ما التبس الموقف فيه كثيرًا عند المسلمين في تاريخهم،حيث نجد أن الحروب والفتن قد سُلت فيها السيوف،واختلف المسلمون في توصيف حالاتهم الجهادية رغم وضوح الأمر فيها،فمنهم من رأى فيها جهادًا والتزامًا بالأمر الإلهي،ومنهم مَن رأى فيها ابتلاءًا وفتنة!

ولو أن المسلمين تدبّروا أمرهم جيدًا،وخرجوا من حزبية الموقف الديني،لكانوا عرفوا أن ولاية الأمر هي التي تحسم الموقف،وتحكم على مجريات الأمور،فحيث لم تكن ولاية،لم تكن هداية،وحيث كانت الولاية،كان الجهاد،فليحذر الناس أن يكون الموت والجهاد،وكذلك الشهادة،على غير هدًى،ولا كتاب منير.فالله هو الولي،وقد بيّن تعالى لعباده ما يجعلهم أهل جهاد وطاعة وولاية،وما يمنع عنهم التيه والضلال في ما أمرهم به من طاعة،ونهاهم عنه من معصية…والحمد لله رب العالمين.

بقلم للدكتور "فرح موسى"رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية

captcha