
معادلة ذات دلالات عميقة تربط بين إطالة العداوة وفقدان السلطة، مما يجعلها مادة خصبة للتأمل في طبيعة القيادة وعلاقة الحاكم بالمحكومين.
إن العداوة قد تحصل بين شخص وآخر، وحاكم ومحكوم، وبين حاكم وحاكم، هذا أمر متوقع في الحياة الاجتماعية والسياسية، وأسباب ذلك عديدة، منها ما يكون مقبولاً، ومنها ما لا يمكن القبول به، وأياً يكن السبب فإن إطالة العداوة والاستمرار بها، يؤدي إلى كثرة أعدائه وتآكل شرعيته، وتراجع قبول الناس له، وعجزه، وزوال سلطانه.
إقرأ أيضاً
في هذه المعادلة يؤكد الإمام أمير المؤمنين (ع) على أن السلطة لا تبقى بدون مشروعية وشرعية ولو كانت قوية عسكرياً وأمنياً، وأنه كلما زادت العداوة والمعارضة تجاه الحاكم ضمرَت شرعيته في الناس، مما يؤدي حتماً إلى زوال حكمه.
كما تعكس هذه المعادلة أهمية العلاقة الإنسانية والأخلاقية بين الحاكم وشعبه، فكلَّما كان الحاكم إنسانياً في سلوكه، أخلاقياً في ممارساته، حريصاً على الناس، يشاركهم الهموم والغموم، ويتواصل معهم باستمرار، ولا يستعديهم ولو اختلفوا معه في رأي أو توجُّه، كان أقدر على إدامة حضوره فيهم وقيادته لهم، أما إذا فقد ذلك ولم يبالِ بالناس، يعاديهم لأتفه الأسباب وأعظمها، ويديم عداوته لهم، ولا يبادر إلى إعادة وصل ما انقطع بينه وبينهم فمن المؤكد أن يفشل في إدارة أمورهم، وأن ينتهي به الأمر إلى فقدان ولائهم، وتظاهرهم عليه.
لا يقتصر الأمر على الحاكم السياسي، بل يمتد ليشمل كل من يدير جمعاً من الناس، وصولاً إلى رب الأسرة، وهي أضيق دائرة للتدبير والسياسة، فقد تحصل بين واحد من أفراد الأسرة وربِّها خلافات، أو قطيعة وعداوة، فلا يليق برب الأسرة أن يطيل ذلك، بل عليه أن يبادر إلى معالجة الأمر ودفع العداوة بالمودة والرحمة، فإن لم يفعل فَقَدَ ربوبيته لأسرته، وفَقَدَ مكانته لدى زوجه.
وهكذا الحال بالنسبة إلى الشخص الذي يدير مؤسسة، أو شركة، فقد تحدث خلافات بينه وبين مرؤوسيه، وقد ينتج عن ذلك عداوة بينه وبينهم أو بينه وبين بعضهم، إن المدير الذي يستهين بعداوة مرؤوسيه، أو يسارع هو إلى استعدائهم لأقل اعتراض يبلغه منهم، ويستمر على عداوته غير آبه بما يترتب عليها من سلبيات، فمن المؤكد أنه سيخلق بيئة قَلِقَة متوترة ما يؤدي إلى فشله، أو استبداله، أو تقهقر المؤسسة برمتها.
الإمام (ع) يرى أن الإدارة الناجحة هي التي ترتكز على رضا المرؤوسين ومحبتهم ومودتهم للمدير والرئيس والحاكم، فعندما يكونون كذلك يجعلون من قائدهم مَثَلًا أعلى لهم يقتدون به، فيكون المدير والرئيس هنا قائداً على القلوب والأرواح، فيمحضه مرؤوسوه المودة والمحبة، ويصيرون طوع يمينه، أما المدير الذي يعتمد في إدارته وتأثيره على سلطاته وما يمنحه القانون من صلاحيات فإنه سيفشل بالتأكيد.
نستنتج مِمّا سبق: أن على ربِّ الأسرة والعمل والمسؤول والقائد السياسي أن يعمل على تقليل الخلافات ما أمكن، وأن يسارع إلى تجاوزها إن حدثت، وألا يطيل الخصومة والعداوة، وأن يُحسِنَ التواصل مع الآخرين، ويستمع إليهم، ويحاورهم، ويكون شفّافاً معهم، ويحرص على بناء الثقة بينه وبينهم، ويتفادى كل أمر أو موقف يؤجِّج العداء، ويتجنَّب الظلم لأن العدل شرط لاستقرار العلاقات، وأن يحرص على مراجعة ذاته ونهجه وما يصدر عنه، فإن وجد خطأ أو انحرافاً سارع إلى تصحيحه قبل أن يستفحل.
بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: