وطالعتنا صحف الصباح بخبر إيراني مفاده أن إيران لن تربط مستقبلها بالمفاوضات مع أمريكا! وإزاء هذا الخبر الصادم فعلًا، لا يسع الباحث السياسي أو الديني إلا التساؤل عن جدوى خيار التفاوض أساساً،طالما أن القيادة الإسلامية في إيران تعلم بحقيقة النوايا الأمريكية تجاه إيران منذ انتصار الثورة عام ١٩٧٩،حيث ظهر لإيران أن الغرب المستعمر كان ولا يزال يسعى إلى الحصار والتخريب والتآمر،وهو لم يتورع يوماً عن الاغتيال والقتل والإرهاب حيث استطاع ذلك، سواء في الداخل الإيراني أو في الخارج! لحرمان الشعب الإيراني من حقوقه ومكامن قوته، وللحيلولة دون أن يكون لإيران أدنى استقرار في واقعها الأمني والسياسي والاقتصادي!
فإيران، ثورةً، ودولةً، وشعباً، خبِرَت هذا الغرب المستعمر جيدًا، وهي لم تذخر جهدًا إلا وبذلته لأجل إقامة علاقات متوازنة مع سائر دول العالم باستثناء الكيان الصهيوني المجرم، ولعل أعظم تجربة أقدمت عليها إيران مع أمريكا والغرب،هي أنها فاوضت وفتحت آفاق التفاوض، وحققت نتائج باهرة في توقيع الاتفاق النووي في عام ٢٠١٥، وكانت النتيجة انسحاب أمريكا من اتفاقية التعاون لمصلحة الكيان الصهيوني!
وهذا ما يجعلنا حيارى في فهم الأطروحة الإيرانية في الدعوة أو الاستجابة لدعوة التفاوض مجددًا! فالغرب هو الغرب لم تتغيّر أهدافه،ولا نوازعه الشيطانية!،بل هو لا يخفي عداوته اتجاه الشعب الإيراني،حصارًا، واغتيالًا، وتخريبًا، وإثارةً للفتن! فلم ينفك هذا الغرب يومًا عن أن تكون له مساعيه الجادة لإضعاف الدور الإيراني في نصرة المستضعفين في العالم، فما معنى قول الرئاسة الإيرانية أنها لن تربط مستقبل بلادها بالمفاوضات!؟ وهل كنتم تتوقّعون فتح أبواب الغرب أمام إيران بعد هذه الحرب المجرمة ضد فلسطين ولبنان وسوريا واليمن؟إن ما يفترض أن تكون عليه إيران فعلًا،هو ربط مستقبل البلاد بالحرب مع أمريكا،وليس بالتفاوض،لأن تجربة عقود من الزمن ،كافيةً لأن تستوعب إيران ما يهدف إليه الغرب في مزاعمه عن الحوار أو التفاوض.
إقرأ أيضاً:
ويكفينا عجبًا أن قادة الجمهورية الإسلامية، استمروا بالتفاوض رغم كل الضغوط والتهديدات بالحرب ضد إيران ومصالحها في العالم!ونحن بحكم خبرتنا البحثية في الدين والسياسة،وكذلك في تاريخ إيران،الثورة،والدولة،نطرح هذه التساؤلات،لتكون بمثابة بيِّنات في سياق رؤيتنا لما ينبغي أن تكون عليه إيران من رفض للحوار تحت الضغوط والتهديد والنفاق!
فإذا لم يكن الشعب الإيراني قد وعى حقيقة ما يراد به وله من أي مستوى في العلاقة مع أمريكا والغرب عمومًا،فإن شيئًا من العجب والذهول سيثار أمام مخيلتنا في واقع كوننا أحرارًا وننشد الاستقلال وعدم العودة إلى التبعية والاستبداد، فالكل في إيران يعلم،أن المطلوب التفاوض عليه،أمريكيًا،هو قوة إيران ودورها الإيجابي في المنطقة والعالم،فلا ينبغي إظهار التفاؤل أو الوحي لنا بأنكم ظننتم خيرًا بالغرب لكي تبادروا إلى ربط مصير إيران وكل قوى الحق في العالم بالتفاوض مع أمريكا!
فهذا اليمن يربط مصيره بالحرب مع الغرب المستعمر، ولا يبالي بما قد تؤول إليه الحرب من نتائج، وذلك لما يعرفه اليمن عن طبيعة العدوانية الأمريكية، وهذا ما لا نرى أنه مجهول في إيران أو غير متوقع، بل هو معلوم يقينًا ما يحتم الخروج من ما يسمى بسياسة المناورة والاستيعاب،طالما أن إيران،قيادةً،وشعبًا،تعي خطورة الموقف في ظل مسعىً أمريكي متواصل للنيل من دور إيران في المنطقة خدمةً للمشروع الصهيوني!
إن مرادنا من تسجيل موقفنا السلبي نابع من قناعتنا بأن المناورة وسياسة التفاوض المرنة ليست مبتنيةً على وقائع وضوابط التحقق الثوري،وخلاصات التجارب،ما يقتضي التحول عن مبدئية التفاوض لصالح الاستعداد لما قد تجود به العدوانية الأمريكية مستقبلًا!
فالرئيس الإيراني لن يربط مصير البلاد بالتفاوض،ولكنه يعطي أمريكا شرعية وفاعلية الضغوط حين تتم المطالبة برفع العقوبات بوضع القيود النووية على حق الشعب الإيراني؛ فإذا لم تكن لهذا الكلام صدقية الموقف، فلا شك أن التفاوض مع المستعمر على أدنى الحقوق المشروعة يعتبر ربطًا للبلاد بالمصير التفاوضي! فأمريكا تناور لاكتشاف حقيقة الموقف الإيراني،فليكن الرد المباشر،دولة،وشعبًا،برفض التفاوض والانسحاب منه،وإعلان الموقف المناسب للأطر الثورية التي اعتاد عليها الشعب الإيراني في مواجهة الأعداء.والسلام.
بقلم أ.د.فرح موسى:رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية