
منذ أن أصبحت بلغاريا جزءًا من
الاتحاد الأوروبي، وُلد واقع جديد حمل في طياته فرصًا وتحديات لمواطنيها، خاصة للمسلمين منهم. فقد سهّلت حرية الحركة تنقل البلغاريين إلى دول أوروبا الغربية بحثًا عن مستقبل أفضل، وكان من بين هؤلاء عدد متزايد من المسلمين، سواء ممن اختاروا الهجرة الدائمة أو من يعملون بنظام موسمي. وفي ظل هذا الحضور المتنامي، برزت الحاجة إلى دعم ديني وثقافي يحفظ الهوية ويصون الروح الجماعية للجاليات في المهجر.
واستشعارًا لهذا الواقع، أقدمت دار الإفتاء العامة في بلغاريا على خطوة غير مسبوقة باستحداث منصب جديد تحت مسمى "المنسق الأوروبي لشؤون المسلمين البلغار في أوروبا"، ليكون جسرًا بين الجاليات المنتشرة في القارة العجوز والمؤسسة الدينية الأم في الوطن.
إقرأ أيضاً:
وقد أُسند هذا الدور إلى أحد أبرز وجوه المؤسسة، الشيخ مصطفى إزبيشتالي، المفتي الإقليمي السابق في صوفيا، والمعروف بخبرته الطويلة وتواصله الفعال مع أبناء الجالية.
والمهمة الملقاة على عاتق الشيخ إزبيشتالي لا تقتصر على التنسيق الديني فحسب، بل تتعداه إلى تمكين الجاليات من بناء مؤسساتها، وربط الأجيال الجديدة بجذورها، وتوفير الدعم الثقافي والتعليمي الكفيل بمواجهة تحديات الاندماج والاغتراب.
وفي حواره الخاص مع "مسلمون حول العالم"، استعرض الشيخ مصطفى إزبيشتالي، المنسق الأوروبي لدار الإفتاء العامة في بلغاريا، رؤيته للمستقبل وجهوده لبناء شبكة موحدة للجاليات المسلمة البلغارية في أوروبا.
وأكد الشيخ إزبيشتالي أن إنشاء جمعيات للمسلمين البلغار في عدة دول أوروبية يمثل خطوة كبيرة نحو تعزيز الارتباط بين الجاليات البلغارية في الخارج وبين دار الإفتاء العامة في بلغاريا.
وأوضح أن الهدف من تلك الجمعيات هو تسهيل التنسيق وتوحيد الجهود لتلبية احتياجات الجالية المسلمة في مختلف دول المهجر، مشيرًا إلى أهمية هذه الجهود في الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية في ظل التحديات التي تطرحها عملية الاندماج في المجتمعات الأوروبية.
كما تحدث الشيخ مصطفى عن الدور الحيوي الذي لعبه في تنظيم اللقاء الأوروبي الأول للمسلمين من بلغاريا في أوروبا، الذي انعقد في أبريل 2025 في مدينة "بامبلونا" الإسبانية. هذا اللقاء، الذي جمع ممثلين عن الجاليات البلغارية في عدة دول أوروبية مثل ألمانيا، المملكة المتحدة، بلجيكا، فرنسا، وإسبانيا، شكل منصة مثالية لتعزيز الوحدة والتنسيق بين هذه الجاليات، ووضع الأسس الأولى لإقامة رابطة جامعة تمثل مصالح المسلمين البلغار في أوروبا.
وأكد الشيخ مصطفى أن أعداد المسلمين البلغار في أوروبا تتراوح بين 380,000 و400,000 شخص، منتشرين في دول مثل ألمانيا، فرنسا، المملكة المتحدة، إسبانيا، بلجيكا، هولندا والسويد. وأشار إلى أن الأنشطة واللقاءات التي تم تنظيمها منذ عام 2022 كانت بمثابة خطوة أولى نحو بناء علاقات قوية ومستدامة بين دار الإفتاء العامة والجاليات المسلمة البلغارية في الخارج، حيث تم تأسيس جمعيات في عدة دول، مثل إسبانيا وألمانيا، فضلًا عن إرسال محاضرين وتوزيع كتب دينية باللغة البلغارية للمساهمة في تعزيز الروابط الثقافية والدينية بين الجاليات.
وأكد الشيخ مصطفى أن تأسيس جمعية أوروبية جامعة للمسلمين البلغار في أوروبا أصبح ضرورة ملحة، حيث أن الجالية بحاجة إلى تمثيل شرعي دائم ومستدام يعكس مصالحها ويعزز ارتباطها بالقيم الإسلامية والبلغارية في آن واحد.
وفي هذا السياق، أشار الشيخ مصطفى إلى الدور المهم الذي تلعبه المرأة المسلمة في بلغاريا، مشددًا على أنها تعد عنصرًا محوريًا في تربية النشء، من خلال مشاركتها الفعالة في دورات القرآن الكريم التي تُعقد في المساجد.
وأضاف أن هذا الدور هو ما يسعى لتعزيزه في المجتمعات الأوروبية بحيث يمكن أن يتكرر بشكل مماثل في دول المهجر.
كما تطرق الشيخ مصطفى إلى التحديات التي يواجهها الجيل الثاني من المسلمين البلغار في أوروبا، حيث بدأ هذا الجيل في تشكيل هويته الخاصة ويشعر بارتباط أقوى بالمجتمعات الأوروبية التي ينتمون إليها. هذا الأمر يطرح تحديًا إضافيًا للحفاظ على الهوية الإسلامية، خصوصًا في ظل عمليات الاندماج المجتمعي.
وفي هذا السياق، أكد الشيخ مصطفى أن الحل يكمن في تعزيز التعليم وتنظيم الدورات الثقافية والدينية التي تهدف إلى تقوية الروابط داخل الجالية وتعزيز انتمائها للهوية الإسلامية من خلال أسس تربوية وثقافية متينة.
ويُعتبر المسلمون في بلغاريا جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي والثقافي للبلاد، حيث يشكلون نحو 15% من إجمالي السكان، أي ما يعادل حوالي المليون ونصف المليون نسمة وفقًا لتقديرات غير رسمية. وتنتمي هذه النسبة إلى مجموعة متنوعة من المكونات العرقية، مما يعكس التنوع الكبير داخل المجتمع المسلم البلغاري.
ويعدّ هذا التنوع دليلًا قويًا على الجذور العميقة للإسلام في بلغاريا، حيث تأثرت الهوية الإسلامية البلغارية بالعديد من السياقات التاريخية والسياسية التي شكلت هذا المجتمع المتعدد الثقافات والمذاهب.
المصدر: muslimsaroundtheworld.com