
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "لَنا حَقٌّ إِنْ أُعْطِيْناهُ وَإِلاَّ رَكِبْنا أَعْجازَ الإبِلِ وَإِنْ طالَ السُّرى".
وترسِّخ هذه الجوهرة الكريمة منهجاً واضحاً للتعامل مع الحق المَسلوب من قبل أشخاص ظالمين أو دُوَل ظالمة طاغية، والمنهج هو أن يبقى الشخص المسلوب الحق، ثابتاً على حقه، غير ساكت ولا متنازل عنه، ساعياً في الحصول عليه ولو بأقل الإمكانيات، مهما طال الطريق، وصَعُبَت الظروف، وعظُمَت العقبات، وحتى لو تطلَّب الأمر السير في المؤخرة أو السير لمسافات طويلة.
إن الناس تجاه حقوقهم المسلوبة على ثلاثة أصناف:
صنف: يسكت عن حقه، يتألَّم، يتذمَّر، ويكتفي بهذا القدر، ثم يستسلم، وهذا الصنف من الناس كثير، وخصوصاً في أمتنا نحن العرب، وبالتالي تضيع حقوقهم، دون أن يرفّ جفن مَن سلبهم حقهم واغتصب أرضهم، وهتك مقدساتهم.
وصنف ثاني: ينفعل، ويغضب، وقد تصدر منه مواقف غير مدروسة، وهذا الصنف قد يخسر حقَّه كذلك، نتيجة حركته الإنفعالية المُرتَجَلة، وهذا الصنف غير قليل كذلك.
وصنف ثالث: هو الذي يصُرُّ على المطالبة بحقه بطريقة مدروسة، وبالإمكانيات المتاحة، لا يستسلم، ولكنه ينتظر الظروف الملائمة، ويعمل على خلقها، وهذا الصنف قليل، وهو الذي يتكلم الإمام أمير المؤمنين (ع) عنه.
في هذه الجوهرة "لَنا حَقٌّ إِنْ أُعْطِيْناهُ وَإِلاَّ رَكِبْنا أَعْجازَ الإبِلِ وَإِنْ طالَ السُّرى" تظهر رؤية الإمام علي (ع) حول الكرامة ورفض الاستسلام في مواجهة الظلم، فهو يؤكد أن حق الإنسان أو الجماعة لا يسقط بالتجاهل، وأن المطالبة به حق مشروع، واستخدم الإمام تعبير "ركبنا أعجاز الإبل" كرمز للديمومة والصبر والثبات وتحمُّل المصاعب، إذ أن راكب أعجاز الإبل لا يكون مرتاحاً في ركوبه، ولكنه يثبُت ولا يتراجع حتى يصل إلى غايته.
إن المطالبة بالحق ليست مجرّد فعل شخصي، بل هي مسؤولية اجتماعية تؤثِّر في تماسك المجتمع واستقراره، فالحقوق هي العِماد الذي يُبنى عليه العدل، وتقصير المرء في المطالبة بحقه أو تخليه عنه يتيح الفرصة لانتشار الظلم والجَور، كما أن المطالبة بالحق تعزِّز من قِيَم الكرامة والثبات، وعلى المستوى الجماعي، تضمن هذه المطالبة بالحقوق حفظ حقوق الناس كلهم، وتردع الظالم والمعتدي، لأنه يعلم أن استلابه حقوق الناس لن يكون سهلاً عليه، بل سيجعله يدفع أثماناً باهظة، وقد تؤدي إلى قطع يده وتدميره.
ومِمّا لا شكَّ فيه أن المطالبة بالحقوق من الظالم الطاغي ليست سهلة يسيرة، والمطالبين بحقوقهم لا بد وأن يواجهوا تحديات كبيرة، من ضغوط إجتماعية، وسياسية، وتهديد، وترهيب، وترغيب أحياناً، وتحَمُّل تكاليف مادية ومعنوية، وغياب العدالة، وقد يُصاب بعض الأفراد أو الجماعات باليأس خاصة إذا طالت مدة المطالبة ولم يجدوا نتيجة ملموسة سريعاً.
لكن اليقين بأن الحق منتصر نهاية المطاف، وأنه لن يضيع ما دامت الجماعة تطالب به، والتضامن بين أفرادها، وتعاونهم فيما بينهم، وصبرهم، وإصرارهم، ووعيهم، وتحَمُّل مسؤولياتهم، كفيل بأن يحصلوا على حقوقهم مهما طال الزمان، فإن الحقوق لا تُمنَح بسهولة ويُسْر، وواجب الإنسان هو السَّعي نحوها بثبات وقوة.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: