
ورُوِيَ عن
الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ أَحْكَمَ التَّجارِبَ سَلِمَ مِنَ الْمَعاطِبِ".
معادلة مهمة، نحتاج إلى العمل بمقتضاها طول حياتنا، إنها تدعونا للتأمُّل في قيمة تجاربنا أو تجارب الآخرين، والدروس والعِبَر المُستَخلَصَة منها، واستيعابها وتنظيمها في إطار فكري وروحي سليم، كما تدعونا إلى خوض تجاربنا والمواقف التي نَمُرُّ بها في حياتنا بوعي ودقة وحكمة وإتقان، فبذلك يمكننا أن نتجَنَّب أخطار المزالق والمعاطِب في دروب الحياة.
مِمّا لا شَكَّ فيه أن اكتساب الخبرات والتجارب هو من أهم وسائل نُضج الفرد وتطوره، فالتجارب سواء كانت ناجحة أو فاشلة، تُشكّل مصدراً لا ينضب للدروس والعبر، ومن هنا نجد أن إِحكام التجارب يعني القدرة على استخلاص الحكمة من تلك الخبرات وتحويلها إلى مرشد يساعد الإنسان في اتخاذ قرارات رزينة حكيمة.
ومِمّا لا جدال فيه أن الشخص الذي ينجح في الاستفادة من تجاربه واستنباط العبر منها يكون أقل عرضة للوقوع في أخطاء مشابهة، وبكلمة أخرى: عندما يكون الإنسان واعياً لتجارب الماضي ويعمل على تحليلها وفهمها، فإنه يدفع عن نفسه الوقوع في فخِّ التجارب المتكرِّرة، أو الأخطاء الناجمة عن الجهل أو التسرُّع.
ولا يختلف اثنان في أن استثمار التجارب يرتبط ارتباطا وثيقاً بوعي الإنسان ومحاسبته لنفسه، ونقدها، وتقييمها، وتمييز نقاط قوتها ونقاط ضعفها، فمَن يغفل عن نفسه لا يمكنه الإفادة من تجاربه، ولهذا يمتاز الناس عن بعضهم في هذا المجال بين ناجح رغم التجارب القاسية التي مر بها، وبين فاشل رغم الفرص التي أُتيحت له، لأن الأول كان ناقداً لنفسه يحاسبها باستمرار ويداوم على تقييمها، فأما الثاني فكان راضياً عن نفسه، أو مُعرضاً عن واجباته تجاهها بالمحاسبة والتقييم والتقويم.
نستنتج مما سبق:
أولاً: إن للإنسان عدة هوِيّات يُعرَفُ بها، وواحدة من تلك الهويّات تجاربه التي خاضها في حياته، لأنها هي التي تشكِّل شخصيته وتصنعها، ومقتضى ذلك أن يُحكِمَ تجاربه، ويحرص على استخلاص الدروس والعبر منها، وأن يجعلها أداة تهديه وترشده في مستقبله.
ثانياً: إن المعرفة الحقيقية لا تُكتَسَب عبر التلقين النظري وحسب، بل عبر التأمُّل في تجارب الحياة الواقعية، ولهذا قيل: إن الحياة ذاتها مدرسة، ويقال: دعه فإن الحياة ستعلمه، وقيل في المثل الشعبي: أكبر منك بيوم أعرف منك بسَنَة، والسِّرُّ في ذلك كله هو كثرة التجارب التي مرَّ بها الشخص.
ثالثاً: لا يستفيد الشخص من تجاربه إلا إذا كانا نَبيهاً يلتقط الخطأ ويلتقط الصواب، ويعرف نقاط ضعفه ونقاط قوته، ويقوم بتحليل أسباب النجاح وأسباب الفشل، وجاداً في أن ينجح، أما إذا كان عكس ذلك فمن المؤكَّد أن التجارب لن تصنعه، لن تطوِّره، بل كل تجربة يمرُّ بها قد تعيده إلى الوراء كثيراً.
رابعاً: من الضَروري لكل راغب بالنجاح أن يقوم بتدوين تجاربه التي مرَّ بها، وقراراته التي اتخذها، مع ملاحظة العوامل أثَّرت فيها، فهذا يساعده من دون شَكٍّ على الاستفادة منها.
خامساً: من الضروري أيضاً لكل راغب بالنجاح أن يواظب على اكتساب المعرفة العملية من خلال الاطلاع على تجارب الآخرين الناجحة والفاشلة، وأن يتبادل التجارب معهم، فكل تجربة تحمل درساً يستحق الاستخلاص، ومن الضروري أن يستشير ذوي التجارب ويحاورهم فإن ذلك يُسهم بلا شَكٍ في تنمية خبراته.
بقلم الکاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: