بمناسبة عيد الأضحى المبارك وجّه تجمع العلماء المسلمين رسالة إلى اللبنانيين عامة والمسلمين خاصة، تلاها رئيس الهيئة الإدارية سماحة الشيخ الدكتور حسان عبد الله، هذا نصها:
أيها اللبنانيون...
يكتسبُ عيدُ الأضحى المبارك هذا العام أهميةً استثنائيةً، إذ تحولتْ معاني وقيمَ التضحيةِ إلى واقعٍ عمليٍّ نشاهدُهُ كلَّ يومٍ في فلسطينَ ولبنان، حيث تقومُ آلةُ الدمارِ الصهيونيةِ بإبادةِ البشرِ والحجرِ في غزة، والعالمُ يراقبُ هذه المجازرَ دون أن يعملَ على حلِّها، في مشهدٍ يدلًّ على انعدامِ قيمِ العدالةِ والإنسانيةِ لديه، بل إنه يزودُ الكيانَ الصهيونيَّ بآلةِ الدمارِ هذه.
أيها اللبنانيون... أيها المسلمون في العالم..
إن المعانيَ التي يحملُها عيدُ الأضحى كثيرةٌ ولعلَّ العنوانَ الأبرزَ هو ما يعنيهِ اسمُ العيدِ وهو التضحيةُ بأغلى ما نملكُ في سبيلِ الامتثالِ لأمر الله سبحانه وتعالى، فكما استعدّ إبراهيمُ (عليه السلام) للتضحيةِ بإسماعيلَ (عليه السلام) امتثالاً لأمرِ اللهِ بذبحهِ، علينا أن نستعدَّ لتقديمِ أغلى ما نملكُ امتثالاً لأمرِ الله تعالى. وعندما يعرضُ لنا الشيطانُ لثنينا عن هذا الامتثالِ علينا أن نرجُمَهُ بحجارةٍ معنويةٍ كما رجَمَهُ إبراهيمُ (عليه السلام) بحجارةٍ ماديةٍ، عبّرتْ عن رفضِهِ لوسوساتِهِ.
ونعلنُ أن آذَانَنا وعقولَنا صمّاءُ عن أن تستمعَ إلى تحريضهِ فلا ندخلُ في فتنةٍ ولا نعادي أهلَنا، بل نعتبرُ أن عدوَّنا الأوحدَ هو العدوُّ الصهيوني.
يمرُّ علينا عيُد الأضحى وقد مارسْنا تعاليمَهُ عملياً من خلالِ التضحياتِ التي قدّمَها محورُ المقاومةِ في سبيلِ القضيةِ الفلسطينيةِ، والتي كان على رأسِها استشهادُ شهيدِنا الأسمى سيدِ شهداءِ الأمةِ السيد حسن نصر الله والسيدِ الهاشميِّ السيد هاشم صفي الدين، واستشهادُ رئيسيّ المكتبِ السياسيِّ لحركةِ حماس إسماعيل هنية ويحيى السنوار، لنثبتَ للعالمِ أنّ إيمانَنا بمقاومتِنا يرخُصُ في سبيلِهِ كلُّ غالٍ ونفيس ولذلك كانت هذه التضحية عظيمة.
أيها اللبنانيون... أيها المسلمون... أيها الاحرار في العالم..
لا ننسى ونحنُ نتحدثُّ عن العيدِ وعنِ التضحيةِ فلسطين، فلا عيدَ لنا وفلسطينُ محتلةٌ، ولا عيدَ لنا والعدوُّ يمارسُ إبادةً جماعيةً على أهلِنا في غزة، ويقتلُ يومياً شباباً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً من شعب فلسطين. وعيدُنا الحقيقيُّ يومَ نُعيدُ لفلسطينَ ألْقَها، ولأهلِها فرحَتَهم، وللمسلمينَ عزّتَهم بتحريرِها منَ الاحتلالِ الصهيونيِّ، ولا يكونُ ذلك إلا من خلالِ التضحيةِ بالغالي والنفيسِ والبراءةِ من المشركينَ وأعداءِ الإنسانية.
أيها اللبنانيونَ في عيد الأضحى نقولُ لأهلنا في لبنانَ نحنُ وإياكم في مركِبٍ واحد، ننجو معاً أو نغرقَ معاً، فلا يحاولُ كلُّ فريقٍ منا ان يتصرفّ بمقعدِهِ في المركبِ بغضِّ النظرِ عن مصلحةِ الفريقِ الآخر، بل علينا أن نُجدِّفَ جميعاً باتجاهِ الوصولِ إلى برِّ الأمان، وهذا لا يكونُ إلا بالوحدةِ الوطنيةِ والخروجِ من المهاتراتِ والدعواتِ الطائفيةِ والمذهبيةِ، وباعتمادِ الثلاثيةِ الماسيةِ "الجيشِ والشعبِ والمقاومة"، التي من خلالها يمكنُ أن نحميَ الوطنَ ويمكنُ أن ندافعَ عن مياههِ وأرضهِ وأجوائه.
انطلاقاً من مفاهيم عيد الأضحى المبارك، ولكي يكون الإحياء إحياء حقيقياً، فإننا ندعوكم إلى ما يلي:
أولاً: ندعوكم إلى الالتزامِ بتعاليمِ السماءِ مهما كانت طائفتُكم أو مذهبُكُم، فكلُّ الرسالاتِ دَعتْ للمحبةِ والألفةِ والتكاملِ والتكافلِ، ونهتْ عن التطرُّفِ، لذا فإن المطلوبَ هو الدعوةُ للعيشِ المشتركِ، ونرفضُ ونشجبُ أيَّ دعوةٍ للتعصبِ الطائفيِّ والمذهبي.
ثانياً: ندعو للتمسكِ بخيارِ المقاومةِ باعتبارهِ الطريقَ الوحيدَ لصونِ الوطنِ وحمايتِهِ من الأطماعِ الصهيونيةِ، وهو السبيلُ الوحيدُ لتحريرِ النقاطِ التي ما زالَ العدوُّ الصهيونيُّ يحتلّها في لبنان، إضافةً إلى مزارعِ شبعا وتلالِ كفرشوبا، وحمايةِ ثرواتنا الطبيعيةِ في مياهِنا وأرضِنا وغازِنا، ونرفضُ كلَّ دعواتِ التطبيعِ مع العدوِّ الصهيونيِّ لأننا في قلبِ الصراعِ وواجبُنا هو الدفاعُ عن أنفسِنا بالقوةِ التي نمتلِكُها، لا بالاستجداءِ من الدولِ الكبرى التي تعملُ لمصلحةِ الكيانِ الصهيوني.
ثالثاً: ندعو فخامةَ الرئيسِ العماِد جوزاف عون لتنفيذِ ما أورَدَهُ في خطابِ القَسَمِ من أمورٍ كثيرةٍ ما زلنا نترقّبُ حدوثَها والإيفاءَ بالقَسم، والتي منها إعادةُ إعمارِ ما هدّمَتْهُ الحربُ، ومنها العملُ على تحريرِ كاملِ الأراضي اللبنانية، ومنها إيصالُ أموالِ المودِعين إليهم، كلُّ ذلك ما زلنا ننتظرُهُ من فخامةِ رئيس الجمهورية.
رابعاً: ندعو علماءَ الدينِ الإسلاميِّ لتوجيهِ المؤمنينَ نحو الوحدةِ الإسلاميةِ ونبذِ الفتنة، والتمسكِ بأهدافِ الدينِ الحنيف، وكذلك الدعوةُ للوحدةِ الوطنيةِ كسبيلٍ وحيدٍ لحمايةِ الوطنِ والعيشِ الكريم.
خامساً: ندعو علماءَ الدينِ الإسلاميِّ لمحاربةِ الفكرِ التكفيريِّ الظلاميِّ، وتبيانِ حقيقةِ الدينِ الإسلاميِّ المحمديِّ الأصيلِ كدينٍ يدعو للمحبةِ والألفة.
إلى العالمِ أخيراً نقول، إنّ الإسلامَ هو دينُ الرحمةِ ودينُ التضحيةِ ودينُ المحبةِ، وليس دينَ القتلِ، وأما الجهادُ فهو فرضٌ علينا نحاربُ من خلالِهِ من يحارِبَنا ولا نعتدي، وندعو لدفعِ الأذى عنا ولا نفتري، ونصون إرادَتَنا واستقلالَنا ولا نهيمن.
إن الإسلامَ دعوةُ عالميةٌ هدفُها ربطُ الإنسانِ بالخالقِ الذي نظّمَ حياتَنا في الدنيا لخيرِنا وسعادتِنا، فمن تقبّل بقَبولِ الحقِّ فاللهُ أولى بالحقِّ ومن رفضَ وأبى فلهُ دينُه ولنا دينُنا ولا يضرُّ ذلك بنا شيئاً إنما أردنا ان يفتحَ الله قلبَهُ للإيمانِ من خلالِ دعوتِنا لأنهُ نظيرٌ لنا في الخَلْقِ ولأنَّ الناسَ كلَّهم عيالُ الله، وأحبُّهم إلى الله أنفعُهُم لعيالِه.
وكل عام وأنتم بألف خير.