
ورُوِيَ عن
الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "لَوْ عَرَفَ الْمَنْقُوصُ نَقْصَهُ لَساءَهُ ما يَرى مِنْ عَيْبِه".
الكمال لله وحده، والبراءة من العيوب لمن عصمهم الله تعالى، أما سواهم من البشر فلا براءة لأحد منهم من العيب، وان اختلفت العيوب فيما بينهم نوعاً وكماً، والإنسان وإن كان على نفسه بصيرة يعرف عيوبه، لكنه نتيجة التبرير لها قد يُخَيَّل إليه أنها ليست عيوباً، فيغفل عنها لهذا السبب، ويتوَّهم الكمال في نفسه وصفاته، ثم ينطلق باحثاً عن عيوب الناس، مستعظما الصغير منها، وجاعلاً من نفسه معياراً للكمال والبراءة من العيوب، ويأخذ في إعطاء علامات الكمال لهذا وعلامات النقص لذاك من الناس.
إقرأ أيضاً
إننا جميعاً مُبْتَلَون بالعيوب والآفات النفسية والأخلاقية، لكن زحمة الحياة وشؤونها، وصَبّ اهتمامنا على ما نريده ونحتاج إليه، وتركيز أنظارنا على ما نُحب وما نكره، يجعلنا نغفل عن تلك العيوب، وهي عيوب منها ما يكون كامناً يظهر في الأزمات والصراعات مع الآخرين، ومنها ما يكون ظاهراً ولكننا نبرره.
إن تلك العيوب أشبه ما تكون بمرض السرطان الذي سَمّاه العرب بالمرض الخبيث لأنه يكون مُضمَراً خافياً في الجسم، فإذا به يظهر فجأة ويأخذ في الانتشار بسرعة مُذهِلة، إن المُبتَلى بهذا المرض يحسُّ بآلامه ولكنه لا يعرف أنها آلام السَّرَطان، وكي يتم تشخيصه يلجأ الأطباء اليوم إلى إجراء صورة مَقطعية دقيقة تقوم بمسح لكامل المنطقة المستَهدفة من جسم المريض، كي تتمكن من اكتشاف هذا المرض الخبيث، كذلك الحال في عيوبنا النفسية والأخلاقية، إنها تحتاج منا إلى إجراء مسح شامل ودوري كي نكتشفها، وعادة ما تساعدنا الأزمات، والصراعات، والخصومات، والعداوات، على اكتشافها.
في جوهرة الكريمة: "لَوْ عَرَفَ الْمَنْقُوصُ نَقْصَهُ لَساءَهُ ما يَرى مِنْ عَيْبِه" يدعونا الإمام أمير المؤمنين(ع) إلى إدامة التَّفَكُّر والتأمُّل الذاتي، ومعرفة العيوب والنقائص كخطوة أساسية نحو إصلاح الذات والسعي للكمال الإنساني، فكلنا منقوص يعاني من نقص أو عيب، سواء كان ذلك النقص في الأخلاق أو السلوك أو غيرهما من الجوانب الإنسانية، ولو أدرك كل شخص منّا عيوبه فعلاً، وأدرك مدى قصوره، لشعر بالألم والحُزن على ما يراه في نفسه من نقائص، ولدعاه ذلك إلى عدم الرِّضا عن نفسه، وبذلك، فإن إدراك النقص هو خطوة ضرورية تُوقظ الإنسان نحو إصلاح ذاته، واكتشاف العيوب والنقائص خطوة إيجابية للعمل على تزكية النفس منها وتكميلها بالفضائل.
ولهذا جاء التأكيد في القرآن الكريم على ضرورة محاسبة النفس، ومحاسبة النفس لا تكفي فيها المرة أو المرتين، بل هي إجراء يومي متواصل ودائم، والحاجة إليه كحاجة الجسم إلى الغذاء والماء، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿18/ الحشر﴾ فالآية كما ترى قارئي الكريم تأمر بمحاسبة النفس، هذامعنى قوله تعالى "وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ" فعلى الإنسان أن يحاسب نفسه، ليرى ماذا قدّم لغده، هل قدّم خيراً أو قدّم شرّاً؟
وجاء في الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال: "حاسِبُوا أَنْفُسَكُم قَبلَ أَنْ تُحاسَبُوا، وَزِنوها قَبْلَ أَنْ تُوزَنوا، وَتَجَهَّزُوا للعَرضِ الأَكْبَرِ". وجاء عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: "حَقٌ عَلى كُلِّ مُسْلِم يَعْرِفُنا، أَنْ يُعْرِضَ عَمَلَهُ في كُلِّ يَوم وَلَيلَة عَلى نَفْسِهِ، فَيَكُونَ مُحاسِبَ نَفْسِهِ، فَإنّ رَأَى حَسَنَةً استَزادَ مِنْها وَإِنْ رأَى سَيِّئَةً إِسْتَغْفَرَ مِنْها لِئلاّ يُخْزى يَومَ القِيامَةِ".
ومما لا شَكَّ فيه أن محاسبة النفس يُصلحها، ويُنَمِّي فضائلها، لأن من يحاسب نفسه يكتشف عيوبها ونقائصها، قال الإمام عَلِيٌّ (ع): "مَنْ حاسَبَ نَفْسَهُ وَقَفَ عَلَى عُيوبِهِ، وَأَحاطَ بِذُنُوبِهِ، واستَقالَ الذُّنُوبَ وَأَصْلَحَ العُيوبَ".
بقلم الباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: