ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

ضرورة مراعاة مستوى المخاطبين في الدعوة إلى الله

11:55 - November 17, 2024
رمز الخبر: 3497792
بيروت ـ إکنا: في التبليغ والدعوة إلى الله يجب على العالم أن يراعى مستوى المخاطَبين، وذلك يتطلَّب أن يكون لديه معرفة بالأفراد، وأن يُمَيِّز بين من يمتلك الفهم العميق ومن يحتاج إلى تبسيط.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "لِمِثْلِ أَهْلِ الْفَهْمِ تُصْرَفُ الْأَقْوالُ".
 
جوهرة علوية وجيزة، فصيحة، بليغة، تعكس معاني عميقة تتعلق بالفَهم والبصيرة، وكيفية توجيه الكلام إلى من يملك القدرة على استيعابه وتحليله، أي أن الكلمات أو الحِكَم ليست للجميع، بل لمن يستطيعون فهمها وتحليلها بعمق، فكلمة "أهل الفهم" تُشير إلى الأشخاص الذين يمتلكون عقلاً ناضجاً وقدرة على التفكير والتأمُّل، فهم الذين تصل إليهم الأفكار بصورة كاملة، لأنهم قادرون على ربط المعلومات وتحليلها بشكل صحيح.

إقرأ أيضاً

والأقوال ليست مجرد كلمات تُقال بلا هدف، بل هي رسائل تحمل معنى خاصاً لمن يستحقون فهمها، فالأقوال إذن تُرسَل إلى أهلها، لتكون أداة تواصل وتفكير بينهم وبين المعنى الذي يراد بها.
 
علمياً، أثبتت الدراسات في علم النفس وعلم الاجتماع أن مستوى فهم الأفراد يختلف حسب العوامل الشخصية مثل: القدرة العقلية، الخلفية الثقافية، التجارب الحياتية، ومستوى التعليم، الأفراد الذين يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء أو الفهم العميق عادةً ما يستطيعون استيعاب الرسائل المبطنة والمعاني العميقة في الأقوال، بينما قد يجد الأشخاص الذين لم يُنمّوا قدراتهم العقلية الكاملة صعوبة في التقاط المعاني الدقيقة.

وفي سياق علم التواصل، يعتبر الفَهم العميق من مهارات التَّلَقي الفَعّال، حيث يُعتبر التفاعل مع النصوص أو الأقوال جزءاً من هذا الفهم، فإنسان ذو تفكير نقدي يُحَلِّل ما يسمع أو يقرأ، ليصل إلى ما وراء الكلمات، ويبحث في المغزى المقصود.

أما من الناحية النفسية، يرتبط الفَهم بصفات كالاستبصار والبصيرة والنضج العقلي، الأشخاص الذين يمتلكون القدرة على الفَهم يميلون إلى الانفتاح على أفكار جديدة، ويبحثون عن الحكمة في النصوص التي تصلهم، فهم مدركون لأبعاد المعاني، ويتجاوزون السطحية، وقد توصلت دراسات نفسية إلى أن الأشخاص الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الفَهم يتجنَّبون الأحكام المسبقة، ويتأنُّون قبل الرَّد، لأنهم يُفكرون في كل كلمة تُقال لهم من زوايا متعددة، وهو ما يقوي علاقتهم بالنصوص التي يقرؤونها أو الأقوال التي يسمعونها.
 
تتجلَّى هذه الحكمة في ميادين عديدة:

ففي التعليم، على المعلم أن يستخدم طرقاً مختلفةً لشرح المعلومة وفقاً لقدرة طلابه على الاستيعاب، فعندما يكون في الفصل طلاب من مستويات مختلفة في الفهم، فإن عليه أن يصرف جهده بشكل أكبر مع الطلاب الأكثر استعداداً، مع محاولة رفع مستوى فهم الآخرين.
 
وفي التبليغ والدعوة إلى الله يجب على العالم أن يراعى مستوى المخاطَبين، وذلك يتطلَّب أن يكون لديه معرفة بالأفراد، وأن يُمَيِّز بين من يمتلك الفهم العميق ومن يحتاج إلى تبسيط، وقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "إِنّا مَعَاشِر اَلْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ اَلنَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ".
 
وفي العلاقات الاجتماعية والشخصية، من الضروري اختيار الكلمات بحكمة عند التحدث مع الآخرين، فكل فرد له مستوى مختلف من الفهم والتقَبُّل، وأن يتجَنَّب الشخص الحكيم الخوض في مواضيع معينة مع أشخاص يفتقدون للقدرة على استيعابها، لأن هذه المواضيع قد تؤدي لسوء فهم أو خلافات غير مجدية.

ومن الضروري لكل فرد منا أن يعمل بجهد على تطوير مهاراته في التفكير، والفهم، والتفكير النقدي، والنظر بعمق في المعاني والأفكار، وعدم الاكتفاء بما هو ظاهر، وأن يستمع بعناية إلى الآخرين، واستيعاب ما يُقالُ له، وإدراك أبعادالكلام قبل الرَّد، وأن يختار كلماته بعناية فائقة ويتأكَّد من أن مخاطَبيه قادرون على فهمها.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha