
وبمناسبة ذكرى رأس السنة الهجرية1447 وجّه تجمع العلماء المسلمين في لبنان رسالة إلى المسلمين في العالم ولبنان خاصة، تلاها رئيس الهيئة الإدارية سماحة الشيخ الدكتور حسان عبد الله هذا نصها:
أيها المسلمون، أيها العرب، أيها اللبنانيون:
ونحن على أعتاب ذكرى الهجرة النبوية الشريفة تستوقفنا محطات مهمة من تاريخنا المجيد نستفيد منها عبراً نستلهمها في عملنا لمواجهة الصعوبات التي تقف في وجهنا، لقد كانت هجرة الرسول (ص) من مكة المكرمة التي كذبه أهلُها، إلى
المدينة المنورة التي ناصرته وأيدته تعبيراً عن أن النجاة بالدين والعقيدة يحتل عند المسلم المرتبة الأولى، فما معنى أن نكون في أرض لا نستطيع أن نمارس فيها عقيدتنا فنحن لا نستطيع أن نتذرع بضعف الإمكانات وقلة الناصر لترك الدين، بل لا بد من أن نخرج من بيئة الضعف التي نعيش إلى بيئة النصرة التي يوفرها لنا مخلصون مؤمنون بعقيدتنا وديننا "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا".
والهجرة مفهوم واسع متجدد أنها هجران الباطل وانتماء للحق أنها ابتعاد عن المنكرات وفعل للخيرات، إنها ترك للمعاصي وإنهماك في الطاعات، إنها انتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام، إنها انتقال بين كل مكانين يشبهان مكة والمدينة زمن الهجرة ولعل المفهوم الأوسع للهجرة أن نهجر ما نهى الله عنه.
إنه اليوم الأخير من أيام الجاهلية وبداية الحياة لأمة رسول الله (ص) ولعل ما ابتلانا الله من إيذاء على طريق الرسالة منذ زمن الهجرة إلى يومنا هذا هو امتحان للصبر في جنبه تعالى.
إن ديننا لم يكن يوماً إلا دين رحمة وإحسان ودعوة للخير وسمو إلى مكارم الأخلاق، وقد أكد الله ذلك بقوله لنبيه محمد (ص): " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" وبالتالي فإن أية صورة يقدمها الأشخاص أو الجهات للإسلام مغايرة لذلك فهي لا تمت إلى الإسلام بصلة.
إن العدو الأوحد لأمتنا والذي يحتل المرتبة الأولى في سلم أولويات هذه الأمة هو العدو الصهيوني الذي وصفه الله عز وجل بأنه أشد الناس عداوة للذين آمنوا بقوله:"لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ".
من هجرة الرسول (ص) تعلمنا أن الذي أخرجك من أرضك ظلماً وعدواناً لن يهنئ طويلاً بما فعل بل ستعود إليها بعد أن تمتلك الإمكانات التي تؤهلك لذلك، فطبقنا الأمر في لبنان ومن خرج من الجنوب بسبب الاحتلال الصهيوني عاد إليها فاتحاً كما عاد رسول الله (ص) إلى مكة فاتحاً، واليوم لن نهنئ حتى نُخرج الصهاينة من أرضنا التي ما زالوا يحتلوها في لبنان ونحرر فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر. من هجرة الرسول (ص) تعلمنا أن أهلك هم من ينصرك ويؤمن بعقيدتك وفكرك لا من يعاديك وإن كان ذا قربى "تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ" في حين أن (سلمان منا أهل البيت).
وكي تكون معالم الهجرة ودروسها نبراساً لنا فإننا نعلن للأمة ما يلي:
أولاً: عدونا هو العدو الصهيوني ولا عدو لنا في أمتنا غيره والخلافات التي نعيشها هي خلافات اجتهادية لا تضر في وحدة الأمة، ومصيره معنا الزوال ومصيرنا النصر في المعركة الحاسمة التي رأينا تباشيرها بالنصر المؤزر للجمهورية الإسلامية الإيرانية على الكيان الصهيوني.
ثانياً: على اللبنانيين الخروج من الحسابات الضيقة إلى رحاب الوطن الكبير وهجرة الاختلاف إلى روح التوافق، فبها وحدها نحمي الوطن ونبني مجده، ويجب أن يكون محسوماً لديهم أن كل من يعين العدو الصهيوني هو مجرم تجب معاقبته بغض النظر عن دينه وطائفته ومذهبه، وأن لا حل إلا بالثلاثية الماسية "الجيش والشعب والمقاومة" فبها ننتصر ونحقق العزة والسيادة والاستقلال.
ثالثاً: نرفض أي صيغة من صيغ الاعتراف بالعدو الصهيوني وما يُعد لفرضه علينا من خلال التطبيع مع الكيان الصهيوني، ونطالب العالم الإسلامي بإعداد العدة لإجهاض هذا التطبيع من خلال الوحدة والجهاد ودعم محور المقاومة الذي خاض في الحقبة الأخيرة أشرس معاركه مع العدو الصهيوني الغاشم.
رابعاً: ستبقى القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة التي يجب عليها أن تهب لنصرتها خاصة مع هذه الملاحم البطولية التي نراها في غزة، والنصر المؤزر لإيران على الكيان الصهيوني، وفي هذا المجال نُعلن أن مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني قد فشل بلا رجعة، ولذلك نحن ننصح كل قيادات العالم العربي والإسلامي أن تعود لخيار الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة الإسلامية والعربية الذي هو المقاومة.