ایکنا

IQNA

جواهر علوية....

مَنْ لَمْ تُقَوِّمْهُ الْكَرامَةُ قَوَّمَتْهُ الإِهْانَةُ

23:34 - September 13, 2025
رمز الخبر: 3501605
بيروت ـ إکنا: إذا حرص الإنسان على كرامته فيجعله إنساناً مستقيماً، ولكن إذا لم يكن الإنسان حساساً تجاه مكانته، وفقد الشعور بكرامته، واعتاد امتهان نفسه، أو امتهان غيره له، فإنه لا يتعلَّم ولا يتقوَّم إلا حين يتذوق مرارة الإهانة

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ لَمْ تُقَوِّمْهُ الْكَرامَةُ قَوَّمَتْهُ الإِهْانَةُ".

إما أن يكون الإنسان مستقيماً نتيجة شعوره بكرامته، أو يُجبَر على الاستقامة بمرارة الإهانة، تلك هي المعادلة التي يكشف عنها الإمام أمير المؤمنين (ع)، وهي تكشف عن سُنَّةٍ اجتماعية تربوية نفسية لا تتبدَّل ولا تتحوَّل.
 
الكرامة قارئي الكريم ليست مجرد قيمة معنوية، بل هي المحرِّك النفسي نحو السلوك الراقي، والدافع الأخلاقي للالتزام بالقيم والمبادئ، فالإنسان الذي يشعر بعلو مكانته وسُمُوِّ كرامته عند الله، وبأن له قَدْراً في عيون الناس، يسعى فطرياً إلى صون هذه المكانة وتلك الكرامة، فيرتقي بأفعاله وأقواله، ويتجنَّب ما يُسيء ويُلَوِّث صورته أو يُنقِص من هيبته ويحطُّ من كرامته ومكانته.
 
هذا النوع من التربية والتأديب والتقويم هو الأرفع والأرقى، لأنه ينبع من داخل الإنسان، ولا يأتيه من خارجه، ويعتمد على وعيه الذاتي لا على الضغط أو الخوف، وينطلق من إرادته الحُرَّة ولا يُفرَض عليه، فالكرامة هنا هي الموجِّه لسلوك الإنسان، والكابح الذي يكبح أي خطوة منه يمكن أن تنال منها، بل إن حرص الإنسان على كرامته يمنعه حتى من التفكير بفعل أو سلوك يمكن أن يسيء إليها، فتكون الكرامة بمثابة العاصم الذي يعصم الإنسان حتى من الهَمِّ بالسلوك غير القويم.
 
وإذاً: إن حرص الإنسان على كرامته يجعله إنساناً مستقيماً، ولكن إذا لم يكن الإنسان حساساً تجاه مكانته، وفقد الشعور بكرامته، واعتاد امتهان نفسه، أو امتهان غيره له، فإنه لا يتعلَّم ولا يتقوَّم إلا حين يتذوق مرارة الإهانة، فتكون الإهانة إجراء ضرورياً على شاكلة (آخر الدواء الكَيّ) هنا تصبح الإهانة موقِظة ومنبِّهة له، إذ تضطرُّه إلى مراجعة نفسه وإعادة حساباته.
 
والإهانة قارئي الكريم ليس بالضرورة أن تكون شتماً أو توبيخاً أو إذلالاً، بل قد تكون فقداناً لثقة الآخرين، أو عزلة اجتماعية، أو تهميشاً في مواقع التأثير، وهذه كلها صور من "التقويم" الخارجي حين يعجز الإنسان عن إصلاح ذاته بإرادته الحُرَّة.
 
فالإمام أمير المؤمنين (ع) يرسم لنا خطين واضحين:

طريق الكرامة: ويبدأ بوعي الإنسان لكرامته ومكانته، ويمرّ بقيامه بواجب حفظهما، وينتهي بالرفعة والسُّمُوِّ عند الله وعند الناس.

وطريق الإهانة: وهو يبدأ بفقدان الإنسان شعوره بكرامته، ويمرّ بسلوكه الخاطئ، وانحرافه الأخلاقي، وامتهانه وسقوط كرامته، وينتهي باليقظة المتأخرة المتأتية من الإهانة.

الطريق الأول: يسلكه العقلاء الذين يعرفون قيمة أنفسهم، والطريق الثاني: يسلكه من يغفلوا صون كرامتهم حتى توقِظُهم الإهانة. 
 
ختاماً أقول: هذه المعادلة يجب اعتمادها أساساً في التربية، فالطفل الذي يُربَّى على الشعور بقيمته وكرامته، يتحمل المسؤولية عن أفعاله، لكنه إن لم يشعر بكرامته فيجب تقويمه بالإهانة، وفق التفسير الذي قدمناه، والطالب الذي يؤدَّب على الكرامة والمكانة لا يكون منه ما يسيء إليهما، فيتحمَّل مسؤوليته تجاه درسه، وتجاه معلميه، وتجاه مدرسته، لكنه إذا كان فاقداً الشعور بالكرامة فيجب توبيخه بلا ريب، وفي المجتمع، فإن الأفراد الذين يُعاملون باحترام يقلّ انحرافهم، فإذا استهانوا بكرامتهم فيجب تأديبهم وردعهم، وهكذا الشأن في الإدارة السياسية، فإن القائد الذي لديه شعور بكرامته الشخصية، يحافظ على كرامة شعبه، ويُخلص لقضاياهم، ويتواضع لهم، أما إذا فقد الشعور بكرامته، فبالأولى ألا يحافظ على كرامة شعبه، وعلى شعبه أن ينفض عنه، ويُسقِطه.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
 
captcha