
هل علينا أن نتحسب لخطر أن يكون وقف النار في قطاع غزة فعل ترقيد وإشغال عن الاستعدادات لتوجيه ضربة لإيران أو لبدء عدوان تصفوي همجي على الضفة الغربية وفلسطيني الـ48 تساوقاً مع ما حصل على إثر وقف النار في لبنان وتم إستهداف سورية؟
مهما كانت الدوافع والأسباب وما يجري التخطيط له فان وقف النار في غزة انتصار نوعي واستراتيجي لغزة والمقاومة وفلسطين يجب ما قبله ويفتح المنطقة والصراع العربي الإسرائيلي الأمريكي على حقبة تاريخية جديدة كل مجرياتها ومستقبل التطورات والأحداث تتقاطع فلسطينياً وعربياً وعالمياً عند حقائق جديدة واقعية ومعاشة مؤداها إسرائيل دخلت طور الهزيمة التاريخية المؤسسة لزوالها وستأخذ معها الهيمنة الإنجلو ساكسونية والنظم والدويلات التي صنعها الاستعمار من نتاىج الحرب العالمية الأولى التأمين تقسيم وتخلف ونهب ثروات المنطقة خدمة للمصالح الاستعمارية وأدواتها.
إقرأ أيضاً
إنتصار غزة بعد 16 شهراً من أقسى الحروب بقيادة وتمويل وتذخير وشراكة أمريكا وعالمها العدواني المتوحش وقد بذلت إسرائيل وأمريكا وحلفهم والنظام الرسمي العربي والإسلامي في ظل صمت الشعوب وانشغالها كل ما لديهم من قوة وعناصرها وأفعال إبادة وتدمير واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً ما يؤكد أن الزمن والمستقبل بات طوع يد الشعوب والمقاومات وان زمن التحرير قد ازف وقد أعلنها نتنياهو وغالانت حرب وجودية وجزما بالقول: إن هزمت اسرائيل فلا مكان لها في المنطقة وقد أقرت بهزيمتها في الخضوع صاغرة والاستجابة لشروط المقاومة ومفاوضتها والاقرار بعدم تحقيق أي من أهداف الحرب وانكشاف كئبتها وسقوط سرديتها وتحول القضية الفلسطينية إلى أولوية شعبية عالمية
مبروك لغزة وشعبها وفصائلها ومبروك للشعب الابدي الاسطوري في صموده وتضحياته وتصميمه على المقاومة والسعي لاستعادة الحق القومي والوطني كاملاً.
وإنتصار غزة والشعب الفلسطيني وخيار المقاومة تأكيد قاطع على أن زمن تحرير فلسطين والعرب والإقليم قد جنى زمانه والمقاومة مستمرة برغم الإكلاف الهائلة والتضحيات الحسان وستنتصر.
حان وقت الإجابة على سؤال: لماذا انتصرت غزة؟ والأهم ان يكون البحث والتفاعل عقلانياً بعيداً عما نتمناه وخال من عنتريات فارغة لا تغني ولا تزيد بقدر ما تضلل وترسم أوهاماً تنعكس إحباطاً ويأساً وتشكيكاً.
لم يكن أمراً عبقرياً ولا قول لسحرة ومنجمين ان عام ٢٠٢٣ ستشهد حدثاً سيؤدي إلى آخر الحروب العربية الإسرائيلية بل أشدها واعنفها وان توصف وتتخذ صفة الحرب الوجودية وكما جزم نتنياهو وغالانت بالقول ان هزمت فيها إسرائيل فلا مكان لها في المنطقة وقد صدقا القول.
فهم الواقع وضبط تحولاته وأحداثه واقعياً وكما هو بواقعية يوفر القدرة على معرفة ما يكون فلا دخان بلا نار ولا يكون إن لم تتوفر شروط كونه.
وقوع ما تم توقعه يعطي القدرة على فهم ما وقع وما ترتب عليه من نتائج ووما سيكون من تطورات ما يسهل فهم الجاري ومعرفة الآتي.
برغم سقوط النظام السوري والتهويل الذي رافقه وبرغم الضربات المؤلمة التي أصابت حزب الله والحشد الشعبي العراقي وخروجهم من الحرب ووقف اسنادهم لغزة لم نتهيب ولا ترددنا جازمين ان اسرائيل هزمت في الحرب وان محور المقاومة كما توقعنا لم ينتصر.
ودابنا على القول وتكراره: ان الحروب تحسب بنتائجها وبما تحقق فيها من أهداف المتحاربين ولا تحسب بكلفتها أو مدتها أو شدتها ومسارحها. وقلنا وكررنا القول: إن الذي يقرر نتائج الحروب هو ميزان القوى الكلي والبيئات الاستراتيجية للحرب وليس المعارك التكتيكية الجزئية. وجزمنا بأنها تميل لصالح المقاومة ومحورها وستنتصر غزة وان تخلف الآخرون أو ترددوا وعجزوا عن فهم الحرب وتوصيفها او تلكؤ في خوضها.
انتصار غزة لم يفاجئنا قط تماماً كما عرفنا وجاهرنا: ان ترامب سيحدث تحولات عاصفة ويصفع نتنياهو على قفاه فقد نضجت ظروف وبيئات أن تعامل إسرائيل من صناعها وحماتها زائدة دودية ملتهبة وعبء بعد أن كانت كنزاً.
لسنا بصدد محاججة الهوبرجية والساذجين القابعين في عقولهم ومناهجهم في التفكير وفهم الواقع وصناعة المستقبل في قعر الصندوق عاجزيت عن التفكير من خارجية فذلك شأنهم وشأن من يصدقهم ويتابع اقولهم.
آملين ان يرتقي الحوار وان تدرك العقول اننا في زمن غير المسبوقات. وان الحرب هي القابلة القانونية لتوليد الجديد وانها معمودية النار للأمم والشعوب تكشف الحق من الباطل. والواقع من الأوهام فهي الامتحان القاسي. وعند الامتحان يكرم المرء او يهان.
غزة صنعت عجيبة طوفان الأقصى وحققت اسطورة المقاومة والصمود وكشفت عن مجاهديها الأساطير فاستحقت أن تنتزع نصر تاريخي غير مسبوق مؤسس في الزمن الآتي والواقع المرجح ان يصير بلا إسرائيل وبلا النفوذ الأمريكي الغربي.
انتصار غزة يعوض عما أصاب محور المقاومة واخفاقاته ويشكل درساً بل دستة من الدروس لابد من التعرف إليها والأستناد لها لفهم الجاري وما سيكون، ولصفعة ترامب لنتنياهو تتمة فقد دخل العرب والإقليم والعالم حقبة ولادة الجديد ودفن القديم الذي انتنت جثته.
سقط النظام السوري لأسبابه وليس لقوة نتنياهو أردوغان وتلقى المحور الضربات المؤلمة لاسبابه ولانه اخفق في فهم الحرب والتعامل معها وليس لان إسرائيل وحلفها اقوياء. وهزمت إسرائيل لافتقادها لكل عناصر القوة وهزال قوى اسنادها وانتصرت غزة لأنها صاحبة حق قومي ووطني وقررت ان تقاتل حتى النصر فكان لها.
الكاتب والمحلل السياسي والاستراتيجي اللبناني الدكتور ميخائيل عوض
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: