وأعلن حرس الثورة الاسلامية الايرانية الأربعاء الماضي عن إستشهاد "إسماعيل هنية" رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وأحد أفراد فريق حمايته في طهران، كما نعت حركة حماس إلى الأمة الإسلامية، وإلى كل أحرار العالم الأخ القائد الشهيد المجاهد إسماعيل هنية، الذي قضى إثر غارة صهيونية غادرة على مقر إقامته في طهران، بعد مشاركته في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد.
وفي هذا الاطار، وأجرت مراسلة وكالة "إكنا" للأنباء القرآنية الدولية في لبنان الإعلامية "ريما فارس" حواراً مع القیادي في حركة الجهاد الاسلامي الفلسطينية ومسؤول العلاقات الفلسطينية لحركة الجهاد الاسلامي في لبنان "ابو سامر موسى".
فیما یلي النص الكامل للحوار:
ما هي أهم الميزات التي تتميز بها شخصية القائد إسماعيل هنية؟
أولاً، لابد لي إلا أن أتقدم من شرفاء الأمتين العربية والإسلامية بالعزاء والتهنئة لفقدان القادة والمجاهدين وفي المقدمة الشهيد المجاهد هنية، لأقول والله إنه صدق الله بجهاده وعطائه فصدقه الله وأكرمه بمرتبة الشهداء وهذه المرتبة لا ينالها إلا من اصطفاهم الله ورضي عنهم. ولد الشهيد عام 1962 م في مخيم من مخيمات اللجوء، هذه المخيمات التي حملت مشروع النضال والجهاد ورفعت راية المقاومة لتحرير فلسطين، وكان الشهيد ممن آمنوا وحملوا الراية منذ نعومة أظافره. كان مجاهدًا صابرًا منفتحًا على كل الطيف الفلسطيني سواء المعارض لتوجهاته أو الموافق.
الشهيد إسماعيل هنية هو سياسي فلسطيني وقائد حركة حماس. بدأ حياته المهنية كطبيب وتحول إلى العمل السياسي، وتم انتخابه نائبًا لزعيم حماس في عام 2006، ثم أصبح رئيسًا للحكومة في قطاع غزة. وكل من عرف الشهيد يصفه بالتواضع وقوة الشخصية، مثقف ودود وحدوي وجامع ذو إطلالة بهية تسبقه بسمته مما مكنه من بناء قاعدة دعم شعبية واسعة خلال مسيرته السياسية. شغل منصب رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية العاشرة، وتعرض كما المجاهدين والقادة للاعتقال على يد العدو الصهيوني عام 1989 لسنوات، وخرج من الاعتقال بصلابة وإيمان ووعي وإصرار على مواجهة الكيان الصهيوني بعد نفيه لمرج الزهور هو وكثير من القادة آنذاك من الجهاد الإسلامي وحماس. تم انتخاب الشهيد هنية رئيسًا للمكتب السياسي سنة 2017 بديلاً عن الأستاذ خالد مشعل في ظل أوضاع عربية رديئة وانقسامات كبيرة أدت لصراعات عسكرية وسياسية، فكان لزامًا عليه العمل لاستعادة مكانة القضية الفلسطينية ولترميم الحركة من الداخل بعد أحداث 2011.
فكان رجلًا جامعًا استطاع لعب دور مهم في بناء علاقات كبيرة على المستوى الدولي، وكان صمام أمان على المستوى الفلسطيني الداخلي وعلى مستوى الحركة بحيث كان يحظى باحترام جميع مؤسسات الحركة بكل مكوناتها وله السمع والطاعة. كذلك كان يحظى باحترام وتقدير كافة الفصائل، وخاصة علاقته بحركة الجهاد كانت مميزة ودرجة التنسيق بأعلى مستوياتها منذ توليه المسؤولية مع الأمين العام السابق رمضان شلح والحالي الأمين المؤتمن الأستاذ أبو طارق زياد النخالة، مما انعكس تنسيقًا ميدانيًا بين الأجهزة العسكرية سرايا القدس والقسام.
كيف تقيمون العلاقات بين حركة حماس والجمهورية الإسلامية الإيرانية، والفوائد المتبادلة من هذه العلاقة؟
إن العلاقات بين حماس وإيران وثيقة وتعود إلى فترة طويلة. وهذه العلاقة بدأت منذ تأسيس حركة حماس وانطلاقتها 1989 مع انطلاق الانتفاضة الفلسطينية. ومن الطبيعي بناء على توجهات سماحة السيد مؤسس وقائد الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني(رحمه الله) والذي وجه القيادة الإيرانية بكل مؤسساتها تبني قضية فلسطين ودعمها بكل الإمكانات المتاحة.
فكان من الطبيعي أن تكون حركة حماس بما تمثل من حجم وثقل وحضور في الميدان على رأس اهتمام إيران جنبًا إلى جنب مع حركة الجهاد الإسلامي. ولا شك أن العلاقة في السياسة تبنى على المصالح، لكن هنا نعتبر العلاقة ليست فقط مبنية على العلاقات السياسية وإنما على الأخوة في الدين والعقيدة والهدف الأكبر والجامع وهو تنفيذ وصية الإمام الخميني(رض) في إزالة هذه الغدة السرطانية من الوجود.
مما يعني أن الفوائد متبادلة في دعم إيران لحماس عسكريًا وماليًا، وفي المقابل، توفر حماس لإيران قاعدة للتأثير في المنطقة وفرصة لزعزعة استقرار الكيان الصهيوني وتعزيز مكانتها في فلسطين وقلب الشعب الفلسطيني الذي يدين الحب والتقدير للجمهورية الإسلامية وقيادتها وشعبها العظيم.
ما هو الدور الذي تلعبه إيران في دعم المقاومة الفلسطينية، وكيف يؤثر هذا الدعم على مواقف حماس الاستراتيجية؟
المقاومة الفلسطينية منذ نشأتها كانت تعاني من علاقتها بالدول العربية التي كانت تقدم الدعم المادي لفصائل الثورة. وكانت هذه المساعدات في أغلب الأحيان إن لم أقل في كل الأحيان مشروطة. وكانت هذه الدول تتدخل في مسار عمل الفصائل وغالبًا كنا نشهد اشتباكات داخلية تكون خلفيتها رسائل موجهة عبر الفصائل للدول المتخاصمة.
والنتيجة أن هذه الدول تخلت عن دعم القضية وضغطت على منظمة التحرير الفلسطينية للدخول في بازار التسوية وما عرف بمشروع السلام الذي قسم وشتت الشعب الفلسطيني وقواه السياسية بين داخل وشتات وفلسطين الداخل 1948. وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران قدمت إیران دعماً سخياً وما زالت ولم يعرف أنها ضغطت أو حاولت الضغط على الفصائل مقابل ما تقدمه من مساعدات فاقت التوقعات وتخطت كل الحدود التي كانت تحرص عليها الدول العربية ولا تجرؤ على تخطيها خوفًا من السطوة الأمريكية وغضب الكيان الصهيوني بإمداد المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح والخبرات والتكنولوجيا التصنيعية.
مما يعني أن إيران تقدم دعمًا ماليًا وعسكريًا لحركات المقاومة الفلسطينية ومنها حماس. وهذا الدعم نقل حركات المقاومة في غزة إلى مرحلة متقدمة، وهذا الدعم بات واضحًا ومدى أهميته بعد صمود أسطوري على مدى هذه الشهور وهذا دليل على تأثير هذا الدعم على استراتيجية المقاومة ومنها حماس من خلال تعزيز قدرتها العسكرية وزيادة قدرتها على مواجهة إسرائيل. مما أغضب كثير من الدول التي كانت تسعى وما زالت لحصار المقاومة وإنهاء قدراتها. وهذا الدعم الإيراني والصمود الفلسطيني في الميدان أقلق الخصم قبل العدو.
كيف تمكن الشهيد القائد إسماعيل هنية من الجمع بين القيادة السياسية والعسكرية لحركة حماس، وما هي التحديات التي واجهته في هذا السياق؟
حقيقة الأمر أن الشهيد إسماعيل هنية تسلم مقاليد المسؤولية كرئيس مكتب سياسي في ظل أزمة سياسية وأزمات متلاحقة على مستوى المنطقة وحروب ما زالت مستعرة ولو بوتيرة أقل مما كانت عليه سنة 2011 وحرب دولية على سوريا شاركت فيها أغلب دول العالم ومنها الدول العربية والدخول التركي لشمال سوريا تحت عناوين مختلفة والهدف واحد للجميع هو إسقاط سوريا في مربع الهيمنة الأمريكية والدفع بها للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
وما لا شك فيه أن القضية الفلسطينية تأثرت بذلك نتيجة انقسامات شهدتها الساحة الفلسطينية بين مؤيد وبين معارض للدخول في الخلافات العربية والاصطفاف هنا أو هناك. وأمام هذا الواقع وحساسية الموقف استلم الشهيد مهامه وكانت إحدى أولوياته إعادة ترميم صورة البعض الفلسطيني التي تأثرت وإعادة بناء جسور الثقة بين حركة حماس والطرف الآخر سواء فلسطيني أو عربي ومنها الدولة السورية بقيادة الرئيس الأسد. كذلك إعادة ترميم تداعيات الموقف الذي اتخذته الحركة بخصوص سوريا وما نتج عنه من وجهات نظر أدت لمشكلة على مستوى العلاقة مع طهران من جهة ومن جهة أخرى على المستوى التنظيمي الداخلي.
وأضاف السيد "أبو سامر" لذا واجه الشهيد معضلة كبيرة لكن حكمته وانفتاحه على الآخرين تحت عنوان الوحدة العربية والإسلامية ضرورة ملحة بل حتمية لمواجهة المشاريع التي تستهدف الأمة مكنته من إعادة العلاقة بينه وبين الجمهورية الإسلامية أولاً ومن ثم فتح باب المصالحة مع سوريا وأعاد التواصل مع كل المكونات الفلسطينية.
وخطابه واضح وهو البحث عن الوحدة الفلسطينية لأنها الأساس والبنيان المتين لمواجهة كل التحديات وخاض سلسلة لقاءات وحوارات ومباحثات ونقاشات في أكثر العواصم للوصول لوحدة حقيقية وكان آخرها توجيهاته للوفد المفاوض في بكين وإصراره على تثبيت الوحدة الفلسطينية وترتيب البيت الفلسطيني وحق المقاومة في المقاومة. وفي خط موازٍ استطاع إعادة حركة حماس لمكانتها الطبيعية والقوية من خلال الانتخابات الأخيرة وتعزيز القيادة السياسية والعسكرية في مواجهة المشروع الصهيوني والابتعاد عن الخلافات الإقليمية واعتبار الكل العربي معني بتعزيز الوحدة ومساندة القضية الفلسطينية.
ما هي أبرز الإنجازات المحورية التي حققها اسماعيل هنية في مسيرته السياسية والمقاومة؟
من أهم وأبرز الإنجازات التي حققها رئيس المكتب السياسي الشهيد هنية هي قيادته للحركة خلال فترات حرجة وحساسة. أنه نأى بحركته عن التجاذبات السياسية الإقليمية واتجه نحو تعزيز مكانة القضية الفلسطينية في كافة المحافل واللقاءات التي تواجد بها. كذلك دوره في تعزيز المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ استلامه لرئاسة الوزراء الفلسطينية وحماية المقاومة وتطويرها وفتح منافذ كثيرة وطريق مواصلات لكافة الحركات المجاهدة لتمرير السلاح من الجمهورية الإسلامية الايرانية بالدرجة الأولى ومن كافة الجهات. كذلك ساهم بتسهيل دعم حركات المقاومة بالمال وكافة المستلزمات التقنية. إضافة للموقف الأساس وهو جميع الفصائل الفلسطينية وفتح قنوات تواصل فيما بينها على مستوى الداخل وقطاع غزة خاصة وتشكيل الأطر السياسية والعسكرية بدعم ومباركة منه.
أما على مستوى العمل السياسي فقد كرّس كثيرًا من وقته وجهده لجمع الصف والطيف الفلسطيني وتشكيل جبهة سياسية لمواجهة المشاريع التي تستهدف القضية الفلسطينية من خلال اللقاءات والمشاورات المستمرة مع القيادات الفلسطينية والسلطة الفلسطينية. كذلك قيادته الحكيمة لإدارة المعركة السياسية لوقف العدوان على غزة وإدارة ملف المفاوضات من أجل إبرام صفقة تبادل مشرفة للشعب الفلسطيني وإصراره على عزة وكرامة المقاومة وتمسكه بشروط المقاومة. وأعتقد أن أحد أسباب اغتياله هو صلابة موقفه وتمسكه بشروط المقاومة والحفاظ على دماء الشهداء وجهاد المجاهدين.
هل يؤثر إغتیال القائد المجاهد إسماعيل هنية على استمرارية المقاومة؟
أعتقد أن هذه الفكرة وهذا السلوك الصهیوني هو سلوك خاطئ ولو اعتبره الصهاينــــة في لحظة من اللحظات أنه إنجاز وانتصار لكن المعطيات القديمــة والحديثــة تؤكد فشل اهداف الاغتيالات فمنذ إنطلاق الثورة الفلسطينيـة قام الاحتلال بعدة عمليات إغتيال ومنها الاغتيال السهل ومنها عمليات معقدة طالت العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية للفصائل الفلسطينية ومنها على سبيل المثال إغتيال الامين العام السابق لحزب الله اللبناني الشهيد عباس الموسوي سنة 1992 واغتيال الامين العام السابق للجهاد الاسلامي الدكتور فتحي الشقاقي واغتيال الشهيد إسماعيل هنيــــة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وكثير من القيادات في المقاومـــة.
السؤال الذي يجب طرحـــه بعد الاغتيال من باب التقييم هل عملية الاغتيال أدت لنتيجــــة ايجابيــــة لصالح الكيان أم كانت سلبية المنطق يقول ان الاغتيال يعطي المقاومــــة حافزاُ جديداً لمواصلة طريق الشهداء ويزيدها صلابةً وتمسكاً بالمشروع إضافـــة إلى أن عملية الاغتيال تعطــــي دماء جديدة في حركات المقاومـــــة ولمجرد إستشهاد أي قائد يتم تسليم الرايــــة لقائد آخر كما حصل عند إستشهاد الشقاقي وقبل الدفن نصب الاخ الدكتور رمضان شلح أمينا عاماً وكان أكثر صلابــــة وساهم بعملية التطوير بشكل متسارع وكذلك حزب الله وحماس القادة كثر والنهج واحد والهدف إستمرار المشروع الذي أستشهد من أجله الشهداء .
لذا بعد كل عمليـــــة إغتيال نشهد تزايد وثيرة تقدم حركات المقاومـــــة ونموها وقدرتها والتاريخ أيضاً يؤكـــــد على أن هذه السياسية التي ينتهجها الكيان فاشلة وعملية القتل لا تؤدي هدفها بل تساهم في تعميق الازمــــــة لديــــــة لان عقيدتنا واضحـــــة ان كل مجاهد هو مشروع شهيد وقتلنا في هذا الطريق هو كرامــــة من الله لنا.