ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

التعامل مع الحياة من منظور الامام علي(ع)

22:45 - December 23, 2025
رمز الخبر: 3502931
بيروت ـ إکنا: إنّ التعامل مع الحياة يتطلَّب مهارات كثيرة، من أهمها أن تتعامل معها ببصيرة ووعي، وكلاهما يقتضيان أن تقرأ الحاضر وتستشرف المستقبل، وتعمل بعقلٍ يتطلّع إلى الأمام، ما يجعل رؤيتك أوضح، وقراراتك أكثر رشدًا.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ اسْتَقْبَلَ الأُمُورَ أَبْصَرَ، مَنِ اسْتَدْبَرَ الأُمُورَ تَحَيَّرَ".
 
إن أردت النجاح والفلاح، فعليك أن تكون مبادراً، تستشرف الأمور، تفكر في المستقبل، وما يمكن أن يأتيك به، وتستعد له بما تقدر عليه، واحذر أن تقبع في الماضي، أن تبقى حبيسا بين جدرانه، تفكر فيه ولا تفكر فيما ستأتيك به الأيام، فإنك إن فعلت ذلك وقعت في الحيرة، والحيرة تكبِّل حركتك، وتمنعك من التقدم خطوة إلى الأمام، وذلك هو الفشل بعينه، تلك هي الحتمية التي تنبِّهنا إليها الجوهرة العلوية الكريمة.
 
التعامل مع الحياة يتطلَّب مهارات كثيرة، من أهمها أن تتعامل معها ببصيرة ووعي، وكلاهما يقتضيان أن تقرأ الحاضر وتستشرف المستقبل، وتعمل بعقلٍ يتطلّع إلى الأمام، ما يجعل رؤيتك أوضح، وقراراتك أكثر رشدًا، بينما الانكفاء على الماضي، أو النظر إلى الأحداث والتفكير فيها بعد فوات أوانها، يضاعف حيرتك ويُشتّت تفكيرك، ويُفقِد المبادرة، ويجعل منك شخصًا تعصف الأحداث به كما تعصف الريح بما خفَّ وزنه من الأشياء.
 
هذه الحكمة البليغة للإمام أمير المؤمنين (ع) تنبهنا إلى ضرورة التخطيط الاستراتيجي، واستشراف المستقبل، والتحسُّب لما قد تأتي به الأيام، فاستقبال الأمور هو مواجهتها لحظة وقوعها أو قبل وقوعها، برؤية واعية تستشرف العواقب، مِمّا يعني أن يكون الإنسان عارفًا بزمانه، وبما يحدث فيه من تحوّلات، يقظًا، مدركًا لطبيعة الظروف، فيتعامل مع الأحداث بمنطق المبادرة لا بمنطق ردّ الفعل.
 
إن استقبال الأمور أن تكون لك نظرة استباقية، أن تستبق المستقبل فتفهمه، وتفهم ما يمكن أن يحدث فيه من تحولات، وتستعد لأحداثه قبل وقوعها، وتدرس كل الاحتمالات، وتضع لكل احتمال الإجراءات المطلوبة، وأن تفكر في عواقب خياراتك وخطواتك قبل أن تختارها وتخطوها، أن تذهب إلى المستقبل بدلا من انتظارك له.
 
فإن فعلت ذلك كنت بصيرًا واعيًا، ورؤيتك واضحة، وخياراتك سليمة، وخطواتك مستقيمة، ومثال ذلك ما جاء في قوله تعالى: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿المُلك: 22﴾.
 
إن الآية الكريمة تقدم لنا نموذجين متقابلين، نموذج يسير وهو وقد استشرف المستقبل، يعرف ما هو قادم عليه، ونموذج لا يمتلك رؤية، لا يعرف أكثر من أن يخطو، لكنه لا يدرك إلى أين يتجه بسيره.
 
فالذي يمشي مكبًا على وجهه لا يرى نهاية الطريق، أما الذي يمشي سويًا على الطريق فإنه يرى النهاية، والملفت أن الآية تحدثت عن النموذج الأول فاكتفت بالقول: إنه يمشي مُكبًا على وجهه، فهو لا يدري هل يمشي على صراط واضح، أم يمشي على طريق متعرِّج لا يرى نهايته، لكنها عندما تحدَّثت عن النموذج الثاني ذكرت أنه يمشي على صراط مستقيم، على طريق لا عِوَج فيه، هو واضح ونهايته واضحة.
 
فالإنسان بلا رؤية يشبه الماشي مُنَكِّسًا رأسه، لا يرى علائم الطريق كما لا يرى ما عليه من عوائق، بينما صاحب الرؤية يسير وهو يطالع الطريق ويقارن بين الخيارات.
 
المكبّ على وجهه هو الذي لا يرى سوى موطئ قدمه، أي إنّه غارق في اللحظة دون وعيٍ بما بعدها، بينما التخطيط الاستراتيجي يقوم على رفع الرأس للنظر إلى الأفق، لا مجرد تدبير اليوميات، فمن يعيش أسير اللحظة لا يبني مستقبلاً، بل تقوم حياته كلها على رد الفعل لا الفعل، ومثل هذا لا ينجح غالبًا إن لم يكن دائمًا. 
 
وإن المنتظر الذي يترك الأمور تحدث ثم ينظر فيها، أو يقوم لها، دون أن يستعد لها مسبقًا فمن المؤكَّد أن يفقد توازنه، ويتخبَّط في قرارته، فتجري الأحداث عليه وهو عاجز عن مواجهتها، وفاقد التأثير فيها. 

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha