ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ بَذَلَ في ذاتِ اللّهِ مالَهُ عَجَّلَ لَهُ الْخَلَف

20:47 - June 15, 2025
رمز الخبر: 3500564
بيروت ـ إکنا: قد أكَّد القرآن مراراً على أن ما ينفقه المنفقون في سبيل الله يرجع إليهم كاملاً خير منقوص، يوفِّيه الله إليهم، كأنما هو قرض اقترضه منهم ويعيده إليهم.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ بَذَلَ في ذاتِ اللّهِ مالَهُ عَجَّلَ لَهُ الْخَلَف".
 
تختصر هذه الجوهرة الكريمة فلسفة العطاء في سبيل الله، وسبيل الله كل ما فيه خير للناس والحياة، وتقوية للدين عقيدة وشريعة وقِيَماً، وتكشف عن سُنَّة إلهية جارية في الأموال والأرزاق، وهي: أن كل مال يبذله المرء عن طيب نفس منه متقرِّباً به إلى الله تعالى فإن الله يُخلِفه له، لا ينقص منه شيء، بل يُثريه الله وينَمِّيه، ويرجعه إليه أضعافاً مضاعفة في الدنيا، ويثيبه على بذله في الآخرة رضاً ورضواناً ونعيماً مُقيماً.
 
ولا يخفى عليك قارئي الكريم أن الإنفاق في سبيل الله واجباً كان كالزكاة والخمس، أم مندوباً كالصدقات المندوبة هو من أسمى مظاهر العبادة، ولكل عبادة أجرها وثوابها، وأثرها الطيِّب في نفس المُنفق، لما فيها من تهذيب للنفس، وتنقية لها من البخل والشُّحِّ، وتحرير الشخص من عبودية المال، وتعويده على البذل والعطاء، واستثمار المال فيما يُقرِّب من الله تعالى، والشعور بالآخرين والسَّعي في حاجاتهم، مِمّا يعزِّز أواصر العلاقة بين أفراد المجتمع، ليكونوا جميعاً صفاً واحداً كأنهم بُنيان مرصوص.

إضافة إلى ما سبق فإن البذل في ذات الله وسيلة لجلب الرزق والبركة، وقد جاء في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "اسْتَنْزِلوا الرِّزْقَ بالصَّدَقَةِ" وهذا واحد من أهم معاني قوله (ع): "عَجَّلَ لَهُ الْخَلَف" مع التأكيد على أن ما يُخلِفه الله على الباذل في ذاته تعالى، لا يقتصر على المال والبركة، بل يفتح له أبواباً جديدة للرزق من حيث لا يحتسب، ويدفع عنه البلاء والمصائب، ويُنعِم عليه براحة البال وطمأنينة النفس، ويزيده هدى إلى هُداه، ويوفِّقه في أموره الدنيوية، ويُرفع منزلته في المجتمع، ويُنعِم عليه بالذرِّية الصالحة. 
 
ولقد أكَّد القرآن مراراً على أن ما ينفقه المنفقون في سبيل الله يرجع إليهم كاملاً خير منقوص، يوفِّيه الله إليهم، كأنما هو قرض اقترضه منهم ويعيده إليهم، وإن المستفيد منه هو الفقير أو المجتمع، فإن الله غني عن العالمين، قال تعالى: ... وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴿الأنفال: 60﴾.
 
وأكَّد مراراً كذلك على أن الله تعالى يعلم ما ينفقه الشخص في سبيله، ويُخلفه له، ومن ذلك قوله تعالى: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴿سبأ: 39﴾.

وأكَّد على أن المال الذي يُبذَلُ في سبيل الله يتكاثر وينمو ويتضاعف أضعافاً كثيرة، من ذلك قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿البقرة: 245﴾.

وقوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿البقرة: 261﴾.

وقوله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿البقرة: 265﴾.
 
ختاماً أقول: إن العطاء في ذات الله تعالى هو اختبار حقيقي للإيمان والأخلاق، لأن المال محبوب للنفس، والله تعالى يدعو إلى البذل منه، فمن يبذل ماله يختار ما يحبُّه الله على ما تحبُّه نفسه، كما أن فيه تربية للنفس على الكرم، والجود، والإيثار، والشعور بالآخر والتعاطف معه.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
 
captcha