ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنِ اقْتَحَمَ اللُّجَجَ غَرِقَ

21:04 - February 13, 2025
رمز الخبر: 3498982
بيروت ـ إکنا: إن الحياة أزمات، وصعوبات، وعقبات، وصراعات، ونزاعات، وعداوات، وحروب، خصوصا تلك الحياة الاجتماعية الخارجة عن الأخلاق.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنِ اقْتَحَمَ اللُّجَجَ غَرِقَ".
 
في هذه الجوهرة الكريمة، يكشف الإمام أمير المؤمنين (ع) عن معادلة أخرى من معادلات الحياة، معادلة تقوم على الربط بين اقتحام المخاطر دون تدبُّر في النتائج، ودون تخطيط سليم، ودون وسائل كافية، وبين الغرق في المشاكل والأزمات، وهي تمثل خارطة طريق لعبور بحر الحياة المتلاطم مَوْجُه، بوعي وبصيرة وذكاء وحنكة وحكمة وشجاعة، واعداد متواصل، وقدرة على اقتناص الفُرَص، ومواجهة التهديدات والإفادة منها.

إن الحياة أزمات، وصعوبات، وعقبات، وصراعات، ونزاعات، وعداوات، وحروب، خصوصا تلك الحياة الاجتماعية الخارجة عن الأخلاق، والتي وبأسف أقول: أضحت اليوم مَلمَحاً بارزاً من ملامح الحياة المعاصرة، إن الخوض في غمارها يحتاج إلى حكمة، ودراية، ووعي، وفَهم للإحداث وصانعيها والمؤثرين فيها، ولا يجوز بحال من الأحوال أن يقتحمها المَرء دون وَعيٍ وأناة، وتخطيط، وتدبُّرٍ في عواقب الأمور.
 
لقد جاء تعبير الإمام (ع) عن هذه المعادلة في غاية الدقة والبلاغة، فاللُّجَجُ: جمع "لُجَّة" وهي المياه العميقة التي تخلق أمواجا عاتية، واستعمالها في لسان العرب استعمال مجازي يرمز إلى المشاكل المعقَّدة والمخاطر المحسوبة وغير المحسوبة. والاقتحام: يعني الدخول بسرعة وقوة وعنفٍ، واستعماله هنا للتعبير عن التسرُّع في القرارات أو الأعمال والخطوات من دون تخطيط سابق، وتدبُّر في العواقب، ولا شك أن تكون النتيجة الحتمية لذلك هي الغرق في المصاعب والأزمات، والفشل في تحقيق الأهداف أو الدفاع عنها.
 
وهذا ما لا يحتاج إلى حشد الأدلة والبراهين لإثباته، فإن تجاربنا الفردية والجَماعية تشهد لذلك، ولهذا جاء التشديد في الأحاديث الشريفة على التدبُّر في العواقب قبل الإقدام على الأفعال، كما جاء التأكيد على إتقان العمل، ولا شَكَّ في أن من أهم صور إتقانه ألا يباشره الشخص إلا بعد أن يتأكد أو يحتمل احتمالاً كبيراً بنجاحه فيه.
 
لقد جاء في السيرة النبوية الشريفة أن شاباً طلب من رسول الله (ص) أن يوصيه بوصية تنفعه في دنياه وفي آخرته، أي: وصية جامعة نافعة تنفعه في كل حال من أحواله، فأكرمه رسول الله (ص) بوصية تنفع الناس، كل الناس، المؤمن منهم وغير المؤمن، المُسلم وغير المُسلم، حتى المُلحد تنفعه، ويمكنه أن يتخذها قاعدة لحركته في الحياة.

قال الشاب: أوصني يا رسول الله، فقال رسول الله(ص): هَلْ أَنْتَ مُسْتَوصٍ إِنْ أَنا أَوْصَيْتُكَ؟!، فقال الشاب: نعم، فكرَّر رسول الله السؤال مرتين، والشاب يجيب بقول: نعم، فقال رسول الله (ص): "فَإِنِّي أُوصِيْكَ، إِذَا أَنْتَ هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَتَدَبَّرْ عَاقِبَتَهُ فَإِنْ يَكُ رُشْداً فَامْضِهِ، وَإِنْ يَكُ غَيّاً فَانْتَهِ عَنْهُ"
 
في هذه الوصية النبوية الشريفة، إضافة إلى الجوهرة العلوية الكريمة "مَنِ اقْتَحَمَ اللُّجَجَ غَرِقَ" دعوة إلى التحلِّي بالحذر، واليقظة، في جميع جوانب حياتنا، وعدم التَّسَرُّع في اتخاذ القرارات، أو المباشرة بالأفعال قبل التأكد من سلامتها وسلامة نتائجها، وأن تكون جميع خطواتنا محسوبة بحسابات دقيقة، وفق تخطيط جيِّد يلحظ الواقع والظروف، والإمكانيات، والنتائج المتوقعة، والمعوِّقات، وردود الأفعال، مع الاستعداد اللازم، والتأهيل العلمي والمعرفي، والنفسي، والبدني المطلوب لذلك.
 
على أن يواكب ذلك بالتوكُّل على الله تعالى، فإن التخطيط والاستعداد لا يعني أن يعتمد المَرء عليهما وحسب، بل يجب أن يتوكَّل على الله ويعتمد عليه في جميع الأمور لأنه تعالى هو الوَلِيٌّ، والمعين، والموفِّق. 

بقلم الباحث الايراني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha