
ورُوِيَ عن
الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ كانَ غَرَضُهُ الْباطِلَ لَمْ يُدْرِكِ الْحَقَّ وَلَوْ كانَ أَشْهَرَ مِنَ الْشَّمْسِ".
من كان هدفه أو غايته الباطل، أو كان مصراً عليه، فإنه لن يصل إلى الحق حتى لو كان الحق واضحاً كالشمس، هذا ما يؤكده الإمام أمير المؤمنين (ع)، وبه يسلط الضوء على ارتباط الغرض بالنتيجة، وأثر نوايا الإنسان وأهدافه على قراراته ومساراته في الحياة.
إن أهل الباطل هم أولئك الذين يسعَون وراء أهداف تخالف الحقيقة والعدالة، ومن أبرز صفاتهم:
أولاً: التمسُّك بالأهواء الشخصية: فإنهم يفضلون رغباتهم وأهواءهم على الحقائق الموضوعية.
ثانياً: الاستكبار والغرور: إذ يرفضون الاعتراف بالخطأ حتى لو كان الحق واضحاً.
ثالثاً: الانحراف الأخلاقي: إذ يسعون لتحقيق مكاسبهم شخصية على حساب المبادئ الصحيحة والقيَم الأخلاقية السامية.
رابعاً: التضليل وتزييف الحقائق: إنهم يعتمدون دائماً على الخداع والتزوير والتلبيس لإخفاء الحق.
خامساً: الرفض المتعمَّد للحق: حتى لو ظهر لهم الحق جلياً، فإنهم ينكرونه لتعارضه مع مصالحهم.
ويعود إصرار أهل الباطل على باطلهم إلى مجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية: مثل الجهل، أو الغفلة، أو الفهم المشوَّه للحقائق، أو الخوف من التغيير بحيث يفضلون الواقع الحالي مهما كان فاسداً خوفاً من المجهول، كما يسعون إلى حماية مصالحهم حتى لو تطلّب الأمر إنكار الحق والحقيقة، وقد يكون السبب تأثرهم بالبيئة المحيطة، أو تعظيمهم بل تأليههم القادة الذين يحبونهم حتى وإن كانوا على الباطل، وقد يكون السبب عنادهم وإباؤهم الاعتراف بخطئهم كي لا يَظهَروا في مظهر الضعف أمام الآخرين.
وتدعوهم إلى رفض الحق والإعراض عنه مجموعة من العوامل من أهمها:
أولاً: تعارض الحق مع مصالحهم: إذ يعتبرون أن قبولهم الحق والإذعان له يهدد نفوذهم أو مكاسبهم المادية أو المعنوية.
ثانياً: الضغوط الاجتماعية: فقد يكونون جزءاً من بيئة أو نظام يدعمان الباطل، فيخافون من فقدان مكانتهم.
ثالثاً: الأفكار المسبقة: التي غالباً ما تمنع الإنسان من رؤية الحقيقة التي لدى الآخر.
رابعاً: أن يستحوذ الشيطان عليهم فيستسلمون له استلام العاجز عن رؤية ما يخالف إرادته، وليس المراد من الشيطان هنا إبليس وحسب، بل يراد منه كل طاغٍ متمرِد على الحق يأمر بالباطل والطغيان، سواء كان شخصاً، أو كيانا سياسياً أو وسيلة إعلامية.
بقي أن أشير إلى أمر مهم جداً -خصوصاً أننا في زمان كثر فيه الباطل وأهله، واتسعت دائرة تأثيره بما يملك من إمكانيات مادية وسياسية وإعلامية، واتسعت دائرة التأثر بدعايته- أن علينا أن لا نُخلي الساحة للباطل وأهله، وأن نعمل بصبر، ومثابرة، ونَفَس طويل، وإيمان بقوة الحق، وأن نبذل ما يمكننا من جهود لنشر المعروفة والوعي، وكشف الحقائق وتفنيد الأكاذيب، واعتماد الحقائق والبراهين لإظهار زيف ادعاءاتهم، وتقديم نماذج حقيقية تعكس الإلتزام بالحق، ومحاورة المُضلَّلين التائهين حواراً جاداً وبنّاءاً، والسَّعي الجاد لتحقيق غاياتنا النبيلة التي تستند إلى الحق والعدل.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: