ایکنا

IQNA

الله، نحن والغرب: روایتان حضاریتان فی العصر الحدیث

22:08 - September 04, 2025
رمز الخبر: 3501521
قم المقدسة ـ إکنا: يُبرز لنا قياسُ النظرة التوحيدية للثورة الإسلامية الإسلامیة بالنظرة العَلمانية الغربية حجمَ أزمات العالم الحديث بجلاء أكبر.

وفيما يلي نصّ المقال الذي بعث به عضو الهيئة الرئاسية لمجلس خبراء القيادة في إیران ونائب رئيس رابطة مدرسي الحوزة العلمية في قم المقدسة "آية الله الشيخ عباس الكعبي" إلى وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا).

"بسم الله الرحمن الرحیم

﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِی کُلِّ أُمَّهٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَیْهِ الضَّلَالَهُ فَسِیرُوا فِی الْأَرْضِ فَانْظُرُوا کَیْفَ کَانَ عَاقِبَهُ الْمُکَذِّبِینَ﴾ (النحل: ٣۶)

لقد کانت الثورة الإسلامیة فی إیران «زلزالاً حضاریاً» نسف أسطورة «موت الله» وأبطل دعوات إقصاء الدین عن الحیاة الاجتماعیة والسیاسیة والیوم، یُبرز لنا قیاسُ النظرة التوحیدیة للثورة الإسلامیة بالنظرة العَلمانیة الغربیة حجمَ أزمات العالم الحدیث بجلاء أکبر.

١. الغرب: حضارة تدّعی الاستغناء عن الله

أقصت الحضارة الغربیة الدین عن المجال العام عبر العَلمانیه، وأقامت «أصناماً» جدیدة للإنسان:

صنم الرأسمالیة الجشعة: حیث تتحکّم الکارتلات والاحتکارات والإمبراطوریات المالیة الطفیلیة بالقرار السیاسي والاقتصادي العالمي. إنّ مثلث المال والقوّة والخداع هو الحاکم الحقیقي الیوم، ممّا أفرز فوارق طبقیة حادّة وظلماً مؤسسیاً.

صنم اللذة والشهوة: أصالة الفردانیة والنزعة الاستهلاکیة المفرطة حوّلت الإنسان المعاصر إلى عبدٍ جدید، وقوّضت الأسره وألغت المعنى الحقیقی للحیاة والسعادة.

صنم عبادة القوة: فراعنة العصر شیّدوا نظاماً أحادی القطب على قاعده «أَنَا رَبُّکُمُ الأَعْلَى»، قائمٍ على إذلال الشعوب الحرة، وإشعال الحروب والمجازر، وجعل العدوان معیاراً للسیاسه والعلاقات الدولیة.

وکانت النتیجة أزمات متراکبة: أزمة الحکم الجائر، أزمة المعنویة، أزمه الأمن، تفکّک الأسره، الاکتئاب الجماعي، تفاقم اللامساواة، الأزمة البیئیة، وانهیار إنسانیة الإنسان ــ وأبرز مثال على ذلك جرائم غزة. إنّ الغرب العَلماني قد فقد بوصلة الهدایه، وأوقع البشریه في تیه وضیاع.

٢. الثورة الإسلامیة: العودة إلى الله وروایة الحیاة الطیبة

في المقابل، مهّدت الثورة الإسلامیة بشعار «حاکمیة الله» الطریق لعودة الإنسان إلى ربّه، وقدّمت روایة أصیلة عن الحیاة الطیبة:

اقتصاد مقاوم وعدالة محوریة: الاقتصاد في خدمه الإنسان، لا الإنسان في خدمه الاقتصاد. فالإنتاج ونمو الثروة قیمة، لکن الإسراف والبذخ والتفاخر قیمٌ مضادّه.

کرامة الإنسان والحریة الحقیقیة: الحریة الحقّة تعني العبودیة لله وخدمة الناس، واللذة الحقیقیة تکمن في القرب الإلهي.

الاستکباریة والعزة الإسلامیة: القوّة وسیله لتحقیق العدل والدفاع عن المستضعفین، لا أداة للهیمنه والقمع.

٣. التقابل الحضاري فی زمن الأزمات

إنّ فعالیة هذین النموذجین في مواجهه أزمات العصر تکشف بوضوح عمق الهوّة بینهما:

أزمة الاخلاق: الغرب غارق في النسبیة الأخلاقیة، بینما الثورة الإسلامیة تؤکّد على القیم المطلقة والفضائل الإنسانیة.

أزمة الحکم: الدیمقراطیة الغربیة أسیرة الشعبویة وتلاعب الإعلام وهیمنة المال؛ أمّا الدیمقراطیة الدینیة فتجمع بین الشرعیة الإلهیة والقبول الشعبي، وتقوم على الاختیار الواعي للأصلح وبناء الکفاءه.

أزمة العدالة: الرأسمالیة الغربیة أداة ضخمة لإنتاج اللامساواه. أمّا الثورة الإسلامیة فجعلت العدالة ومحاربة الفساد محور الحُکم، وإن تأثرت أحیاناً بأضرار ناتجة عن نماذج التنمیة الغربیة.

أزمة المعنویة: الغرب یقدّم روحانیات زائفة، بینما تطرح الثورة الإسلامیة الروحانیة التوحیدیة القائمة على عبودیة الله، وکرامه الإنسان، والجهاد الحضاري.

الخاتمة: معرکة الروایات وضرورة العودة إلى الله

إنّ الصراع القائم الیوم لیس مجرّد نزاع سیاسی أو عسکری؛ إنّه «معرکه الروایات الحضاریه». لقد أثبتت التجربه الغربیه أنّ البشریه عاجزه عن بناء مجتمع عادل وآمن وذی معنى بعیداً عن الله. وفي المقابل، یرى خطاب الثورة الإسلامیة الايرانية أنّ العودة إلى الله وإقامه الحُکم التوحیدي ضرورة تاریخیة وحضاریة.

فالخلاص الإنسانی مرهونٌ بدمج العلم والإیمان، العقلانیة والمعنویة، العدالة والتقدّم. إنّ تجاوز الحداثة العَلمانیة والسیر نحو «النظام التوحیدي الجدید» هو الطریق الذي ترسمه الثورة الإسلامیة کنموذج حیّ وفاعل؛ نظام یلتقی فیه الإیمان بالعلم، والکفاءة بالأخلاق، والعدالة بالمسؤولیة، والمعنویة بالتقدّم.

اسمُکَ یا شمسَ العوالِمِ سوفَ یَزْهَرُ فی الأنامْ
یومٌ تَرى الدُّنیا شَهوداً أنّها عَدلٌ وسَلامْ
غَدُ الجَمالِ، غَدٌ یَراهُ الملْکُ فی أحلى مَنامْ
لکنَّهُ فی عَصْرِ مَن صُودِرَ الحُقوقُ، یَکْتَمِلُ الحُلمُ المُدامْ

وَنُرِیدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّهً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِینَ ( القصص۵).

بقلم 

captcha