
ورُوِيَ عن
الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ وَثِقَ بِإِحسانِكَ أَشفَقَ عَلى سُلْطانِكَ".
من اطمأن إلى إحسانك إليه، وحسن تعاملك معه، وإرادتك الخير له، بادلك الإحسان، وكان حريصاً على مكانتك وسلطانك، ومدافعاً عن حضورك وتأثيرك، تلك هي المعادلة التي يكشف عنها الإمام (ع)، والواقع يشهد لذلك، إذ تَمثُل أمامنا هذه المعادلة في معظم مجالات الحياة الإنسانية، فالثري الذي ينفق من ماله على الفقراء والمحتاجين يتمنّى هؤلاء له مزيداً من الثراء، ويندفعون للثناء عليه والدعاء له بطول عمر، والوجيه الذي يشفع للناس ويتوسط لهم عند هذا أو ذاك يحبّه الناس ويُثنون عليه ويرجون له المزيد من الوَجاهة والمَكانة، والموظَّف الذي يحترم الناس ويخدمهم ويُسرِع في إنجاز معاملاتهم يبادلونه الاحترام والتقدير، والسياسي الذي يصدُق مع شعبه ويخلص لهم، ويهتم لأمورهم، ويحمل قضاياهم، ويدافع عن حقوقهم، يبادله شعبه الحب والمودة والاحترام، ويتمنوا أن تطول دولته ويطول عمره، ويندفعوا للدفاع عنه ولربما ماتوا دونه.
إقرأ أيضاً
وإن أردت مثالاً حياً لهذه المعادلة فبين يديك علاقة الناس (بالسيد السعيد رضوان الله عليه) الذي وارته القلوب في الثِّرى قبل شهر، والذي احتشد الناس من كل حَدَب وصَوْب لتوديعه، وكان كل فرد منهم يشعر أنه فقد الأب والابن والأخ والمُدافِع والسَّند الذي كان يستند إليه في المُلمّات والأزمات.
وهذا هو الأمر الطبيعي، فإن الإنسان مفطور على حُبِّ من يُحسِن إليه، أياً يكن ذلك الإحسان، بل إن الإحسان يستعبده، يُصيِّره خادماً للمُحسِن، قال رسول الله (ص) فيما رُوِيَ عنه: "جُبِلَتِ القُلوبُ عَلى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْها، وبُغْضِ مَنْ أَسْاءَ إِلَيْها" ورُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "ما اسْتُعْبِدَ الكِرامُ بِمِثْلِ الإِكْرامِ"
نستنتج مما سبق أن على كل ذي نعمة أو مكانة أو سلطة يريد الفوز بثقة الناس ومحبتهم أن يعاملهم باحترام واكرام، وصدق وإخلاص، وشفافية، ومحبة للخير لهم، ومَدِّ يد العَون إليهم، والاحسان إليهم بما هو أهله، فبهذا تتحول الثقة إلى رابطة مقدسة تربطه بهم.
ونستنتج أن على القائد والسياسي أن يعتمد الاحسان بمختلف صوره أساساً لقيادته وسياسته، وأن يمارس دوره مع الناس وفق معايير العدالة والخير، وانسجام سيرته مع القيم الأخلاقية والإيمانية السامية.
ونستنتج ضرورة إدراك القائد والسياسي أن الثقة التي يضعها الناس فيه تفرض عليه رقابة ذاتية، من خلال الاعتقاد بأنه عبد لله وأنه يؤدي تكليفه الإلهي في قيادة الناس إلى ما فيه رضى الله تعالى، والالتزام الدائم بمحاسبة النفس وتزكيتها وتنمية فضائلها.
إن معادلة "مَنْ وَثِقَ بِإِحسانِكَ أَشفَقَ عَلى سُلْطانِكَ" رسالةٌ دائمةٌ للقائد والحاكم بأن السلطة مسؤولية عظيمة تتطلّب الالتزام بمبادئ الإحسان والعدل، والتمسّك بهذه المبادئ يُعدُّ ركيزة أساسية لتحقيق مجتمع عادل ومتراحم، حيث تلتقي العدالة مع الرحمة بين الشعب والحاكم.
بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال الوهبي