ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ ساتَرَكَ عَيْبَكَ وَعابَكَ في غَيْبِكَ فَهُوَ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُ

22:56 - June 08, 2025
رمز الخبر: 3500465
بيروت ـ إکنا: إن الإمام علي (ع) يضع لنا معياراً فاصلًا بين العدو والولِيِّ، وبين النصيحة والغِيبة، فالعدو هو الذي يتأتى منه الضرر بقصد أو بغير قصد، والناصح الأمين هو الذي يُخبرك بعيبك مباشرة.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ ساتَرَكَ عَيْبَكَ وَعابَكَ في غَيْبِكَ فَهُوَ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُ".
 
العدوُّ أصناف:  أحدها: أن تكون عداوته ظاهرة جليَّة، يعتدي عليك بضرب، أو شتم، أو هتك ستر، أو إساءة إلى كرامة، أو منع حق، ويكون قاصداً ذلك ابتداءً، وهذا النوع غالباً ما تكون منه على حذر وخوف.  
 
والثاني: أن تكون عداوته مستترة مُضمَرة، يُبدي لك المحبة، ويغريك بما تُحب، ويزَيِّن لك ما تهواه نفسك، وقد يُقسِم أنه ناصح أمين يريد مصلحتك، فيضُلُّك ويُرديكَ، كما هو شأن الشيطان مع أبناء آدم، وهذا الصنف غالباً ما نغفل عن عداوته، ولا نأخذ الحيطة منه. 

والثالث: ليست عداوته ظاهرة ولا مُضمَرة، ولكنه يؤذيك بجهل منه، أو يعديك بأخلاقه السيِّئة، أو لا يكون لك مرآة صافية، إن رأى منك عيباً ساترك وكتمه عنك، وإن رأى منك انحرافاً لم ينصحك، وإن غِبتَ عنه أطلق العِنان للسانه أمام الآخرين بنقدك، وفضح ما يرى منك، وهذا الصنف كثير، بل كثير جداً، فهو عدو في الحقيقة، بل وغادر، ويجب أن تحذر منه كما تحذر الصنفين السابقين.
 
إن الإمام علي (ع) يضع لنا معياراً فاصلًا بين العدو والولِيِّ، وبين النصيحة والغِيبة، فالعدو هو الذي يتأتى منه الضرر بقصد أو بغير قصد، والناصح الأمين هو الذي يُخبرك بعيبك مباشرة، يقصد إصلاحك ويحرص على ستر عيوبك، أما الذي يخبئ نصيحته لك ويفضحك للناس، فهذا لا يريد إصلاحك بل يريد أن تبقى على الحالة التي أنت عليها، فهو متواطئ عليك مع عيبك، ومساهم في مداومتك عليه بصمته عنه، أما إذا أضاف إلى ذلك إفشاء عيبك عند الآخرين، فقد اجتمع فيه تقصير وخيانة، لذلك يستحق وصف "العدو" لما يتأتى منه من إضرار بك، ولو بهذا الشكل الخفي.
 
لذلك يحذِّرنا الإمام أمير المؤمنين (ع) من هذا الصنف من الناس، مِمَّن يُظهِر لنا محبته في العَلَن، ويساترنا عيوبنا، لا ينهانا عنها ولا ينصحنا بإصلاحها، ويعيبنا بها في غيابنا، فلا ينبغي لنا أن ننخدع بصداقته وحلاوة كلامه. 
 
إن الناس يُقَيَّمون بأفعالهم وسلوكياتهم لا بأقوالهم، فإن كانوا صريحين معنا ينبهوننا إلى أخطائنا، كانوا رُحماء لنا في الواقع، لأن من الرحمة أن يُمسكوا بأيدينا ليرتقوا بنا، لينتشلونا من براثن الخطأ والمعصية والانحراف، وليزيلوا من أمامنا العوائق التي تعيق تقدمنا على طريق التكامل الأخلاقي والمعنوي، أما إن ساترونا عيوبنا فلم ينصحونا، ولم ينبهونا إلى ما يكون منا من أخطاء وانحرافات فهؤلاء قُساةٌ غِلاظٌ، وأعداء شِداد، لأنهم يروننا نتردَّى في بُؤَر الهلاك ولا يمدون إلينا يد المساعدة.
 
هذا الصنف من الناس يجب أن نكون على حذر شديد منهم، فلا نغفل عنهم طرفة عين، نراقب أفعالهم ولا نُطرَب لأقوالهم، لا نعطيهم الطمأنينة من أنفسنا، ولا نحضهم الثقة، ولا نستريح إليهم، ولا نُطلعهم على أسرارنا وخفايا أمورنا، بل نبني معهم علاقة متوازنة واعية، إن رأينا منهم خطأً سارعنا إلى تنبيههم إليه، وإن وجدنا منهم انحرافاً قوَّمناه، فنكون لهم مرآة صافية ناصحة حريصة عليهم، فإن صلح حالهم فبها ونعمت، وإن بقوا على ما هم عليه اجتنبنا صداقتهم كي لا تنتقل إلينا العدوى منهم. 
 
بهذا يربينا الإمام أمير المؤمنين (ع) على الفِطنة والوعي في علاقاتنا الاجتماعية، ويدعونا إلى معرفة العدو الحقيقي لنا، الذي لا يقتلنا مادياً ولكنه يقتلنا معنوياً وأخلاقياً. 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
captcha