
معادلة في غاية الأهمية، وفهمها والعمل على أساسها أهم، وهي على شدة إيجازها تختزل رؤية شاملة وعميقة لعلاقة الإنسان بمعرفته، وتأثير تلك المعرفة على أفعاله وسلوكه.
إقرأ أيضاً
المعرفة، كما أفهم من سياق العبارة، ليست مجرد إدراك عقلي أو تخزين للمعلومات، بل هي إدراك ينير البصيرة ويهدي العمل، أي يجعل العمل صحيحاً، هادفاً، ومتقناً، ومنسجماً مع القيم الأخلاقية السامية، وموافقاً لرضا الله تعالى وبعيداً عمّا يُغضِبه.
يمكننا تقسيم المعرفة هنا إلى قسمين:
أولاً: المعرفة الدينية: وهي تشمل معرفة الإنسان بالله سبحانه وتعالى، وصفاته وأسمائه الحسنى، وما يرضيه وما يغضبه، ومعرفة الأحكام الشرعية، الحلال والحرام، والحدود التي وضعها الدين في التعامل مع النفس والآخرين، هذه المعرفة توجّه الإنسان إلى السير في طريق الطاعة والبعد عن المعصية.
ثانياً: المعرفة الدنيوية: وهي المعرفة العامة المتعلقة بأمور الدنيا، مثل فهم قوانين الحياة، ومعرفة النفس، والعواقب الناتجة عن الأفعال، فالإنسان الواعي يدرك أن لكل فعل نتيجة وأثر، سواء في الدنيا أو الآخرة.
فالمعرفة هنا شاملة، تجمع بين الدين والدنيا، لأن كلاً منهما مرتبط بالآخر، والإمام علي (ع) يربط بين هذين الجانبين في جوهرته.
أما الكَفُّ، فيعني الامتناع عن فعل شيء، سواء كان قولًا أو عملًا، بناءً على المعرفة التي يمتلكها الإنسان، بحيث يصبح قادراً على التحكم في أفعاله وتوجيهها وفقاً لما تمليه عليه تلك المعرفة.
إن "كَفَّ" في هذا السياق تحمل معاني عديدة:
أولاً: الكَفُّ عن المعاصي: فالإنسان الذي يعرف الله حق المعرفة ويعي عواقب أفعاله يكُفُّ عن ارتكاب الذنوب، سواء كانت في حق الله، أو في حق نفسه، أو في حق الآخرين.
ثانياً: الكَفُّ عن الإسراف والمبالغة: فالمعرفة تجعل الإنسان أكثر وعياً بحدود قدراته وموارده، فيكُفّ عن المبالغة في الإنفاق أو الطمع في الدنيا.
ثالثاً: الكَفُّ عن إيذاء الآخرين: فإن المعرفة الحقيقية تجعل الإنسان رحيماً عطوفاً، فيكف عن الظلم أو الإساءة إلى الآخرين، سواء بالكلمة أو الفعل.
رابعاً: الكَفُّ عن الجدال والمِراء: فمن يعرف الحق يتجنَّب الجِدال العقيم الذي لا يؤدي إلا إلى تضييع الوقت وإثارة الشحناء.
لقد تبين مِمّا سبق فلسفة الربط الذي قامه الإمام (ع) بين المعرفة والعمل، واتضح لنا أن المعرفة الحقيقية تثمر سلوكاً مستقيماً، فالمعرفة ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة تهدي الإنسان إلى العمل الصالح، والكف عن العمل السيئ، والخطأ والسلوك السلبي، فالمعرفة من دون تطبيق تبقى ناقصة، بل قد تكون حجة على صاحبها إن لم يعمل بموجبها. وكما قال الإمام علي (ع): "العِلْمُ مَقْرونٌ بِالعَمَلِ، فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ، ومَنْ عَمِلَ عِلِمَ".
فأما الفوائد التي نستفيدها من هذه المعادلة فهي: ضرورة ترجمة المعرفة إلى سلوك عملي، وأن المعرفة توجد لدى الإنسان بصيرة نافذة، ورؤية واضحة للأمور، وتعرِّف الإنسان الحدود التي يجب أن يتوقف عندها، وتبلغ به مقام التقوى، فهي الأساس الأهم للتقوى والعصمة.
بقلم الباحث اللبنانی في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: